«إن الاسلام سبق آسيا وافريقيا في الكفاح ضد الاستعمار والغرب، لماذا؟ لأن الاسلام تعرض قبل أي شيء آخر في هاتين القارتين إلى حملات الاستعمار والغرب، فقد كان أعداؤه الألداء قد أثخنوا جسمه بالجراح وشوهوه، لذا نرى الحقد الأصيل للإسلام على الاستعمار. إنني لا أحمل للإسلام نفس المشاعر التي تحملها أنت، ولكنني أتفق معك وأؤكد كلامك بقوة ..

وربما أكثر منك أيضاً بأن الإسلام في العالم الثالث. هو أكثر العناصر والقوى الاجتماعية والايديولوجية التي تستطيع مواجهة الغرب، والتي لها بالأساس طبيعة مناهضة للغرب.

إنني آمل من كل قلبي في أن يستطيع المثقفون الأصيلون في بلدانكم التمسك بذلك السلاح الجبار، بذلك الاحتياطي الضخم من الثروة المعنوية والثقافية الكامن في أعماق المجتمعات الإسلامية. إن ذلك ضرورة حيوية من أجل توعية واستنهاض الجماهير للكفاح ولمقاومة حملات أوروبا ولمقاومة الأفكار والحلول والوساوس التي تتسلل إلى بلدانكم من أوروبا».

إنها مقتطفات من رسالة بعث بها المجاهد الكبير في الثورة الجزائرية ومؤلف كتاب «المعذبون في الأرض» البروفيسور فرانتز فانون إلى المفكر الإيراني الشهير المرحوم الدكتور علي شريعتي في نهاية ستينيات القرن الماضي.

عندما كتب فانون لشريعتي لم يكن يخطر ببال أحدهما ولا ببال أحد من المفكرين الاسلاميين ربما، بأن يوماً سيأتي على المسلمين يخوضون فيه أشرس معاركهم مع «الآخر» القادم من بعيد راكباً فرس «الخير والتقدم والحرية والتحرر» ليدافعوا فيه عن أنفسهم في معركة وجود حقيقية لمجرد انهم ينتمون إلى «فئة» المسلمين أياً تكن قومياتهم وأياً تكن مذاهبهم أو انتماءاتهم أو أطيافهم الفكرية.

يومها لم يكن 11 سبتمبر، ولم تكن ظاهرة طالبان ولا ابن لادن ولا الثورة الإيرانية في المشهد العام للمواجهة حتى تُستغل إحداها لتبرير المعركة التي يبدو انها كانت مفتوحة على شعوبنا آنذاك بقوة ايضاً حتى جعلت مثل المفكر الجزائري الفرنسي الأصل فرانتز فانون ينتبه إليها ويطالب لحشد الطاقات لمواجهة زحفها تحت راية الإسلام.

أعرف أن الوضع ملتبس جداً في العراق، كما أعرف بأن الوضع صعب للغاية في فلسطين وان له أبعاداً إنسانية متشابكة ومعقدة للغاية ما يجعل معركة الاستقلال الفلسطينية غير قابلة للحصر في الحدود الايديولوجية أو الدينية فقط، وأن معارك الحرية والديمقراطية و«الاصلاح في بلداننا العربية والاسلامية لا يمكن اختزالها في البعد الإسلامي المحض.

لكن القدر المتيقن من جوهر المعركة المفتوحة من جانب «الآخر» ضدنا خاصة إذا ما عرفنا أن قيادة ذلك المعسكر قد باتت بأيدي المحافظين الأميركيين الجدد المتحالفين مع الليكوديين، إنما هي معركة «تأديب» المسلمين، بل وإذلالهم وتركيعهم أياً كانت انتماءاتهم وتصنيفاتهم «الداخلية».

أعرف أن «القاعدة» ليست بالضرورة هي عين المدرسة السلفية، والأخيرة مختلفة تماماً عن المدرسة «الخمينية» وان للتيار الصدري تصنيفاً آخر مختلفاً عما سبق، لكن المعروف أيضاً بأن ما قد يجمع بين كل أولئك وحزب الله اللبناني مثلاً.

وكل ما يفكر بالعودة إلى روح المسجد وفلسفة الجهاد الفكري والسياسي والديني على قاعدة عقيدة المسلمين الصلبة إنما سيتم تصنيفه من قبل قيادة معسكر «الخير» الأميركي على انه «الارهاب» الاسلامي الموسوم بمحور «الشر»!

من جهة أخرى، فإنه في الإعلام كما في السياسة يلعب الدين اليوم دوراً بارزاً في تحريض الجماهير ضد الاستبداد أو الاستعمار أو التبعية والانقياد للأجنبي، ولا يمكن لأحد مهما علا شأنه أو جل مقامه تجريد الناس والعامة من شعورها وثقافتها الدينية، لا بل ان الحاكم في بلادنا .

وأياً كانت انتماءاته أو التزاماته الفكرية والسياسية لا يمكن له أن يحكم ويدير شؤون البلاد إلا بالتعلق ولو «بقشرة» الدين واحترام عقائد الناس الدينية وأعرافها وتقاليدها المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بتراث ديني عميق.

وهنا ثمة من يعتقد بأن في الأفق معارك وحروباً وهمية عديدة يخطط لها وسيتم تنفيذها تحت بيارق متعددة وأسماء متنوعة تفوح منها روائح حروب أهلية أو طائفية أو عرقية مقيتة، الغرض الأساسي منها فصل الجميع، معارضات وحكام وجماهير العامة عن الدين والتراث وثقافة البلاد .

وحضارتها التي تنتمي إليها حتى يتم تفريغ الوطن والأمة من مخزونها الاستراتيجي القادر على الممانعة والمقاومة. وعندما تسهل السيطرة النهائية والشاملة على كل مقدرات المنطقة من ثروات وأقدار وأوطان وكادر بشري.

لذلك كله نقترح على الجميع البحث وبشكل جدي ومستعجل عن صيغة «ميثاق شرف» بين كل الطوائف والتيارات والأطياف يمنع فيه منعاً باتاً اخراج أحد من الملة والدين أو تكفيره وتفسيقه لمجرد الاختلاف في الرأي أو في تقدير الموقف السياسي وأن يصبح «دم المسلم على المسلم حرام» ما لم يقف بشكل واضح لا لبس فيه في معسكر قوات الاحتلال يقاتل أبناء أمته ويطعن في دينها وشرفها.

أما ان ترفع طائفة من هنا بيرق محاربة طائفة من هناك، أو أن تكفر قيادة تنظيم جمهور طائفة كبيرة من الناس لاتباعها قيادة طائفة أو تنظيم آخر في العمل السياسي، فهذا ما لا يجوز، والأمر المتيقن أيضاً بأنه لن ينصر أحد من الأطراف في معركته المادية ضد معسكر أعداء المسلمين مهما كان متأكدا من صوابية عقيدته الدينية أو صفاء فكره السياسي.

وهنا بالذات نريد أن نعلنها صراحة بأنه لا المشاركة في أي انتخابات من شأنها أن تدخل المسلم في «جنة» الخلد! ولا مقاطعتها من شأنها أن تمنع عنه نار الجحيم!

بينما الأمر المؤكد الذي يجمع عليه المسلمون وكل العقلاء بأن الفتنة أشد من القتل، وهي الطامة الكبرى التي إذا ما استشرت في أمة أو شعب فإنها ستؤدي بعامة الناس إلى الهلاك وتجعل كل معاركنا خاسرة لا محالة.

وبالمناسبة فإنه لا دخل هنا للنوايا في نتائج هذه المعارك الدنيوية المادية الواضحة والشفافة، فإذا كان الله سبحانه وتعالى يثيب أو يعاقب على النوايا، وان الأعمال بالنيات فإنه وفي العمل السياسي فإن الأعمال بنتائجها على الأرض وان الدين المعاملة.

باختصار شديد ومكثف ينبغي علينا أن نرفع شعار «الحروب الأهلية خط أحمر، وطرق الدفاع عن الدين والوطن بعدد أنفاس الخلائق، وبالتالي فإن دم المسلم على المسلم حرام، والمعارك الداخلية لن يربحها أحد سوى العدو الخارجي».

ـ أمين منتدى الحوار العربي ـ الإيراني