المستشار شفيق امام كتب مقالا في «القبس» يوم امس الاول دفاعا عن وزير الاعلام او هو نقد غير مباشر للمادة الاساسية في الاستجواب المقدم ضده، وهي مخالفته للشريعة الاسلامية. ولكن وبدلا من ان يبدو السيد امام مستشارا قانونيا بدا لنا فقيها دينيا واماما واعظا ومتبحرا بعلوم الدين، وليس خبيرا دستوريا وقانونيا كما هو مفترض.

تدين المستشار امام لا يعنيني، لكن يعنيني كثيرا عندما يعمد خبير قانوني و«دستوري» الى تفسير المادة الثانية معتمدا على تفسيرات وتنظيرات الارهابي الاكبر «او الداعية الاكبر» السيد قطب كما سماه المستشار امام. في حين ان المذكرة التفسيرية تغني وتزيد وتوضح بالابيض والاسود ما نسبه المستشار امام الى السيد قطب وما حاول استنباطه من الفقه والتاريخ والسنّة الاسلامية. المذكرة التفسيرية لدستور دولة الكويت التي عنيت بتفسير المادة الثانية جاء فيها، بل ان فى النص- المقصود نص المادة الثانية - ما يسمح مثلا بالاخذ بالقوانين الجـزائية الحـديثة مع وجـود الحـدود في الشــريعة الاســلامية. «اذا، تطبيق الحدود الاسلامية ليس ملزما وتجاوزها منصوص ومباح بنص المذكرة التفسيرية الذي هو نص المادة الثانية من الدستور. اذا، لماذا سيد قطب ولماذا احاديث هذا وذاك، ولماذا الاستعانة من قبل خبير دستوري بكتب التراث، بينما المذكرة التفسيرية فيها ما يغني ويزيد..؟!

انا لا اعتقد ان هذا مصادفة، رغم احتمال ذلك، لكني اعتقد ان السيد امام يريد لنا ان نحتكم للفقه الاسلامي وللمذاهب الاسلامية في تفسير الدستور. وهذا هو بيت القصيد. وهذا ما نرفضه بقوة وعن حق ودراية.

قراء السيد امام متدينون وغير متدينين، مسلمون وغير مسلمين، والكويتيون مواطنون بالدرجة الاولى..فيهم المسلم والمسيحي وغير المتدين. فلماذا يخاطبهم او بالاحرى يخطب فيهم السيد امام، معتمدا على توجيهات سيد قطب وآثار من قضى من الاولين؟ خطورة ما طرحه المستشار امام - واعتقد هنا ان «الشيخ » امام يمثل وصفا اصدق له بمناسبة ما كتب - خطورته تكمن في انه حوّل النص الدستوري من السماح بالاخذ بحدود واحكام الفقه الاسلامي الى «ضرورة» تطبيق او الالتزام بالدين الاسلامي نفسه، وشتان بين الشريعة الاسلامية كتشريع وبين الدين الاسلامي كسلوك وامتثال.

بل ان دعوى انعدام مسؤولية وزير الاعلام عن تطبيق الشريعة الاسلامية، وهو ماحرص السيد امام على ان يبدأ به مقاله بحجة ان ذلك مسؤولية المشرع دون شرح استحالة ذلك - اي تطبيق الشريعة- ديمقراطيا ودستوريا يعني الاتفاق مع المستجوبين ومع اتجاههم ويؤدي الى مطالبة مجلس الامة ومجلس الوزراء بتطبيق الشريعة او ما ينادي به المستجوبون..!! يعني بشكل واضح تطبيق الشريعة الاسلامية ملزم ولكنه مسؤولية المجلس والحكومة وليس وزير الاعلام. وهذا ما لا يتفق مع النظام الديمقراطي ومع مجمل الابواب الاولية للدستور.

ليس في موقف المستشار امام المتجاهل للمذكرة التفسيرية عجب او غرابة، فالمستشار امام يتجاوز الدستور، نفسه وهو كحال كل المتعدّين والمنتهكين في الحكومة والمجلس للدستور يضع قوانين التخلف ووجهة نظر التطرف فوق الدستور، فهو يرى انه..«إذا جاوز اي مصنف فني مقالا أو كتابا او مسلسلا او اي عمل فني آخر حدود القانون فإن الحماية التي خلعها الدستور على حرية الرأي والتعبير تنحسر عنه ليقدم القائمون على هذا العمل إلى القضاء». هذا كان او كنا سننظر اليه على انه تحصيل حاصل، فالمجرم الذي يرتكب اي جرم يفقد الحماية والحصانة اللتين وفرهما له الدستور. فيجوز احتجازه وتفتيش مقتنياته وتحديد اقامته ويقدم ايضا الى القضاء. لكن «القانون» الذي سيخلع الحماية التي وفرها الدستور لحرية الرأي والتعبير هو قانون المطبوعات سيئ الذكر غير القانوني وغير الدستوري، وهو ما يريد السيد امام وغيره تقديمه على الدستور وعلى الحريات المكفولة للناس فبه. في النهابة المستشار امام، او بالاصح الشيخ امام، يفتي «دستوريا وقانونيا» بان قوانين متخلفي مجلس الامة ورغباتهم هي فوق الدستور وهي الاساس الذي يجب ان يبني عليه القضاء احكامه، وليس مبادئ النظام الديمقراطي وليست مواد دستور دولة الكويت..الذي هو قانون القوانين.