كتب محرر الشؤون المحلية - يتواصل الجدل في الاوساط الشعبية والحزبية والنقابية ومؤسسات المجتمع المدني الاخرى، حول الاسباب التي دعت اغلبية في مجلس النواب ترفض الخضوع لأحكام قانون اشهار الذمة الذي اقر النواب بنوده وشملوا وظائف عامة وشخصيات تتبوأ مراكز متقدمة في الدولة وفي بعض المؤسسات والهيئات التابعة لها، فيما استثنوا انفسهم من هذا القانون على نحو اثار الاستغراب والغضب وبخاصة ان الاسباب التي ساقها رافضو «الانضمام الى القانون» من النواب غير مقنعة وغير مبررة، ان لجهة الشكل أم لجهة المضمون..
والأصل في العمل العام هو الوضوح والشفافية والقبول «بقواعد اللعبة» وهي هنا قواعد لم تعد مزاجية او خاضعة لاعتبارات شخصية محضة لأن مؤسسات المجتمع المدني باتت قوية وصاحبة صوت ولأن «الحكومات» لم تعد في منأى عن المحاسبة بعد ان استقرت الاعراف والتقاليد الديمقراطية على ان تكون خاصة للمساءلة والرقابة من قبل المجالس التشريعية المنتخبة وهي في هذه الحال من اكثر المؤسسات شرعية كونها جاءت بارادة شعبية والشعب دستوريا هو مصدر السلطات..
من هنا يبدو اصرار بعض النواب على عدم الخضوع لأحكام القانون الذي انتظره شعبنا طويلا والذي قد يبدو في بعض بنوده اقل «صرامة» من مشروع قدم الى مجالس نيابية سابقة حمل اسم من أين لك هذا؟ الا انه خطوة نوعية وكبيرة ومتميزة على الطريق الذي نأمل ان يكون حافزا الى قوانين اخرى تحصن المال العام وتضع من يخدم في الحكومة ومؤسساتها وهيكلتها الاخرى تحت المجهر باستمرار على نحو يوصلنا الى رتبة متقدمة في القائمة التي تصدرها منظمة الشفافية الدولية كل عام والتي نحتل فيها الآن مرتبة لا نحسبها ترضي طموحنا وطموح قيادتنا..
لم يعد مقبولا من نواب الشعب الذين جاءوا الى مواقعهم الراهنة بارادة شعبية وجاء بعضهم، وبخاصة اولئك الذين يتبنون آراء سياسية بخلفيات حزبية واخرى شبيهة، على هدي من برامج حفلت كلها بخطاب «حماسي» يذهب بعيدا في طرح الوعود والحرب على الفساد ومحاسبة الحكومة على أية قرارات تفوح منها رائحة المحسوبية والمحاباة، فاذا بنا نقع اسرى المفاجأة الكبرى وهي ان الذين يعرفون ان مهمتهم تنحصر في التشريع والمراقبة والمساءلة بهدف تجويد الحكم وترشيد اتخاذ القرارات وقوننتها تحت طائلة المسؤولية، يطلبون لأنفسهم ما لا يرفضونه لغيرهم ويذهبون باتجاه زيادة امتيازاتهم تارة برفع الرواتب لموازاتها برواتب الوزراء فيما هم لا يخوضون بنفس الضراوة والعناد «معركة» تخص الموظفين او العمال (مثلا)، وتارة اخرى بالاصرار على اعفاء سياراتهم من الجمارك ويعتبرون ان النائب يجب ان يكون مميزا ومتميزا حتى يتمكن من خدمة (...) الشعب، فيما كلهم وبغير استثناء كانوا يقولون في بياناتهم (التي لم تعد نسبة عالية منهم تتذكرها) ان الخدمة تكليف وليس تشريف، فكيف هي الآن اذا؟..
اننا نأمل ان ينتبه النواب الى صوت الشعب وان يعيروه اهتمامهم وان يروا في انفسهم قدوة ومثلا وليس صنفا آخر يجب ان يتمتع بامتيازات ليس من حقهم..
والفرصة لم تتبدد بعد وبمقدور النواب ان يعيدوا القانون الى اللجنة القانونية كي تضيف عليه تعديلا جديدا (علما انه كان في النص الاصلي الذي قدم قبل ان يسارع النواب الى اخراج انفسهم من معادلة المساءلة) ينص على شمولهم بقانون اشهار الذمة، وبذلك تعود الأمور الى نصابها وبغير ذلك فان الجدل سيستمر والتجاذبات ستتواصل ونحسب ان النقاش في النهاية لن يحسم لصالح النواب الذين يفترض انهم يدافعون عن مصالح الشعب والوطن وليس عن مصالحهم الخاصة..