واشنطن_منير الماوري:علمت «الشرق الأوسط» من مصادر موثوقة في العاصمة الأميركية بوجود تسجيلات بالصوت والصورة تم فرزها أخيرا من بين أطنان من الوثائق التي عثر عليها في بغداد عقب سقوط النظام العراقي السابق، تتضمن لقاءات خاصة جمعت بين عدي صدام حسين نجل الرئيس العراقي السابق مع شخصيات عربية من بينها محمد جاسم العلي المدير السابق لقناة «الجزيرة» القطرية الذي أعفي من منصبه في مرحلة لاحقة من دخول القوات الأميركية العاصمة العراقية، إضافة إلى لقاءات أخرى أمر عدي بتصويرها أثناء استجوابه لعائلات عراقيين طلبوا اللجوء السياسي في الخارج.

وفي هذا الإطار أعدت قناة «الحرة» الأميركية الناطقة باللغة العربية برنامجا تسجيليا تعتزم بثه الخميس المقبل يتضمن نماذج من تلك الأشرطة بما في ذلك اللقاء المصور بين عدي ومدير «الجزيرة» جرت وقائعه في مكتب عدي بمقر اللجنة الأوليمبية العراقية أثناء زيارة جاسم العلي إلى بغداد عام 2000، ولقاء ثان مع الكاتبة السورية المقيمة في باريس حميدة نعنع تعبر فيه عن إعجابها بشخص عدي ووالده صدام، وصحيفتهما «بابل». كما يتضمن البرنامج مقتطفات من لقاء ساخن بين عدي وأفراد من أسرة الرياضي العراقي المنشق رائد عبد الأمير الذي طلب اللجوء السياسي إلى الولايات المتحدة عقب مشاركته باسم العراق في دورة الألعاب الأوليمبية بأتلانتا.

وقد تمكنت «الشرق الأوسط» من مشاهدة البرنامج الوثائقي المزمع بثه بصوت المذيعة العراقية داليا العقيدي، والذي يؤكد فيه محمد جاسم العلي بصوته أنه جاء إلى بغداد لتلقي توجيهات وملاحظات عدي على أسلوب عمل قناة «الجزيرة».

ويظهر في الشريط جاسم العلي وهو يدخل إلى مكتب عدي لابسا بدلة رسمية وهو يسلم على عدي مرددا: يا هلا ومرحبا، كيف صحتك؟
ويرد عليه عدي متسائلا: أنت اليوم بلا عقال يعني اليوم أنت مدني.
ويواصل محمد جاسم: يا هلا ومرحبا كيف الحال؟ إن شاء الله بخير؟
ثم يشير عدي إلى شخص عراقي يبدو أنه مقبل من الدوحة مع مدير «الجزيرة» قائلا له وكأنه يعرفه: مرحبا شامل، فيرد شامل: السلام عليكم. وقالت مصادر عملت في قناة «الجزيرة» لـ «الشرق الأوسط» إن شخصا عراقيا باسم شامل سرسم كان يعمل وقتها رئيسا لقسم العلاقات البرامجية.
ولم تشر «الحرة» في برنامجها إلى من يكون شامل الذي ظهر مع العلي في بغداد، لكن المعلقة في البرنامج أشارت إلى أنه بعد فترة وجيزة من سقوط صدام بدأت حكومة قطر تعيد تشكيل مجلس إدارة قناة «الجزيرة» وبدأت أنباء تتسرب عن وجود فضائح واتصالات سرية بين أشخاص في «الجزيرة» مع جهات عراقية. ويظهر البرنامج صورة سبق أن نشرت في مواقع عربية لمقدم برنامج «الاتجاه المعاكس» فيصل القاسم مع أياد محيي الدين الذي تصفه قناة «الحرة» في برنامجها المرتقب بأنه مسؤول محطة المخابرات العراقية في الدوحة. ويُذَكر البرنامج المشاهدين بأنه جرى تغيير مدير قناة «الجزيرة» فيما بعد.

ثم يظهر العلي مرة أخرى في حواره مع عدي قائلا: الحمد لله المهمة كانت ناجحة تماما من خلال وجودنا، لقد التقينا أمس بوزير الإعلام والتقينا البارحة كذلك مع وزير التجارة وكانت والحمد لله نشاطات متوالية بما يعود بالفائدة للجانبين إن شاء الله.

فيرد عدي: أكيد إن شاء لله.. إنها فرحة أن نراك بعد هذه الفترة غير القصيرة نسبيا من الغياب. لقد مرت سنة كاملة من دون أن نراك.

وتقطع «الحرة» الحوار لإظهار تعليق للإعلامي العراقي جلال الماشطة الذي يدلي برأيه الشخصي في قناة «الجزيرة» وتحليله لأسلوبها المهني، ثم ينبه البرنامج إلى أن الحوار بين عدي ومحمد جاسم العلي جرى تسجيله في 13 مارس (آذار) عام 2000، ويبدو أن اللقاء لم يكن الأول من نوعه وفقا لسياق الحوار، فقد سبقته لقاءات كانت نتائجها إيجابية حسب وصف عدي، إذ أن نصائح وتوجيهات أسفرت عن ظهور وجوه جديدة في قناة «الجزيرة» من بينها مقدم برنامج «بلا حدود» أحمد منصور الذي يصفه عدي بالولد منصور ويعجز عن تذكر اسمه الكامل.

يشار إلى أن أحمد منصور الذي تصفه صحف عربية بأنه يمتاز بالتدين ويعمل حاليا مقدم برامج في قناة «الجزيرة» لم يكن يعرف بأي علاقة مع البعثيين.
ويقول عدي في الشريط المسجل صوتا وصورة مخاطبا ضيفه محمد جاسم العلي: في المرة الأخيرة عندما جنابك أتيت ومعك الإخوان حكينا في بعض الأفكار ويبدو أنكم كنتم تسمعونها بشكل جيد لأنه فعليا بعد ذلك حدث بعض جوانب التغيير قد تكون لفتت انتباهكم، حيث جاءت وجوه جديدة مثل الولد منصور، ما أدري أيش منصور بلا حدود».

وبعد ذلك علق عدي على إحدى حلقات برنامج «الاتجاه المعاكس» وأشار إلى أن محمد جاسم العلي قال إن قناة الجزيرة «هي قناتكم» وبالتالي فإن من حق عدي إبداء ملاحظاته.

ويقول عدي على وجه التحديد «الاتجاه المعاكس صار به سوء فهم» (قالها بالإنجليزية misunderstanding) ثم يواصل «الإخوان تحدثوا معي قالوا إن قناة الجزيرة هي قناتكم، بهذا التعبير المجازي أو بالمعنى الحرفي كما يقال، فيهمني أن أعطي ملاحظاتي».

ويرد محمد جاسم قائلا: الحقيقة أني أتيت وأحمل تحيات الشيخ حمد بن ثامر رئيس مجلس الإدارة وإن شاء الله قريبا تكون هناك زيارات وإن شاء الله يكون موجود إن شاء الله.

محمد جاسم: سنتواجد إن شاء الله في بغداد ونلتقي بك إن شاء الله.. أنا موجود هنا طال عمرك لكي أسمع وجهات نظرك ولكي نأخذ منك الملاحظات.
عدي: أنا أتكلم معكم بحكم العلاقة التي تمتد إلى ثلاث سنوات، ولكنك تعرف البشر من شكله ومشيته وهذا الكلام في الحقيقة غير موجه لك بقدر ما هو موجه لأصحاب القرار الآخرين في مجلس الإدارة.

ويواصل عدي حديثه: نحن يا أخ جاسم.. عفوا محمد حتى نفهم الموضوع برمته لازم نعرف نقطة النجاح مالتنا وين.. في واقع الحال نحن عندما نعرف نقطة النجاح أين هي عند ذلك يصبح الاستدلال على الهدف سهل جدا، وعندما يكون الاستدلال على الهدف سهل جدا فبالإمكان أن نبقى مطورين خطواتنا التي بدأناها منذ اللحظة الأولى.

ثم يتطرق عدي إلى النواحي الإدارية الخاصة بقناة «الجزيرة» فيقول: «في تقديري الشخصي أن العمل لو ترك لك شخصيا في إدارة كل شيء كما شرعتم منذ بداية العمل، وليس في المرحلة اللاحقة عندما تم تشكيل مجلس إدارة وشخوص معينة أوجدت ووضعت.. لكانت هذه القناة تطورت بشكل أسرع بكثير منها حاليا».

وفي الوقت الذي يظهر فيه عدي شيئاً من العتب الخفيف على قناة «الجزيرة» فإنه لم يتورع عن الاستهانة بدولة قطر صاحبة القناة وشعبها الذي ينفق عليها فيقول: أنتم داخل قطر.. لقد صعد معي شيخ من الشيوخ إلى ملعب الشعب، وسألني كم يتسع هذا الملعب قلت له يتسع لخمسين ألفا ويمكن أن يتسع لسبعين ألفا إذا وقفوا متراصفين، فقال لي الشيخ كلمة ظلت راسخة في ذهني وقتها.. نحن كقطريين حقيقيين عددنا كلنا يكاد يكون بهذا القدر فحينما ترونا نتأرجح بين اليمين واليسار فهي محاولة للتنقل على الحبال ليس إلا.. لهذا السبب أخ عدي يجب ألا تعتبوا علينا.

لم يعلق محمد جاسم العلي على ذلك لكنه قال لعدي: «أستاذي أنا صراحة أشكر ثقتك الغالية بي بأني كان لي دور في هذه «الجزيرة»، وبالعكس أنا أقول إنه لولا تعاونك ودعمك لنا لما نجحت مهمتي.. مهمتي أنا في العراق و«الجزيرة» التي كان لها دور كبير في نجاحاتها فكثير من الإخوان الذين ينفذون دائما في الحقيقة توجيهاتك كانوا دائما دعما لنا».

تجدر الإشارة إلى أن لقاء محمد جاسم العلي بعدي صدام حسين تلاه لقاء آخر في أكتوبر (تشرين الأول) 2002 مع الرئيس العراقي صدام حسين واصطحب العلي معه في اللقاء مقدم برنامج «الاتجاه المعاكس» فيصل القاسم، وقد سجلت كاميرات «الجزيرة» وقائع اللقاء، إلى جانب كاميرات التلفزيون العراقي، لكن «الجزيرة» امتنعت عن بثه بحجة حدوث خلل فني أثناء تسجيل اللقاء.

ولم يعرف بعد ما إذا كانت أي جهة عراقية أو أميركية قد حصلت على الشريط المشار إليه من بين وثائق القناة العراقية.

وفي استفسار لـ «الشرق الأوسط» عما إذا كانت قناة «الحرة» قد حصلت على تسجيل لذلك اللقاء أجاب موفق حرب نائب رئيس مؤسسة «إم تي إن» المشرفة على قناة «الحرة» ومدير شبكة الأخبار فيها، إن ما لدى «الحرة» حاليا هو تسجيلات خاصة بعدي وستبث المحطة كل ما يتوفر لديها بلا تردد. ونفى أن تكون الحرة عازمة على حذف أي جزء من المواد التي حصلت عليها.

ورفض حرب الكشف عن الطريقة التي وصلت فيها تلك التسجيلات المزمع بثها، واكتفى بالقول إن «الحرة» حصلت عليها بوسائل أكثر مهنية من أسلوب حصول «الجزيرة» على أشرطة أسامة بن لادن التي وصفها بالدعائية.
وأبلغ «الشرق الأوسط» أن في جعبة «الحرة» مفاجآت مرتقبة أخرى لمشاهديها رفض الخوض فيها، كما أكد أن البرنامج المشار إليه سيبث الخميس المقبل على شاشتي «قناة الحرة» و«الحرة عراق» في وقت واحد.
ومن الشخصيات العربية الأخرى التي التقت بعدي صدام حسين وتظهر في أشرطة «الحرة» التي اطلعت «الشرق الأوسط» على أهم ما دار فيها، حوار نجل الرئيس العراقي معه الكاتبة السورية المقيمة في باريس حميدة نعنع.
ووفقا للوقائع التي ظهرت في الفيلم التسجيلي فإن الكاتبة السورية دخلت مكتب عدي وهي تقول «أهلا بالعزيز ابن العزيز والغالي ابن الغالي». ويقطع اللقطات المسجلة للعناق بين عدي ونعنع ظهور الإعلامي العراقي فلاح مشعل في لقطات حديثة ليعلق على كوبونات النفط ويتهم النظام السابق بأنه كان يقدم العطايا للإعلاميين العرب بأكثر مما يعطي بعض الكفاءات العراقية.
وتعود اللقطات التي تجمع بين حميدة نعنع وعدي وهو يتصفح مجلة «الوفاق العربي» التي كانت تصدرها نعنع في باريس، ويعلق عدي على المجلة بأن الطباعة ممتازة فتقول له نعنع «دعني أحكي لك عن الحيلة التي عملناها».
وتواصل قائلة: يا سيدي بعد أن أغلقوا الإعلام في فرنسا، الإعلام العراقي.. صار شبه صعب أن نطلع بشيء من باريس.

وتتابع حديثها عن صعوبات الإصدار في باريس ووسائل التغلب عليه، إلى أن يقطعها صوت المعلقة في الفيلم التسجيلي بالكشف عن أن حميدة عرضت على صدام حسين تأليف كتاب عنه، غير أن صدام رفض الفكرة لأن حميدة نعنع جعلته ثانيا بعد أن أعدت كتابا عن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، وقررت إثر رفض صدام تأليف كتاب عن طارق عزيز.

ويعود الفيلم إلى اللقطات التي تجمع عدي وحميدة نعنع، ويقول عدي عن مجلتها «الوفاق العربي»: إن شاء الله العدد السابق سيكون وفق هذا الكلام.. لقد مرت سبعة أشهر..
حميدة نعنع: سابع عدد.. بحثت عن صورة لأبي عدي وتعذبت كثيرا حتى وجدت هذه الصورة، لقد رغبت أن يكون منتصرا ويضحك.. هل تتذكر هذه الصورة؟ منذ متى؟ فيرد عدي أعتقد أنها تعود إلى 1985. وتوضح نعنع تاريخ الصورة بأنها تعود إلى أيام قادسية صدام، ثم تكرر «لقد تعذبت حتى وجدتها»، فيقول لها عدي: لو طلبت منا لساعدناك في ذلك.

وينقطع الحوار مرة أخرى بظهور فلاح مشعل ليواصل الحديث عن الكوبونات ويشير الى وجود قائمة بعشرات الأشخاص تسلموا ملايين البراميل النفطية، غير أن الفيلم التسجيلي يشدد على أن حميدة نعنع أنكرت أي علاقة لها بتلك الكوبونات النفطية، ثم يظهر الفيلم صورة وثيقة بتوقيع طه ياسين رمضان للتوجيه بزيادة نصيبها من براميل النفط.

وتعود الصور التي تجمع نعنع مع عدي حيث تخاطبه قائلة: كما أشرت في
رسالتك لي والتي هي جميلة كثيرا ولطيفة..

عدي مقاطعا: المهم رؤيتك والله.

نعنع: الله يخليك. كنت في كل مرة أتمنى رؤيتك.. تعرف أنك لما أصدرت جريدة «بابل» فرحت بذلك كثيرا.. وبعدين النمط الذي أصدرت «بابل» بيه والطريقة وما إلى ذلك.. لها خصوصيتها عندما تقرأ في الخارج.

وتواصل مديحها لصحيفة «بابل» قائلة: لا نجد إلا ما تكتبه «بابل» في كل صحف العراق، لقد فرحت بجريدة «بابل» من البداية وبعد ذلك كنت أتمنى لو عندي إمكانيات لأصدرت جريدة مثل «بابل».

ثم انتقلت من الإعراب عن إعجابها بجريدة «بابل» إلى إعجابها بشخص عدي، كما أعربت عن أسفها لدى سماعها بمحاولة اغتياله عام 1996 وتقول: «إنجنيت يوم أن سمعت الخبر».

وتنتهي اللقطات وهي تنصت لنصائح وتحليلات عدي.

ولم يقتصر الفيلم التسجيلي الذي تبلغ مدته أكثر من ساعة على حميدة نعنع ومحمد جاسم العلي ولقائهما مع عدي صدام حسين بل كانت بداية الفيلم التسجيلي عن الرباع العراقي رائد عبد الأمير الذي طلب اللجوء السياسي في الولايات المتحدة عند مشاركته في دورة الألعاب الأوليمبية في أتلانتا بجورجيا أواخر يوليو 1996، وكان وقع تلك الخطوة قاسيا جدا على عدي صدام حسين الذي كان يرأس اللجنة الأوليمبية حيث بادر عدي إلى الاجتماع بأعضاء اللجنة في لقطات مصورة وجرى كتابة تعليق بالفصحى على الشاشة لمساعدة المشاهد العربي في معرفة اللهجة العراقية، ولكن كان الصوت واضحا جدا للمشاهد العراقي الذي يفهم لهجة بلده جيدا.

والتقى عدي بوالد الرباع العراقي الهارب وكذلك والدته ليلى حسون حيث ألح عليهما عدي بالسؤال عن زوجة ابنهما، ومع ذلك كما يقول البرنامج فإن عدي لم يتعرض بالأذى المعتاد لوالد ووالدة الرباع العراقي الهارب لسبب بسيط وهو أن عدي نفسه كان كفيلا الرباع الهارب ولم يكفله أقاربه، ومنذ ذلك اليوم والسلطات العراقية تشترط على من يسافر في وفد رسمي أن يكفل أقاربه عودته.

وركز عدي عند لقائه بأقارب الرياضي المنشق على سؤالهم إلى أي منطقة ينتمون فقالوا إنهم أصلا من أولاد عامر من البصرة وسُمع عدي يأمر شخصا ما أن يدون أسماءهم، وعندما سأل عدي والد الرياضي العراقي عن وصفه لما فعله ابنه قال الأب هذا غلط فرد عليه عدي بغضب قائلا «هذا عار مو غلط». ووفقا لرواية الأب والأم لـ«الحرة» فإن عدي أمر بإيقاف التصوير وأبلغهما بأن عليهما إحضار زوجة الرياضي الهارب وإلا فسوف «نقص رؤوسكم» ثم قالا إنه جرى نقلهما بسيارة إلى سجن بقوا فيه 16 يوما في ظروف غاية في البشاعة. ووفقا للرواية ذاتها فإنه تم العثور على زوجة الرباع العراقي وتملكت أقاربها المخاوف من أن تتعرض للاعتداء، ولكن تم الإفراج عنها في وقت لاحق وتمكن زوجها من تهريبها إلى عمان حسب ما رواه للبرنامج الوثائقي.