القاهرة من سباعي إبراهيم: أكد الرئيس الجزائري السابق أحمد بن بلا «أن إسرائيل هي خط الدفاع الأول والموقع الأمامي لحماية الحضارة الغربية والنظام العالمي الجديد في وجه الإسلام والشرق». وأعرب بن بلا في حوار مع «الرأي العام» على هامش مشاركته في الاحتفال الذي أقامته الجامعة العربية في 26 ديسمبر الماضي لمناسبة الذكرى الخمسين للثورة الجزائرية، عن اعتقاده بأن «المعركة أصبحت عربية ـ إسلامية ـ عالمية» شاملة وتقتضي تجديد البناء الاجتماعي والسياسي والثقافي وإقامة الوحدة العربية في معركتنا مع العدو الصهيوني», وقال «إن الغرب وأميركا ليسوا آلهة، وعلينا ألا نجعلهم آلهة للكون، وأن نبحث عن مصادر قوتنا في حضارتنا وثقافتنا»، مؤكداً «قدرتنا في إمكانية تجاوز الوضع الحالي المتخاذل والمخزي الذي نمر به حاليا».
وفي ما يلي نص الحوار:
باعتباركم قائدا لثورة التحرير التي خلصت الجزائر من الاحتلال الفرنسي كيف ترون المقاومة الفلسطينية، وما هو الفرق بينها وبين الثورة الجزائرية في الرؤية والأهداف وعوامل النجاح والتحديات؟
ـ المقارنة بين ثورة التحرير والثورة الفلسطينية تأتي من جوانب عدة لكنها صعبة على كل حال لأن الظروف تختلف كثيرا، فالثورة الفلسطينية انطلقت في غير أراضيها بينما في الجزائر انطلقت من داخل شعبها، وفي الجزائر هناك جبال شاهقة وغابات مساحتها ثلاثة ملايين ونصف المليون هكتار ومساحة الجزائر واسعة جدا بينما فلسطين صغيرة للغاية,, فالفارق هنا هو طبيعة الأرض لكن الاستعمار الاستيطاني كان واحدا في البلدين إذ كان عندنا مليون ونصف مليون مزارع مسلحة وهؤلاء كانوا بمثابة بؤر مسلحة مثل المستوطنات في فلسطين, والفرق الجوهري الآخر والذي لا أعتبره لصالح الثورة الجزائرية هو أن الانتفاضة الفلسطينية استطاعت أن تصيغ صيغة العمل الجماعي أفضل منا.
هل ترون أن الشعب الفلسطيني بمفرده يمكن أن يحرر بلده من دون مساعدات خارجية لنيل حريته واستقلاله؟
ـ غير ممكن أبدا، لأن الصراع القائم على أرض فلسطين يرهن مصير كل العرب والمسلمين، وبالمقابل فإن كل قوى النظام العالمي تقف خلف إسرائيل لأنه إذا انتصر العرب والمسلمون في المعركة القائمة مع العدو الصهيوني انهارت كل استراتيجيات الغرب من ناحية وتجمدت كل الشعوب المقهورة من ناحية أخرى,, الانتفاضة الفلسطينية قامت عمليا على أيديولوجية جوهرها استقلال الشعب الفلسطيني واستغلالها المقاومة فهل هذه المقاومة ستحرر فلسطين بأدوات ووسائل ومناهج كلها إقليمية، ومن دون تقليل من إمكانات الشعب الفلسطيني لكن المعطيات التاريخية تقتضي بأن تأخذ المعركة منحنى آخر وحجما آخر على اتساع الساحة العربية والإسلامية، والذي يعطيها حجما أقل يرتكب خطأ جسيما, إذن فالمعركة عربية - إسلامية - عالمية شاملة وتقتضي تجديد البناء الاجتماعي والسياسي والثقافي، وبالذات الوحدة العربية في معركتنا مع العدو الصهيوني تتجسد كل المتناقضات التي تواجهنا وفي تحريرها تكمن كل ضرورات التجديد والاستمرار، إننا نكون من خلال الاستجابة كرد فعل على التحدي - وقد حدث ذلك بالفعل من قبل وفي الموقع نفسه أثناء الحروب الصليبية,,, في فلسطين ستكون المواجهة الفاصلة الكبرى بين النظام العالمي كله والقوة العربية والإسلامية, فلسطين صغيرة لكنها أهم من بلاد كثيرة، والغرب لا يخفي أن إسرائيل هي الموقع الأمامي لحماية الحضارة الغربية والنظام العالمي الجديد في وجه الإسلام والشرق.
كيف تنظرون إلى ما يتردد في الغرب بأن هناك صراعا للحضارات وأن الإسلام هو العدو الأول للغرب,, والتلويح بالحروب الصليبية؟
ـ الحروب الصليبية في رأيي كانت بداية النظام العالمي الحالي حيث بدأت بالفعل في التكون في هذه الحروب, في البداية كانت هناك ربما معطيات دينية لا ننكرها، لكن خلال وقت قصير جدا تطورت إلى الأهداف الاقتصادية والمادية، والدليل أن الحملات التي كانت تتوجه إلى بيت المقدس كانت تحتل بلادا كبيزنطة، فللصليبيين تاريخ أسود, فمنذ البداية ومنذ الحملة الأولى وليس الخامسة أو السابعة بدأت أهداف السيطرة على العالم تتكون, ولا ننسى أن الازدهار والثقافة كانا في الشرق, هنا أقول إنه في تقديري أن انبعاث الحضارة الغربية المعاصرة يمتد ليس إلى الأندلس - وفقا لما هو شائع - وإنما يمتد إلى الحروب الصليبية, بعد ذلك بدأت تتكون المملكة الجديدة في فرنسا وإيطاليا وكل منهم ملوك تأثروا بالعرب إلى درجة أنهم أصبحوا مشكوكا في مسيحيتهم وفي ولائهم للبابا, فلا بد للجميع أن يعرفوا أولا سنن الله في خلقه وأنها سنن لا تجامل ولا تحابي ولا تتبدل ولا تتحول، وأن نعرف -نحن العرب والمسلمين بالذات - أن الأمر يحتاج منا أن نراجع أنفسنا مع أنفسنا، لأنه من سنن الله أنه عز وجل جعل التغيير يتم من النفس أولا «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» وبالتالي قبل أن أبحث عن كيد العدو يجب أن نعرف أن ما يقع منا أحيانا مع أنفسنا يكون الآخر على أنفسنا من كيد العدو.
لكن كيد العدو هذه المرة فاق كل التوقعات؟
ـ بالنسبة الى كيد العدو أقول إننا نجد القرآن الكريم لا يذكر داءً إلا ويذكر الدواء وربما اجتمع الداء والدواء في القرآن الكريم وفي آية واحدة وحتى لا يبعد الناس ويبحثوا عن الدواء بعد جهد، فيقول الله عز وجل «إن تمسسكم حسنة تسوءهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط», فالآية في الدواء أجملت، وهذا الإجمال يجب أن يتدبر «وإن تصبروا وتتقوا» فالصبر هنا ليس صبر الأبي الذي يكظم غيظه إلى أن يعد عدته لرد الكيد بل إنه الصبر الجميل والتقوى الشاملة لما يجب أن يكون.
تقولون أنه يجب على المسلمين أن يعدوا العدة، والسؤال هنا: كيف يمكن أن يحدث ذلك في ظل الضعف والخوف من قوة كبرى تسمى أميركا؟
ـ ما أقوله هنا بصراحة كاملة أن التحول يمكن أن يتم في لحظات، فالأمة الإسلامية تتحول من ضعف إلى قوة ومن ركون إلى انطلاق لإقامة الحق والعدل لله بينها بل في العالم.
لكن كيف يمكن أن يتأتى ذلك؟
ـ هذا لا يكون إلا بشرط، وهو أن نعرف من أين تكون قوتنا وأن نعرف من نحن وماذا نريد,,, أن نعرف حكمة خلقنا وغاية وجودنا, بل أقول بصراحة وقوة أن نعرف رسالتنا في العالم, نحن ورثة الأنبياء جميعا بلا تزيد، ذلك أن القرآن الكريم يحدثنا عن رسالة الأنبياء جميعا ويعرفنا أن سنن الله التي لا تجامل ولا تحابي تقتضي منا أن نراجع جميع أمورنا وإمكاناتنا لنجعلها جميعا خاضعة لإعلاء كلمة الله, وخلاصة القول إن الغرب والأميركان ليسوا آلهة ـ وعلينا ألا نجعلهم آلهة للكون، ونبحث عن مصادر قوتنا في ثقافتنا وحضارتنا، وهذا الوضع الحالي المتخازل والمخزي, نحن لدينا القدرة على تجاوزه وذلك لوعد الله لنا وأن الدفاع عن ثغرات الأمة (العراق وفلسطين) واجب.