كشفت الخارجية البريطانية، في 1 يناير، عن جانب من وثائقها التي تضم أسراراً وحقائق طال حجبها ثلاثين عاماً، تتعلق بمفاوضات فض الاشتباك بين اسرائيل من جهة وكل من مصر وسوريا من جهة أخرى في عام 1974، وذلك إعمالاً للقانون الذي يجبر مسؤولي هذه الوزارة على اتاحة الوثائق للجمهور بعد انقضاء ثلاثة عقود على إدراجها في ملفاتها.
أما الوثائق التي تتسم بقدر أكبر من التعقيد والطابع الخلافي، فقد أجل الكشف عنها حتى مرور خمسين عاماً، إعمالاً للقانون نفسه.ويلفت النظر هنا أن الصحف اللندنية أعلنت أن الخارجية البريطانية عمدت إلى «إتلاف» جانب لا بأس به من وثائقها، التي كان يفترض أن توفرها للرأي العام، وذلك في مخالفة صارخة للقانون.
وعلى الرغم من ذلك، فإن الوثائق تظل كنزاً حقيقياً من المعلومات يكشف النقاب عن وقائع مدهشة في مفاوضات فض الاشتباك وعن مواقف الأطراف المعنية والتكتيكات التي اتبعها الدكتور هنري كيسنجر وزير الخارجية الأميركي في استدراج المفاوضين العرب إلى أرضية منهاج الخطوة خطوة، الذي عمد إلى اتباعه في التعامل مع تعقيدات الصراع والدور الذي لعبته لندن في تسهيل هذا الاستدراج.
وحرصاً من «البيان» على أن تقدم لقرائها هذه المعلومات الثمينة فإنها تقدم هذه القراءة الموضوعية في الوثائق من دون تبني الآراء الواردة فيها، ذلك أن هذه الوثائق تعبر عن توجهات السياسة البريطانية ومصالحها وثقتنا بحنكة القاريء العربي كبيرة.
فرصة نادرة حقاً هي تلك التي تتيحها لنا المراسلات بين وزير الخارجية الاميركي دكتور هنري كيسنجر ونظيره البريطاني جيمس كالاجان لنطل من قرب على التكتيكات التي اتبعها الأول في اطار الحملة الدبلوماسية الاميركية التي استهدفت تمهيد الارض لمفاوضات فض الاشتباك بين اسرائيل وكل من مصر وسوريا على الاسس التي تبنتها واشنطن منذ البداية والتي تم التنسيق مسبقاً بشأنها مع تل ابيب.
لسوف نرى أولاً كيف التقى كيسنجر بموشي ديان وزير الدفاع الاسرائيلي وحصل منه على اقتراح يشمل تصور تل ابيب لآلية فض الاشتباك، وهو يصفه بأنه يشكل تقدماً بالنسبة للمواقف الأولية الاسرائيلية.
ثانياً، سنتابع لقاء كيسنجر مع اللواء حكمت الشهابي، مبعوث الرئيس السوري حافظ الأسد، وسنلاحظ على الفور كيف ان الوزير الأميركي يحاول «بيع» الاقتراح الاسرائيلي لدمشق، وان كان لا يتردد في القول انه لا يعتزم فرضه على سوريا حيث انه يراه «غير مناسب» الى حد كبير.
ان الكلام هنا ـ في ابريل 1974 ـ لايزال يدور حول الموضوع نفسه الذي يطرح اليوم وهو ان «الارض غير كافية»، اي ان اسرائيل تتمسك كعهدها ابداً بالرغبة في ابتلاع الاراضي والامن معاً من دون مقابل حقيقي.
ويبرز بجلاء تقسيم الادوار بين واشنطن ولندن، حيث ترى الدبلوماسية البريطانية في نفسها القناة الافضل للتعامل مع تل ابيب وتمرير المشروعات والاقتراحات منها واليها، وذلك باستغلال «نفوذ» حكومة حزب العمال لدى تل ابيب.
طوال الوقت لا يغيب عن الطرفين الدور الروسي وحتمية تقليصه من منظورهما في الشرق الاوسط الى حد التلاشي، اذا كان ذلك ممكناً.
لكن ماذا عن موقف القاهرة؟ كيف يجري التعامل معها؟ عبر اي الية يتم سبر أغوار نوايا السادات وهامش التنازلات التي يمكن أن يقدمها تحت الضغط ـ أو الاغواء ـ الأميركي؟
قبل الاجابة عن أي من هذه الاسئلة لابد لنا من ملاحظة ان وثيقة صادرة عن الخارجية البريطانية بتوقيع أنطوني اكلاند تشدـ بالنسبة للأطراف العربية عموماً على أنه «من المهم لمصالح بريطانيا ألا يقوم العرب باتيان شيء يتسم بالحماقة».
هذه واحدة، وأخرى ان الوثائق البريطانية تلقي لنا ضوءا باهراً على موقف القاهرة من خلال رسالة موجهة إلى هارولد ويلسون رئيس الوزراء البريطاني من السادات، حيث نلاحظ ان السادات يشدد ـ عبر لغة دبلوماسية مركبة ـ على الحقائق التالية:
ـ ان أي تفكير يدعو إلى اقتطاع أراض عربية وضمها لإسرائيل يجب ان يستبعد كلية من الجهود الرامية إلى احراز التقدم في التعامل مع الموقف.
ـ ان هناك قلقاً يسود بعض دوائر صنع القرار العربية من احتمالات انحراف السياسة البريطانية عن مسارها البناء في السنوات الأخيرة.
ـ ان أي سلام في المنطقة لا يمكن ان يدوم إذا تحقق في غيبة الشعب الفلسطيني أو دون اشتراك فعلي منه.
فلنحمل هذه الرؤية معنا، إذن، زاداً لنا في رحلتنا لقراءة موضوعية لهذه الوثائق.
دعنا نبدأ برسالة كيسنجر إلى كالاجان المرسلة في 14 ابريل 1974، ونصها كما يلي:
العزيز جيم
كما أشرت لك صباح اليوم، فإنني أكتب لك لأقدم لمعلوماتك شديدة الخصوصية تقريراً كاملاً عن مباحثاتي مع اللواء الشهابي، مبعوث الرئيس الأسد والذي يحظى بثقته.
كما تعلم، فإن مباحثاتي مع المبعوث السوري قد سبقتها مناقشات شاملة مع ديان، وقد ترك ديان لديَّ اقتراحاً إسرائيلياً، فيما لا يزال بعيداً عن تلبية المتطلبات السورية بصورة كبيرة، إلا أنه مع ذلك يشكل تقدماً بالنسبة للاقتراحات الإسرائيلية، في العديد من الجوانب المهمة.
كان الإسرائيليون يصرون، أصلاً، على ان جميع المناطق التي ينسحبون منها يتعين ان يتم تسليمها للأمم المتحدة، وهم في آخر اقتراح لهم يوافقون على ان جانباً كبيراً من المنطقة التي تنسحب منها إسرائيل ينبغي ان يحصل عليه السوريون، وفضلاً عن ذلك، فإن إسرائيل توافق الآن على أنه في المناطق التي يطلب من الأمم المتحدة الاشراف عليها فإن السكان المدنيين يعودون إليها.
وستتم إعادة اقرار الإدارة المدنية السورية، وأخيراً، فإن الإسرائيليين على استعداد لقبول ضوابط تفرض على الأسلحة على جانبهم من أي خط لفض الاشتباك يتم الاتفاق عليه شريطة ان يقبل السوريون ضوابط مماثلة على جانبهم.
قمت بتوصيف هذا الاقتراح بالتفصيل للمبعوث السوري في نهاية الأسبوع هذه، وأشرت في الوقت نفسه، ووافق المبعوث السوري، إلى أنني لا اعتزم فرض هذا الاقتراح على الأسد حيث أنه غير مناسب من جانب بارز، هو ان مدى الانسحاب غير كاف.
انني اعتقد، وقد اشرت إلى ما يفيد هذا بالنسبة لكل من سوريا وإسرائيل، ان الانسحاب الإسرائيلي لابد ان يكون إلى خط 6 أكتوبر، على الأقل، بل وبعد ذلك هوناً ما، بما في ذلك منطقة القنيطرة.
قدم المبعوث السوري كذلك خارطة مع اقتراح سوري يظهر بعض التطور في تفكيرهم، وفي إطار تقديمي هذا الاقتراح للإسرائيليين في عطلة نهاية الأسبوع هذه، أوضحت أنه بينما يمثل الاقتراح السوري، شأن الاقتراح الإسرائيلي، خطوة للأمام، فسوف يكون من المطلوب المزيد من التصالح والتوافق في وجهات النظر، وبصفة أساسية فيما يتعلق بمسألة خط فض الاشتباك.
انني اعتزم المضي قدماً بهذا الجهد عندما أمضي إلى المنطقة في غضون أسبوعين تقريباً. وستكون مفاوضات شاقة ولكنني أظل مفعماً بالأمل.
بينما تتعقد التطورات الداخلية في إسرائيل، فإننا نشارك ايبان في التقويم الذي طرحه مؤخراً، والذي مفاده أنه ينعكس في الكنيست اجماع من جانب الأغلبية لصالح فض الاشتباك على الجبهة السورية ـ الإسرائيلية وتؤكد الحوادث المتواصلة في مرتفعات الجولان الحاجة إلى محاولة الوصول بهذه الأمور إلى نهاية ناجحة في أقرب وقت ممكن.
كما تعلم، فإنني ناقشت الشرق الأوسط كذلك مع جروميكو، ويواصل السوفييت الضغط من أجل مشاركة مباشرة في عملية المفاوضات، وذلك حتى عندما لا تكون تلك هي رغبة المشاركين في المفاوضات. انني اعتقد، كما أنني على يقين من انك تعتقد ذلك بدورك، ان من المهم تجنب موقف قد يقرر السوفييت في إطاره ان يعرقلوا الأمور في هذا الصدد.
وللاستجابة إلى حد ما لما يحرصون عليه، فقد وافقت على لقاء جروميكو في جنيف في الطريق إلى الشرق الأوسط في رحلتي الوشيكة، وذلك على الرغم من أنه لن يكون هناك جديد نتحدث بشأنه، حيث ان أي اقتراح إسرائيلي سيتعين ان يكون نتيجة لقيامي باجراء المزيد من المحادثات في القدس.
يسعدني أننا في وضعية متقاربة بصورة وثيقة حيال هذه المنطقة الدقيقة، الحافلة بالمشكلات، التي لنا فيها مصلحة متبادلة، ويقوم ممثلونا العسكريون بالتنسيق فيما بينهم بفعالية في مشروع قناة السويس، الذي اعتقد أنه سيساعد علاقات بلدينا كليهما مع أصدقائنا المصريين.
لقد أظهر السادات حنكة، حكمة وبعد نظر جديراً بتأييدنا الكامل.
سأظل على اتصال وثيق معك قبل رحلاتي المقبلة في الشرق الأوسط مع احتراماتي الشخصية الحارة. هنري».
هكذا، إذن، كتب هنري، فلنر كيف رد جيم.
لسوف يجيء الرد في رسالة أكثر استفاضة، يلفت نظرنا فيها ان حماس كالاجان لتبادل الادوار يدفعه الى ترشيح رئيس وزرائه، هارولد ويلسون، لكي يكون الطرف الذي يمارس «نفوذ» لندن لدى تل أبيب، وسيلفت نظرنا ان اهتمام واشنطن بموقف موسكو يجد أصداء له في لندن، وفي الاتجاه ذاته، أي تقليص دور المفاوضين السوفييت ان لم يكن ابعادهم كلية، وذلك تحت ذريعة ان الاطراف المعنية بالمفاوضات مباشرة لا ترغب في الحضور السوفييتي.
في مايلي نص رسالة كالاجان الى كيسنجر المؤرخة في 17 ابريل 1974:
«سري.
العزيز هنري
كان امرا طيبا منك ان تستغرق كل هذا الوقت من جدول اعمالك الحافل لتضعني في الصورة بشأن ما يحدث.
فيما يتعلق بفض الاشتباك الاسرائيلي ـ السوري، احسست بالارتياح لسماعي بأن هناك الكثير من العطاء، كما يبدو ان محادثاتك تشير اليه، في مواقف الجانبين كليهما، ولست احسدك على مهمتك.
فيما يتعلق بالاسرائيليين، فقد اخبرني ديفيد اينالز بحوارك ويقيناً سأتحدث مع رئيس الوزراء في هذا الشأن، حيث انني اعتقد اننا سنكون افضل وسيط مع السيدة مائير كان ايبان بسبيله الى القدوم إلي ولكنني تلقيت الآن رسالة تفيد انه ليس بمقدوره القدوم، ونحن نعتزم استدعاء سفرائنا من الشرق الاوسط في وقت قريب لاجراء تقويم للموقف. وعلى الرغم من جهودك فان الامر بكامله لايزال يبدو هشاً للغاية، ولابد لنا من القيام بكل ما في وسعنا للحيلولة دون تدهوره.
انني اضع في الاعتبار ما تقوله عن مصر، واتفق تماما مع مشاعرك فيما يتعلق بالرئيس السادات، وفي موقفنا المالي الراهن فان دنيس هيلي سيرقعنا شذراً لدى أي اقتراح بمزيد من المساعده المالية، وكما ذكرت لك فان لدينا برنامج مساعده تبلغ قيمته 15 مليون جنيه استرليني، تم الاتفاق حتى الآن على مشروعات مندرجة فيه تكلفتها 5 ملايين جنيه استرليني .
وعلى الجانب الاقتصادي فان شركة بريتش ليلاند مهتمة للغاية بانشاء مصنع تجميع في مصر، وقد مضى الى هناك وفد من المصرفيين والمقاولين والاستشاريين لبحث امكانيات كل من العمل والاستثمار.
وقد تحدثوا جميعاً عن الوضعية المتواضعة للاقتصاد المصري، التي تشكل كابحاً بالنسبة لتأمين الاستثمار والائتمان، ولكن هذا شيء يتعين على بحثه، غير انه لابد من القول مجدداً، على نحو ما تعلم، ان احتياجات مصر كبيرة للغاية بحيث ان أي شيء يمكننا القيام به بصورة ثنائية لا يتجاوز قطرة في محيط. غير انه عندما يلتقي وزراء خارجية الدول التسع في شلوس جيمنتيش في يومي السبت والاحد فسوف احرص على مناقشة هذا الموضوع هناك.
فيما يتعلق بالسيد جروميكو، فانني ادرك كم هو صعب بالنسبة لك ان تكبح جماحه في الوقت الذي لا يحرض المشاركون انفسهم على حضور مفاوضيه لكنني على يقين من انك على صواب، حق وان كان هذا العبء الاضافي سيجيء على حساب طاقاتك، في مقابلتك له في الطريق الى الشرق الاوسط.
وقد تجد انه امر يستحق عناء القيام به ان تقترح عقد اجتماع آخر معه في جنيف في طريق عودتك، ومن الصعب على هذاالبعد تقويم ما هي نقطة الانكسار بالنسبة لكل الاطراف المعنية ولكن كلاً منا يقدر المهمة الدقيقة التي تقوم بها في دفع كل المشاركين الى أبعد مسافة يمكنك دفعهم نحوها من دون الوصول الى تلك النقطة.
لقد تم تغيير موعد الاجتماع في شلوس جيمنيش من 4 مايو الى 20 ابريل لتجنب الانتخابات الفرنسية، والهدف من الاجتماع هو اجراء المزيد من المحادثات حول اجراءات التشاور بين الدول التسع والولايات المتحدة، ولسوف انتهز الفرصة، بالطبع لاجراء مباحثات ثنائية حول المراحل المقبلة لاعادة التفاوض بشأن شروطنا لعضوية الجماعة الاقتصادية الاوروبية.
ونحن نحصل الآن على رزمة معاً تشرع في التشكل وذلك على الرغم من انني لا ازال ابحث ما اذا كان من الحكمة بالنسبة لنا ان نعلنها قبل انتهاء الانتخابات الفرنسية.
ذكرت في رسالتك الاولى امكانية استكمال بيان للتحالف في توقيت يناسب الاجتماع الوزاري في يونيو لمجلس الناتو. وابعث بأحدث صياغة لافكارنا الى بيتر رامسبوثام واطلب منه ان يراجعها بصورة عاجلة مع مساعديك. وسوف يطرح كذلك مسألة كيفية معالجة المسودة في التحالف لدى وصولنا الى اتفاق حول الصياغة.
وسيتمثل مسار محتمل في قيام ادوارد بيك، المندوب البريطاني لدى الناتو، بتوزيع النص على زملائه باعتباره مساهمة الحكومة البريطانية في النقاش ولكن ربما يتعين علينا ان ننتظر الى ان نحصل على اتفاق نجمع عليه فيما بيننا قبل ان نتخذ قراراً في نهاية المطاف فيما يتعلق بالمسألة الصعبة الخاصة بالتمثيل والتكتيك.
لسوف انتهز فرصة الاجتماع في شلوس جيمينس جيمنيش لمناقشة بعض هذه الامور بصورة عامة وسوف اعرب عن بعض الاندهاش حيال مدى صعوبة الممارسة، ولسوف اقول كذلك انه من وجهة نظري لابد لنا من محاولة التوصل الى بيان للاحتفال بالعام الخامس والعشرين للاتفاقية الاصلية بحيث لايدهشون حيال أي منهاج نعتمده.
وفي مناقشة الموضوع مع وزراء الخارجية الآخرين، لن اقول شيئا بالطبع حول مراسلاتنا الحالية بشأن هذا الموضوع، حيث انني على يقين من انك لن ترغب في ان اكشف النقاب عنها، مع اطيب التحيات وافضل التمنيات جيم كالاجان».
انتهت الوثيقة، ليبدأ حشد من التساؤلات المنطقية عن موقف القاهرة في هذه المرحلة الدقيقة من مسيرة الاحداث في الشرق الاوسط.
وكما سبقت الاشارة، فإن افضل وسيلة لمعرفة حقائق موقف القاهرة هي ان تقرأ الرسالة التي بعث بها الرئيس السادات الى هارولد ويلسون والتي تحمل تاريخ 14 مارس 1974 وفي مايلي نصها الكامل:

«عزيزي رئيس الوزراء
تحية طيبة وبعد،،
فقد تلقيت شاكرا رسالتكم المؤرخة 7 مارس 1974، واود ان انتهز هذه الفرصة لتهنئتكم بتوليكم رئاسة الوزارة، وهي مسؤولية اقدر اعباءها جيدا في هذه المرحلة بالذات، ومن جهة اخرى فانني لا اشك في انكم سوف تستغلون قدراتكم الممزوجة بالحكمة في التصدي بشجاعة للمشاكل المهمة، سواء داخل بلادكم او على الصعيد العالمي.
ومع تقديري لان الظروف الحالية قد لا تيسر لكم القيام بزيارة مصر بالسرعة التي كنا نرجوها، فأنا واثق من انكم ستقومون بهذه الزيارة حالما ان تسمح ظروفكم، وبهذه المناسبة فقد سررت كثيرا باستقبال السيد/ كالاجان وبالحديث الذي دار بيننا.
وقد كان لما ذكرتموه من اعتزام الحكومة الجديدة ان تمضي قدما في سياسة تدعيم العلاقات بين بلدينا وقع طيب في نفسي، فأنتم تعلمون انني حريص على الحفاظ على علاقات ودية ووثيقة مع المملكة المتحدة، وهو ما يعود بالنفع على كلا الجانبين، فضلا عن انه يسهم في تكريس نمط صحي للتعاون الدولي القائم على المصلحة المشتركة والفهم المتبادل.
أما بالنسبة لموقفكم من مشكلة الشرق الأوسط، فلا أخفي عنكم أن بعض الأخوة العرب ينظرون بشيء من القلق وعدم الارتياح لاحتمالات انحراف السياسة البريطانية عن المسار البناء الذي اتخذته المملكة المتحدة في السنوات الأخيرة.
وهو مسار يقوم أساساً على موقف ايجابي مع الحق ودون تحيز، غير أنني ـ بحكم التجربة ـ أفضل أن أتريث وأن أصدر حكمي على أساس الأفعال والتصرفات الحقيقة، لا الافتراضات أو التصورات الحدسية، وكل ما أرجوه هو أن تسيروا على سياسة رشيدة قوامها مباديء العدل وسلامة الدول. واستقلالها والحقوق الشرعية للشعوب.
ولعلكم تعلمون أننا كناـ منذ البداية ـ حريصين على أن تسهم بلادكم بنشاط في الجهود الرامية إلى التوصل إلى حل للمشكلة، بحكم المسؤولية الخاصة التي يلقيها عليكم وضعكم في مجلس الأمن، وكنا ولانزال نأمل أن تشتركوا في المساعي والضمانات الدولية التي تهدف إلى تحقيق سلام عادل ودائم في المنطقة، يضمن لشعوبها أن تعيش حياة آمنة، وأن تعبر عن الطاقات الخلاقة الكامنة فيها بعيداً عن التوتر والعنف.
وقد عبرتم ـ بصدق وموضوعية ـ عن تصميم العرب على استرداد أراضيهم المحتلة، وأظنكم تتفقون معي في أن أي تفكير يدعو إلى اقتطاع أراض عربية وضمها لاسرائيل يجب أن يستبعد كلية من مجال الجهود البناءة التي يمكن ان تؤدي إلى احراز أي تقدم، وبصرف النظر عن التبريرات والحجج التي تستتر خلفها تلك المحاولات.
وقد سرني كذلك أن لمست أنكم تدركون أن أي سلام في المنطقة لا يمكن أن يدوم إذا تحقق في غيبة الشعب الفلسطيني أو دون اشتراك فعلي منه، والواقع أنني لا أرى مبرراً على الاطلاق لأن ينكر أحد على هذا الشعب حقه الطبيعي في أن يكون كباقي الشعوب ـ صاحب الكلمة في تقرير مصيره ورسم صورة مستقبله.
ولا يفوتني أن أشكركم على الكلمات الرقيقة التي ذكرتموها عن دوري في انجاح الجهود التي بذلت حتى الآن لبدء المحادثات التي نأمل أن تؤدي إلى القضاء على المشكلة وتمكين شعوب المنطقة من مواجهة التحديات الحقيقية التي تنتظرها لبناء سلام عادل ودائم.
والواقع أنني ـ في كل خطوة أخطوها ـ أحس احساساً عميقاً بعظم المسؤولية التي يلقيها علي ايماني بحقوق بلادي. وحقوق الأمة العربية والتزامي بالسعي إلى ايجاد عالم أفضل يحقق للبشر جميعاً قدراً أكبر من السعادة والطمأنينة. والى أن أراكم قريباً.. أتمنى لكم كل توفيق وسعادة.