نيويورك من أحمد مرسي: كانت الكاتبة الأميركية سوزان سونتاج، التي توفيت يوم الثلاثاء عن عمر 71 سنة بمستشفى سلون كيترنج التذكاري للسرطان في مانهاتن، متأثرة بتعقيدات لوكيميا النخاع الشوكي، بعد صراع طال نحو ثلاثين عاماً مع سرطان ثدي عنيف، روائية وكاتبة مقالات وناقدة، جعلتها دعوتها الحارة وتصريحاتها الملتهبة واحدة من أكثر الشخصيات مثاراً للاحتفاء بها، وواحدة من أكثر الشخصيات استقطاباً، في أدب القرن العشرين. وأهم من أي شيء، في نظري، انها كانت من أكثر الأدباء والمفكرين الأميركيين بسالة في الاعلان عن مواقفها السياسية والفكرية بدون تزويق حتى لو كان أحد هذه المواقف يتعارض مع المزاج الوطني الشعبي السائد، مثل مواقفها من تردد واشنطن في حماية مسلمي البوسنة، وخصوصاً موقفها من غزو العراق، في الوقت الذي كان يتهم فيه المعارضون بالخيانة.
وكانت سوزان سونتاج محط الأنظار منذ منتصف الستينات، وقد كتبت أربع روايات، وعشرات المقالات النقدية ومجلداً من القصص القصيرة، كما مارست الاخراج السينمائي وكتابة الأعمال الدرامية والاخراج المسرحي. وكان عملها طوال أربعة عقود جزءاً من ذخيرة عيون الفكر المعاصر، تناقش في كل مكان من الحلقات الدراسية لطلاب الدراسات العليا إلى صفحات المجلات الشعبية إلى أفلام هوليوود "ثور دورهام".
وتقول مارجاليت فوكس في نعي نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" صباح اليوم التالي لوفاتها، في مكان بارز بصفحتها الأولى، ان كتابتها خرجت على نقد ما بعد الحرب التقليدي في أميركا، مضببة في جذل الحدود بين الثقافة الرفيعة والثقافة الشعبية. وقد دعت إلى نهج استيطيقي لدراسة الثقافة، مفضلة الأسلوب على المضمون. وكانت، باختصار، معنية بالاثارة، بكلا معنيي هذا المصطلح.
وفي مقابلة هاتفية يوم وفاتها مع مارجاليت فوكس، قال ليون ويسلتير، رئيس تحرير مجلة cilbupeR weN ehT وصديق قديم لسونتاج "ان التيمة التي تمتد عبر كتابات سوزان هي هذا النضال على مدى العمر لتحقيق التوازن المناسب بين الأخلاقي والاستيطيقي. كان هناك شيء نابض الوجود بشأن كتابتها. ولهذا، حتى عندما يختلف معها أحد ـ كما فعلت من وقت إلى آخر ـ كان هذا الخلاف حافزاً بشكل غير عادي، فهي تريك أشياء لم ترها من قبل، وهي لها طريقتها الخاصة في إعادة فتح الأسئلة".
انقسام
وخلال أربعة عقود، ظلت استجابة الجمهور لسونتاج منقسمة على نحو خاطئ. وقد وُصفت، بطريقة مختلفة، كمتفجّرة، لا تستقر على مستوى واحد، أصيلة، واشتقاقية، ساذجة، معقّدة، يمكن الاتصال بها، مترفعة، مغرورة، وجماهيرية، تطهرية، مترفة، مخلصة، متكلفة، متقشفة، شهوانية، يمينية، يسارية، عميقة، سطحية، متوهجة، تعوزها الحيوية، دوغماتية، محيَّرة، صافية التفكير، قابلة للتثقيف، عميقة، معقولة، باردة، مسرفة في التعبير عن عاطفتها، مناسبة، عفى عليها الزمن، متناقضة، تتمتع بجاذبية صوفية، ميلانخولية، مرحة، عديمة المرح، وجه جامد خلو من التعبير، رابسودية، مشاكسة وماهرة. ومع كل هذه الصفات المتضاربة التي لا يمكن أن تنطبق على إنسان واحد، لم يقل أحد انها مملّة.
وتشمل أشهر مؤلفات سوزان سونتاج التي صدرت جميعها عن دار النشر المعروفة xuoriG suartS ,rarraF الروايات "ملف الموت" (1967) و"عاشق البركان" (1992) و"في أميركا" (2000) ومجموعات المقالات "ضد التأويل" (1966) و"أساليب الارادة الراديكالية" (1969) و"تحت علامة زُحل" (1980) والدراسات النقدية "عن الفوتوغرافيا" (1977) و"الايدز واستعاراته" (1989) ومجموعة القصص القصيرة "أنا، الخ" (1978). وأشهر أعمالها، لم يكن كتاباً، لكنه كان مقالاً، "ملاحظات بشأن كلمة pmaC"، التي نشرتها في 1964 ولا تزال تُقرأ على نطاق واسع.
وكان أحد مؤلفاتها، وقد صدر في العام الماضي "فيما يتعلق بألم الآخرين"، وهو مقالة طويلة عن صورة الحرب والكارثة. ومن أحدث مقالاتها المنشورة، مقالة "فيما يتعلق بتعذيب الآخرين"، وقد كتبتها رداً على إساءة معاملة السجناء العراقيين على أيدي الجنود الأميركيين في سجن "أبو غريب" في بغداد، وقد نُشرت في عدد 23 أيار 2004 من مجلة "نيويورك تايمز".
وعلى عكس معظم المثقفين الجادين، كانت سونتاج ذائعة الصيت، أو نجمة مجتمع، على غرار نجوم السينما ونجوم الرياضة، بسبب جاذبية حضورها التلفزيوني، من ناحية، وبسبب صراحتها من ناحية أخرى. وقد كانت بلا شك هي الكاتبة الوحيدة في جيلها من الكتّاب والكاتبات التي حصلت على الجوائز الأدبية الكبرى (من بينها جائزة دائرة نقاد الكتاب الوطنية، وجائزة الكتاب الوطنية ومنحة العبقرية لمؤسسة مكارثر، وظهرت في أفلام من اخراج وودي ألين وآندي وورهول؛ وان تكون موضوع ترجمات ذاتية جذلة في مجلة enotS gnilloR ومجلة elpoeP، وأن تصورها آلن ليبوفيتز لاعلان عن الفودكا tulosbA. وقد أصبحت صورتها بملامحها القوية وثغرها الواسع ونظرتها الحادة وعُرفها الأسود الذي كانت تتوّجه في سنواتها المتوسطة خصلة من البياض ـ صورة يمكن التعرّف عليها في الحال من منتجات ثقافة القرن العشرين الشعبية.
مركّبة
كانت سونتاج مركّبة بارعة تناولت نطاقاً واسعاً من الموضوعات الصعبة والمراوغة: طبيعة الفن، طبيعة الوعي، وقبل أي شيء، طبيعة الحالة الحداثية. وبينما قام كثير من النقاد الأميركيين بتعدين الماضي، أصبحت سوزان سونتاج داعية انجيلية للجديد، مدرّبة عينها على الثقافة التي تتكشف حواليها.
وقد كتبت دراسات جادة عن أشكال فن شعبية مثل السينما والعلم والقصص، والتي كان يزدريها النقاد من قبل. وكتبت مقالات متوهجة عن كتّاب ومخرجي أفلام سينمائية أُعجبت بهم، مثل جان بول سارتر، ورولان بارث وولتر بنجامين وجان لوك غودار. وكتبت روايات تجريبية عن الأحلام وطبيعة الوعي. كما نشرت دراسات تشريحية نقدية صعبة عن الفوتوغرافيا والرقص والمرض والسياسات والبورنوغرافيا، وأشهرها دراستها عن pmaC. وعملها، بتأكيده على الشاذ وغير المألوف والمثلّم والـ هنا والآن، ساعد على جعل دراسة الثقافة الشعبية مسعى أكاديمياً محترماً.
والشيء الذي وحّد أعمال سونتاج كان هو الرغبة الدافعة في أن تُعرّف القوى التي تشكّل الحساسية الحداثية. وبعمل ذلك، كانت تسعى إلى أن تشرح ما الذي كان يعنيه أن تكون إنساناً من أواخر سنوات القرن العشرين.
وبالنسبة للعديد من النقاد، كان عملها جسوراً ومثيراً. وقد قارنها الكاتب المكسيكي كارلوس فونتيس، في مقابلة مع مجلة نيويورك تايمز في 1992 باراموس عصر النهضة الذي كان يسافر مصطحباً 32 مجلداً احتوت كل المعرفة، الجديرة بأن يعرفها الإنسان، وقال "ان سوزان سونتاج تحملها في عقلها، إنني لا أعرف مثقفاً آخر صافي الذهن إلى هذا الحد، ويتمتع بقدرة على الربط والوصل والمقارنة".
وكان الآخرون أقل حماساً، وقد وسمها بعضهم بأنها مفكّرة غير أصيلة، وداعية شعبية تملك موهبة المأثورات الشعبية وتستطيع أن تبسّط الكتاب المعقدين للاستهلاك العام. وقد وصفها ارفينج هوو بأنها خبيرة دعابة تملك القدرة على صناعة الألحفة من خرق الجدّة. واعتبر بعض النقاد ميلها لمراجعة مواقفها المبكرة مثار الخلاف في الغالب كمفكرة متأرجحة. بينما اعتبر البعض الآخر نهجها الأكاديمي لأشكال الفن الشعبي بأنه بمثابة ادعاء. (وقد أشارت سوزان سونتاج ذات مرة إلى أنه يمكنها أن تتذوّق المغنية باتي سميث لأنها قرأت نيتشه).
ولكن سونتاج، يمكن ان تكون قاسية بشكل خاص إذا شعرت بأنه قد أُسيء فهمها. وقد تملكها الغضب عندما سألها صحافيون عن عدد الكتب التي في شقتها في تشلسي، بمانهاتن، (15 ألف كتاب، ولا يوجد جهاز تلفزيون). ولكنها تستطيع أيضاً أن تكون دافئة المشاعر وأن تتصرف كصبية، إذ تتحدث بصوتها الغني الخفيض، وقدماها مسنودتان بعدم تكلّف على أقرب مائدة ـ قهوة، وكانت تضحك بسهولة عندما كانت تناقش شيئاً يشدّها بحرارة (وكان هناك العديد من الأشياء)، وغالباً ما تغشى الدموع عينيها السوداوين.
وكانت سونتاج تميل بطبيعتها إلى الوقوع في مشاكل، وكانت يمكن ان تكون استفزازية إلى حد إثارة الشغب، كما عندما دافعت عن ليني رايفنستول، المخرج السينمائي في عهد النازية في مقال نشرته في عام 1965، وقد راجعت موقفها بعد بضع سنوات. وكانت تحتفي بكوبا وفيتنام الشمالية الشيوعيتين، كما ندّدت بشكل استفزازي، فيما بعد، بالشيوعية كشكل للفاشية. وبعد هجمات 11 سبتمبر 2001 كتبت في مجلة "ذي نيويوركر" تقول ".. أياً كان ما يمكن قوله عن مرتكبي مذبحة الثلاثاء، فهم لم يكونوا جبناء". وفي سنة 2000، أثار صدور رواية سونتاج الأخيرة في أميركا اتهامات بالسرقة الأدبية؛ وقد نُفيت تلك الاتهامات بقوة.
مسار
وُلدت سوزان سونتاج (سوزان روزنبلات) في مانهاتن يوم 16 كانون الثاني 1933، عن الأبوين جاك وميلدرد روزنيلات. وكان والدها تاجر فرو في الصين، وقد لحقت به أمها لفترات طويلة، تاركة سوزان وشقيقتها الأصغر في رعاية أقارب. وعندما كانت سوزان في سنّ الخامسة، توفي أبوها في الصين بداء التدرن الصدري. وفي محاولة للتخفيف عن مرض الأزمة الذي كانت تعانيه سوزان، نقلت أمها الأسرة إلى توسكان، حيث قضت عدة سنوات هناك. وفي اريزونا التقت الأم بناثان سونتاج، أحد المحاربين القدماء، وكان تعليمها الثانوي قبل أن تبلغ 16 سنة بمثابة تعذيب أرادت أن تتجنّبه في وقت مبكر. وقد كتبت في وقت لاحق "كان أعظم أحلامي أن أشب عن الطوق وأذهب إلى نيويورك وأكتب لمجلة nasitraP وأن يقرأني 5000 شخص".
وقد تحققت رغبتها ـ واندفعت في المشهد الأدبي بمقالها "ملاحظات عن المعسكر pmaC" الذي نُشر في مجلة nasitraP ـ لكن ليس قبل ان تتخرج من الجامعة وتحصل على شهادتي ماجستير من جامعتين أميركيتين مرموقتين، وتدرس في اطار زمالة في جامعة اوكسفورد، وتتزوج وتصبح أمّاً وتتطلق بعد ثماني سنوات، كل ذلك قبل أن يبلغ عمرها 26 سنة.
وفي جامعة شيكاغو التي التحقت بها بعد قضاء فصل دراسي واحد في جامعة بيركلي، كاليفورنيا، حضرت بمحض الصدفة محاضرة للسوسيولوجي فيليب رايف، الذي كان يدرّس وعمره 28 سنة، والذي كتب فيما بعد الدراسة الشهيرة "فرويد: عقل الأخلاقي" (فايكينج 1959) وكان، كما كتبت سونتاج؛ "أول شخص أستطيع أن أتحدث معه حقيقة". وقد تزوجا بعد استماعها إلى محاضرته بعشرة أيام. وكان عمرها آنئذ 17 سنة، وكانت تبدو أصغر سناً، من بنطلونها الجينز الأزرق، وشعرها الأسود المنسدل على ظهرها. وذاعت كلمة في حرم الجامعة ان الدكتور رايف قد تزوج من أميركية ـ هندية عمرها 14 سنة.
وإذ انتقلت مع زوجها إلى بوسطن، حصلت سوزان سونتاج على درجتي ماجيستير من جامعة هارفارد، الأولى في اللغة الانجليزية، في 1954، والثانية في الفلسفة في العام التالي. وبدأت العمل في الدكتوراه، لكنها لم تكمل أطروحتها. وفي 1952 أنجبت ابناً، دافيد رايف، الذي عمل سنوات طويلة محرّراً لمؤلفات أمه بدار النشر فارار، ستراوس آند جيروكس. وهو يعمل صحافياً وقد أصدر: "السلخانة (المذبح): البوسنة وفشل الغرب" (سايمون آند شوستر، في 1995).
وبعد دراسة أخرى في اوكسفورد وفي باريس، طُلّقت سونتاج من الدكتور رايف في 1958، وفي أوائل 1959 وصلت إلى نيويورك، كما ذكرت فيما بعد "بسبعين دولاراً وحقيبتي ملابس وأكبر سناً بسبع سنوات". وعملت كمحررة بصحيفة yrtnemmoC، وتناوبت وظائف تدريس بعدة جامعات محلية من بينها جامعة كولومبيا. ونشرت أولى مجموعات مقالاتها، وهي احتفالات نقدية بالحداثيين الذين كانت تُعجب بهم، وكذلك أولى رواياتها "المُحسن" (1963)، وهي بمثابة بحث في الوعي والأحلام.
وبصدور "ملاحظات بشأن المعسكر" أطلقت سونتاج عياراً نارياً عبر قوس المؤسسة النقدية في نيويورك، والتي كانت تضم نقاداً بارزين مثل ليونيل وديانا تريلينج، وألفريد كازات وايرفينج هوو. وقد ألقت هذه الدراسة ـ الموشحة بابجرامات من اوسكار وايلد ـ الضوء على حساسية حداثية معينة ـ حساسية كانت إلى حد كبير دائرة اختصاص الثقافة المثلية ـ التي ركّزت بتلذذ على البراعة والمبالغة وتقديس الأسلوب.
وقد كتبت سوزان سونتاج تقول "تستند تجارب الكامب على الاكتشاف العظيم ان حساسية الثقافة الرفيعة لا تملك احتكار رهافة الحسّ. والرجل الذي يصرّ على المُتَع الرفيعة والجادة يحرم نفسه من المتعة، فهو يقيّد بصفة مستمرة ما الذي يمكن ان يستمتع به؛ وفي الممارسة الدائمة لذائقته الجيدة سوف يطالب بثمن يخرجه في النهاية من السوق، إذا جاز التعبير".
وإذا كانت هذه الدراسة قد فقدت اليوم قدرتها على الصدمة، فهي انعكاس لكيف كانت سونتاج تؤدي وظيفتها بدقة، القيام بدور المرشد لجمالية سرية لم تكن معروفة على نطاق واسع عندئذ.
ويقول الفيلسوف وبروفسور الفلسفة بجامعة كولومبيا، آرثر سي، دانتو "لقد وجدت في "الكامب" جمالية كانت مختلفة للغاية عما كان عالم الأسوياء يعترفون به حتى تلك النقطة، وقد نجحت في جعل المعسكر سوياً بطريقة ما. وقال الفيلسوف والناقد الفني لصحيفة noitaN ehT في حديث هاتفي مع مارجاليت فوكس، "أعتقد انها مهّدت الأرض لثورة الـpoP، والتي كانت في كثير من الأحوال ثورة المثليين أساساً، عن طريق أندي وورهول وآخرين. وهي لم تصنع هذا الفن، ولكنها أدخلته إلى الوعي. وقد أعطت الناس أبجدية للحديث عنه والتفكير فيه".
وقد صنع المقال من سوزان سونتاج نجمة دولية، أُمطرت بألقاب سخية وإن كانت مضحكة بدون قصد، "امرأة ـ حائط أدبية" (تشبيهاً بمارلين مونرو وممثلات الاغراء السينمائيات اللاتي تعلّق صورهن على الحوائط) و"سيدة الأدب الأميركي السوداء" و"ناتالي وود الافانجارد الأميركية".
وفي نعي آخر نشرته صحيفة "نيويورك صن" يقول كارل روليسون "كانت سوزان سونتاج كاتبة مقال وروائية مثيرة للجدل، وقد اشتهرت لنقدها الثقافي، والذي تراوح على نطاق واسع بين مناقشات الروائع الأدبية إلى تحليل الثقافة الشعبية، ومن المرجح ان تكوّن مقالاتها "ضد التأويل" و"ملاحظات بشأن "الكامب"" و"خيال الكارثة" (تحليلها للعلم وأفلام الخيال العلمي) تراثها الأساسي في الأدب الأميركي، برغم انها كتبت رواية واحدة كانت من أوسع الروايات انتشاراً "عاشق البركان"، وفازت روايتها الثانية "في أميركا" بجائزة الكتاب الوطنية.
وربما كان مقال تشارلس ماجراث "مثقفة صارمة في زيّ النجوم" الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز في اليوم التالي لوفاتها أيضاً، ولكن في ملحق الفنون "من أذكى وأرق وأدق ما كتب عن سوزان سونتاج كإنسانة". كانت سوزان سونتاج واحدة من المثقفين القلائل الذين كان الأميركيون ينادونهم باسمهم الأول. لم تكن الحميمية هي التي أعطتها هذا الوضع، فقد كان مثل وضع مارلين (مونرو) وجودي (جارلاند)، إذ بلغت درجة من النجومية ولم تعد تحتاج إلى لقب. وفي دوائر معينة، على الأقل، كانت مجرد سوزان، حتى بالنسبة لناس لم يلتقوها أبداً، ولكنهم مع ذلك كان يمكن ان يتحدثوا عن معرفة وبحميمية عن أحدث مقالاتها في مجلة "نيويورك ريفيو بوكس"، وموقفها تجاه سراييفو، ورأيها في كتاب جديد لـ"و.جـ.سيبولد". لقد جلبت إلى عالم الأفكار، لا مجرّد صرامة أولمبية فحسب، بل أيضاً بريقاً وجاذبية قلما شهدها من قبل.
ولا يعزو ماجراث جاذبية سونتاج إلى مجرد بريقها ـ ارديتها السوداء الخاصة، وصوتها المتّقد انفعالاً، وتسريحة شعرها الداكن المرسل التي ميّزتها. ولكن أيضاً إلى ذكائها المبهر ونطاق معرفتها، لقد قرأ كل الكتّاب، وبصفة خاصة أولئك الأوروبيين المعقّدين ـ آرتو، وبنجامين، وكانيتي، وبارت وبودريار وجومبروفيتش وفالر والبقية ـ "الذين طرقوا ما كان يبدو لكثير منّا كأفق بعيد ولا يمكن الاقتراب منه".