التأكيد على الثوابت الفلسطينية والتمسك بها والإصرار على تحقيقها وعدم التنازل عن أي منها كشرط من شروط التسوية الشاملة مع اسرائيل.. اصبحت مع تراكم الفعل الفلسطيني المقاوم هي القاعدة المشتركة التي تحكم موقف الشعب الفلسطيني على اختلاف فئاته وتنوع قياداته.. سواء أكان ذلك بالأمس أم اليوم أم في مقبل الأيام.. للدرجة التي يقف ازاءها المسؤولون الإسرائيليون موقف اليائس من امكانية التخلي عن هذه القاعدة في أي ظرف من الظروف فضلا عن انتفاء أي شبهة قد تشي بأن تغييراً في الموقف الفلسطيني من هذه الثوابت سيطرأ في يوم من الأيام..!!
المسؤولون الإسرائيليون وعلى اختلاف تلاوينهم الحزبية توصلوا إلى هذه القناعة، وإن لم يعترفوا بها صراحة.. إلا أنهم بدأوا يعانون من الانعكاسات السلبية لهذا الإصرار الفلسطيني الواضح على واقع السياسة الداخلية والوضع الداخلي في اسرائيل، بشكل جسّد الهوة التي تقف على اطرافها اسرائيل..!!
فإسرائيل لم تنسحب من الأراضي المحتلة التي وقع احتلالها في عدوان 1967 وهي في الوقت نفسه لم تعلن عن حدودها النهائية التي بقيت مبهمة وأسيرة للتطورات والجنوح وشهوة التوسع المفتوحة في اكتساب أراض جديدة.. الأمر الذي انعكس أيضا إلى داخل المجتمع الإسرائيلي نفسه ذلك لأن أي دولة تختار عدم ترسيم حدودها الجغرافية فإن الحدود الموجودة داخلها أيضا والتي تحدد هويتها وقواعد اللعبة المتبعة فيها تبقى مبهمة وغامضة في المقابل..!!
فأيا كانت الأهداف والمرامي والأغراض المقصودة من وراء خطة شارون الأحادية بالانسحاب من غزة، فإن الخطة دفعت وبقوة إلى السطح خلافا اسرائيليا داخليا مرشحاً للتفاقم ما يعكس الخلل الذي أصيب به الواقع الإسرائيلي، جراء تراكم الفعل النضالي الفلسطيني المقاوم للاحتلال والصمود الأسطوري لشعب قرر انتزاع حقوقه من براثن الوحش البشري المدجج بكافة أسلحة القتل والدمار.. مما أسفر في محصلته الحالية عن رص اكتاف الشعب الفلسطيني كتفا إلى كتف تمسكا بالثوابت المشروعة والمدعومة والمؤيدة قانونيا وشرعيا وانسانيا ودوليا وسياسيا ما أوجد بالتالي انقساما واضحا في اسرائيل بين من يقتنعون بأن احتلال اسرائيل لأراضي الغير هو أساس السم الذي يحدق وجود اسرائيل بالخطر.. وبين من يعتقدون أن الانسحاب من الأراضي المحتلة هو الذي سيلحق الدمار بالكيان الإسرائيلي..!!
كتاب ومفكرون بل وسياسيون اسرائيليون تناولوا بصراحة عملية الانقسام الخطيرة في اسرائيل بعد الاعلان عن خطة شارون بين مؤيد ومعارض لها.. ولكن الجميع أرجع ذلك إلى سلوك حزبي بحث بين اليمين أو اليسار وأسقطوا نهائيا العامل الأساس في هذا الانقسام ألا وهو عامل الصمود الفلسطيني والتمسك بالثوابت الفلسطينية في مواجهة الاحتلال والتوسع الإسرائيليين كما فشل شارون في دفع الفلسطينيين عن طريق سياسة المدفع والطائرة والجرافة إلى اعلان الاستسلام.!!
الكاتب الإسرائيلي عوزي بنزيمان الكاتب في صحيفة (هآرتس) لعله كان الأكثر شجاعة بين جمهرة الكتاب والسياسيين الإسرائيليين في ابراز العامل الفلسطيني في تفكك المجتمع الإسرائيلي عندما قال في عدد 26/12/2004.. إن في اسرائيل فريقين .. الأول يرى أن مجرد السيطرة على الشعب الفلسطيني يدخل الدولة في معضلة حاسمة تزعزع أركانها.. وفريق ثان يقف في مواجهة الأول يعتقد أن وجود الدولة ذاته مرهون بقدرتها على اخضاع الفلسطينيين واستمرار احتفاظها بأراضيهم....!
الفريقان يدركان بشكل أو بآخر أن الصمود الفلسطيني هو الفيصل الحاسم في تفكيك النظرة الصهيونية التوسعية التي اعتبرت الاستعمار على أي صخرة فلسطينية هو تكريس لما يطلق عليه عودة اليهود إلى أرض اسرائيل وفي المقابل فإن تفكيك ولو مستوطنة واحدة يعني بداهة انهيار الأساس التي تقوم عليه النظرية الصهيونية في التوسع والاحتلال..
وعليه فإن الأشهر القليلة المقبلة ستزداد فيها حدة التفسخ في المجتمع الإسرائيلي أيا كان حجم الانسحاب من قطاع غزة وأيا كان حجم المستعمرات التي سيتم تفكيكها إن كانت في الضفة أو في القطاع وفي المقابل سيتعزز الصمود الفلسطيني تمسكا بالثوابت وعدم التزحزح قيد أنملة عن مطالب وحقوق مشروعة يقف الفلسطينيون على اختلاف فصائلهم صفاً واحداً وقلباً واحداً لتحقيقها بعد أن عبروا جميعا وبلا استثناء بصمود اسطوري مرحلة المحاولات الإسرائيلية اليائسة في اغراقهم بدمائهم.