في فورة غضب عارم قرر عبد الله أن ينحر زوجته كما تنحر الخرفان إثر عودتها من بيت والدها، بعد أن هجرت بيت زوجها بسبب خصام عاد، خصام يقع بين كل الأزواج في كل مكان وفي كل زمان، ولما بر بقسمه وذبح زوجته فر هاربا واختفى عن الأنظار... انتظر عبد الله عودة زوجته من بيت والدها على أحر من الجمر، وقضى الليل كله يفكر في البر بقسم أن يذبح زوجته بعد عودتها من منزل أسرتها! ذلك القسم الذي قطعه على نفسه ليضع حدا لما وسوست له نفسه من ذل وهوان أرغمته هذه الزوجة على العيش فيه وهو الذي كان يأمر وينهى.. وفي الصباح بعد أن استيقظت الزوجة وهيأت طعام الفطور لها ولزوجها وابنتها، انتصب واقفا وطلب منها أن تلتحق به إلى البيت المهجور ثم غادر المنزل .. سبقها إلى مكان الذبح وظل يقلب السكين التي كان قد هيأها من قبل، وما كادت الزوجة تخطو خطوتها الأولى إلى البناية المهترئة حتى هوى عليها بضربة من السكين، ثم عالجها بالطعنة الثانية فالثالثة، ولما انهارت بين يديه وسقطت، أحس براحة تامة، سرعان ما انقلبت إلى ثقل كبير أحس بوقعه على كاهله، ثم انتظر قليلا قبل أن يختفي عن الأنظار...

تزوج بها رغبة في الولد
غادرت الزوجة بيت زوجها بعد أن تعرضت للضرب المبرح من طرفه، وقررت أن لا تعود إليه لأنها تعبت من تكرار لعبة خصام ففرار فعودة إلى بيت الزوجية بعد تدخل ذوي النيات الحسنة .. استقبلها والدها كعادته بسؤال عريض حول الأسباب والمسببات .. وفي حقيقة الأمر لم يكن الأب يرغب في رؤية بناته يعدن غاضبات إلى بيته لأنه كان يؤمن بأن البنت عندما تتزوج عليها أن تعرف كيف تدبر أمورها وأمور بيتها .. وكان الأب يردد على مسامع بنته أن الزوجة الناجحة هي التي تعرف كيف تروض زوجها وتجعله خاتما في أصبعها. قضت الزوجة الغاضبة خمسة أيام في بيت أبيها، ثم حل وفد من أخيار سكان الدوار متوسلين الأب أن لا يرد طلبهم، ولم يجد الأب وسيلة غير دفع ابنته إلى تلبية دعوة زوجها التي بعث بها عبر وفد الصلح الذي جاء خصيصا لردها إلى بيتها. تعبت السعدية من معاملة زوجها السيئة لها، كان يكبرها بعشرين سنة تقريبا، وكان قد سبق له أن تزوج قبلها ولكنه لم يرزق بالولد فقرر تحت إلحاح أسرته إعادة الكرة والبحث عن زوجة تعطيه الولد، فما قيمة الزوج بدون خلفة؟! أكيد سينقطع ذكره وأثره بعد وفاته، وظلت كلمات والدته وأخواته ترن في أذنه حيثما حل أو ارتحل إلى أن اقتنع بضرورة تطليق زوجته الأولى التي ظلت وفية له رغم علمها بعدم قدرتها على تلبية رغبته في تحقيق حلمه، وظلت تكن له الاحترام والتقدير إلى أن وجدت نفسها مضطرة للعودة إلى بيت والدها لأن ذلك أكرم وارحم بها. تزوج عبد الله من السعدية التي كانت لا تزال طفلة لا علم لها ولا تجربة بالحياة الزوجية، فهي لم تكن تتحمل أية مسؤولية ببيت والدها لكون والدتها وأخواتها كن يتكفلن بكل شيء .. كانت السعدية هي الصغرى بين أخواتها، وكانت لا تشارك في أعباء الحياة إلا في حالة نادرة .. ولما تزوجت وجدت الحمل ثقيلا، خاصة أن زوجها خرج للتو من تجربة زواج دامت أكثر من عشر سنوات، تطبع فيها على عادات وتقاليد لا يمكن أن يفرط فيها، لأن زوجته الأولى كانت متمرسة وطيعة وخدومة بحكم أنها كانت متفرغة له ولراحته، فلولا الرغبة في الولد ولولا إلحاح والدته وأخواته، لما أقدم على التطليق أبدا رغم انه كان يؤمن بكون الله يهب الذكور والإناث لمن يشاء.

السعدية لا تريد العيش مع أسرة زوجها
مرت السنة الأولى من الزواج سريعة على السعدية، كانت الزوجة الصغيرة حديثة العهد بعالم جديد دخلت إليه دون أن تستعد له وهي لم تشرف بعد على عامها العشرين .. بعد سنتها الأولى حبلت بابنتها ولم تكن تعلم شيئا عن ظروف الحمل ومتاعبه وتوابعه، كان للوحم وحده الأثر الكبير في خلق مشاكل ومتاعب لا حدود لها سواء بالنسبة لها أو حتى بالنسبة لزوجها الذي هو الأخر لم تكن له تجربة مع مسلسل البحث عن الولد .. بدأت المشاكل في الظهور بصفة تدريجية، وكان العيش مع أهل الزوج وتحت إمرة الأب يضيف المزيد من الشقاق والصراع الذي كان يتغذى في الخفاء. وضعت السعدية ابنتها، هدأت الأوضاع نسبيا، وكان لمجيء الطفلة وقع حسن في نفس الزوج وإن كان ينتظر ازدياد الولد بدل البنت، ولكن والدته طمأنته وطلبت منه أن يشكر الله كثيرا ويحمده كثيرا، وأوضحت له أن البنت هي الأخرى من عند الله وأن من أعطى البنت سيعطي الولد .. وهكذا آمن الزوج بأن المال والبنون والصحة أمور يهبها الله لمن يشاء. كانت السعدية تحس بفخر واعتزاز لكونها استطاعت أن تهب زوجها الخلفة، وبدأت تغتر وتفرض شروطها وطلباتها الكثيرة على زوجها الذي وإن كان يحبها لم يكن يقبل أن تفرض عليه الزوجة ما لا طاقة له به، خصوصا وأنه يعيش تحت كنف والده، وان الرجل بالبادية يظل تابعا لوالده ما دام على قيد الحياة حتى وإن زوج أولاده. بعد أن رسخت السعدية قدمها داخل منزل أسرة زوجها حيث وهبته الخلف، بدأت تفكر في تحقيق مكسب الاستقلال ببيت تكون هي صاحبته الآمرة الناهية فيه، ولهذا بدأت «تزن» على الزوج كلما سنحت لها الفرصة، وتطالبه ببناء منزل بعيد عن والديه ليعيشا فيه مرتاحي البال. كانت السعدية تعزف دائما على الوتر الحساس فاتحة شهية زوجها بكونه سيحصل قريبا على الولد، خاصة وأنها أحست بشيء يتحرك في بطنها .. كان الزوج يحس بحرج كبير أمام اقتراح زوجته بأن يستقلا بحياتهما، وسرعان ما أصبح ذلك الاقتراح طلبا ملحا لا يقبل التأجيل .. وصل الخبر إلى عائلة الزوج، وبدأت الهوة تكبر لأن الإبن في البادية يظل تحت كنف الأب مهما كثر أبناؤه، فبدأت زوجة الإبن تفقد احترامها ومكانتها تدريجيا، وأصبحت عائلة زوجها تعاملها معاملة شرسة لا رحمة فيها وهي الزوجة الفتية التي لم تكن تعلم أن الحماة تستطيع تطليق زوجة الابن حتى ولو كان لها خمسة أبناء ذكور، وتستطيع تزويجه للمرة الثالثة والرابعة لا لشيء سوى لإحساسها بأن الزوجة تريد أن تفرض عليها شروطها وتسعى إلى أن تسحب من تحتها البساط.

الزوجة تغادر بيت زوجها
تطورت الأمور إلى الأسوأ بين الزوجة والحماة وأخوات زوجها، وبدأ سكان البيت يتحينون الفرصة للإطاحة بالزوجة التي اعتبروها جاحدة وتود خراب عشها .. بدأت الزوجة تحس بالجفاء من طرف الزوج الذي كان يوجد بين المطرقة والسندان، خاصة أنه كان يخضع لسلسلة من التوجيهات من طرف والدته وأخواته، اللواتي كن يأمرنه بضرورة إركاع شريكة حياته قبل أن تتحكم، والمرأة لا ترحم عندما تتحكم، كما كانت تردد الوالدة دائما. كان الزوج يعمل جاهدا على تعقيل زوجته وردها إلى ما يعتبره الصواب، ويحاول أن يشرح لها ظروف حياتهما ووجودهما في الدار الكبيرة، ولكنه فشل في مسعاه ولم يصل إلى النتيجة المرجوة .. كان للزوجة عذرها، فهي التي كانت تعاني من المعاملة السيئة وهي التي كانت تسمع موالا طويلا عريضا من السب والشتم والكلام الجارح، وهو ما دفعها إلى خلق الأسباب للذهاب إلى بيت والدها، حيث كانت تقضي هناك عشرة أيام أو أكثر قبل أن يرسل الزوج من يردها إلى بيت الزوجية. تعدد هجران السعدية لبيتها إلى درجة أن الزوج فكر -بعد إلحاح من والدته- في أن يترك زوجته هناك في بيت أبيها دون تطليق، ولكنه لم يفعل لعلمه أن ذلك القرار سوف يدفع أهل الزوجة إلى رفع شكاية تتعلق بإهمال أسرة، وبالتالي ستترتب عن ذلك القرار نفقات قد يعجز عن الالتزام بها، وتجعله يدخل السجن. بعد أن كثرت خرجات الزوجة ومكوثها ببيت والدها، بدأت الإشاعات تتناسل هنا وهناك، وكانت هذه الإشاعات تفيد أن الزوجة الشابة على علاقة مع بعض الشبان بالدوار الذي تسكن به عائلتها .. لم يكن الزوج يعلم بهذه الشائعات، ولم يكن أحد يعلم من كان يقف وراءها ومن له مصلحة في ترويجها .. وصلت الإشاعات في نهاية المطاف إلى الزوج واستقبل الروايات التي تقول بأن زوجته «تلعب من ورائه» في بيت والدها، وأن ما تقوم به أمر غير معقول فهي تقضي شهرا ببيت زوجها وشهرين ببيت والدها، والمسافة طويلة بين البيتين ولا يمكن للزوج أو غيره أن يعرف ما يجري هناك دون الحلول بعين المكان. اشتعلت النار في قلب الزوج وجن جنونه، وبدأت الهواجس والكوابيس تفعل فعلها في كيانه .. وفي لحظة غضب، فكر الزوج في الذهاب إلى بيت والد الزوجة لتقصي الخبر اليقين والتأكد من مدى صحة ما سمع، وإن تأكد من صحة الأخبار يجهز عليها هناك قبل أن تعود.

تنفيذ القرار
لأول مرة في حياته يحس الزوج بانقباض غريب جعله يدخل في حالة تشبه الغيبوبة حيث لم يعد يتكلم مع احد ولم يعد يمارس حياته بشكل طبيعي، واستمر على هذه الحالة مدة طويلة، وكان كلما عاد إلى حالته العادية يسأل عن الزوجة هل عادت أم لا؟ وفي غمرة هذه الوضعية النفسية التي كان يحياها، وفكر في أن يضع حدا لهذه المهزلة التي فرضت عليه من طرف زوجته التي بدأت تلعب بشرفه حسب اعتقاده .. اتخذ الزوج قرار ذبح شريكة حياته والانتهاء من هذه المأساة التي وجد نفسه فيها، وأقسم بأغلظ الأيمان أن ينفذ ما فكر فيه، وظل ينتظر رجوع الزوجة التي أرسل في طلبها كعادته. عندما التحق وفد من سكان دوار الزوج ببيت صهره، استقبل هذا الأخير الزوار وقام بفروض الضيافة، وبعد حديث قصير طلب منه الرجال أن يعيد ابنته إلى بيت زوجها، فتدخل أخ الزوجة وأوضح للضيوف أن هذه الوضعية التي تعيشها أخته مع زوجه غير صحيحة، ويجب أن يوضع لها حل نهائي .. وحتى يكون واضحا، اشترط الأخ بناء بيت مستقل تعيش فيه أخته بعيدا عن بيت والده إن كان بالفعل يرغب في أن تعود إليه .. استطاع الوفد أن يقنع الأب والأخ بأن الأمور ستسير على الوجه الأحسن هذه المرة، وأن الزوج سيقوم بتحقيق هذا الطلب، ولم يكن أحد يعرف ما استقر عليه قرار الزوج الذي كان ينتظر عودة زوجته على أحر من الجمر. عادت الزوجة مساء أحد الأيام إلى بيت والد زوجها، ثم ولجت غرفتها وبقيت بها بعض الوقت قبل أن يعود الزوج ويطلب منها تهييء طعام العشاء .. وفي الصباح، طلب الزوج من زوجته أن تلتحق به إلى مكان غير بعيد على بيت الأسرة، توجد به بناية قديمة .. لم تتريث الزوجة، بل نفذت رغبة الزوج وما كادت تخطو الخطوة الأولى حتى هوى على رقبتها بالطعنة الأولى من السكين الذي كان يقضي النهار في شحذه، ثم عالجها بالثانية والثالثة، إلى درجة أنه لم يعد يدري كم عدد الطعنات التي وجهها إلى زوجته التي تهاوت أمامه .. بعدها أحس بإحساس غريب مشوب براحة لم يعهدها من قبل، لكن سرعان ما تحولت تلك الراحة إلى ثقل أحس بوقعه على كاهله .. وفي الأخير، جمع بعض أغراضه واختفى عن الأنظار إلى حد الآن ...