كل المؤشرات والدلائل تدفع الإنسان العربي المهموم بمستقبل أمته العربية إلى اليقين بأن عام 2005 لن يكون أقل سوءا من الأعوام السابقة، نذر الشر واضحة لكل صاحب رأي. أولى هذه الأزمات التي سنواجهها تؤكد أن القوى المعادية ستشن حرب إشغال للقادة والشعوب بهدف تحقيق إنجازات لمصلحة دولة الاستكبار العالمي، من بين تلك الأمور: ستشغل الأمة بعجلة الانتخابات التي تجري في العراق المخطوف وفلسطين المحتلة والعبث بأمن المملكة السعودية، ومشروع الهلال الشيعي الوهمي، ومحاكمات عمان الأردن وتهديدات متبادلة بين النظام السياسي ومعارضيه، وتطمينات أمريكية كاذبة لسوريا، وغيرها من القضايا الاشغالية، في الوقت ذاته تعد العدة لاختطاف سوريا من بين أيدينا كما فعلوا في العراق والمؤشرات واضحة، وزير الدفاع العراقي حازم الشعلان المعين في هذا المركز بموجب تعليمات وزير الدفاع الأمريكي رامسفيلد، يشن حملة منظمة ومبرمجة - بموجب توجيه "مكتب التأثير الاستراتيجي" في واشنطن - على سوريا الحبيبة متهمها بأنها وراء عدم الاستقرار في العراق المختطف ليصرف أنظار الرأي العام العربي والدولي عن إنجازات المقاومة ضد الاحتلال الأمريكي، يلتقط هذا الخبر السفير العراقي في دمشق السيد حسن العلوي ليصرح لجريدة التايمز البريطانية بأن حكومته المؤقتة في بغداد وقوات المارينز الأمريكية اعتقلت مواطنا عراقيا اسمه مؤيد أحمد ياسين وبحوزته صور مع بعض القيادات السورية كما يقول، ليدلل على ارتباط سوريا بالمقاومة العراقية، لكن لم يقل لنا العلوي عن تاريخ التقاط تلك الصور، والبحث العلمي يستطيع أن يحدد تاريخ أخذ تلك الصور، وليس من المعقول أو المنطقي أن يكون من يعمل بالعمل السري أو المقاومة السرية يحتفظ بأي دليل يكشف علاقاته بأطراف أخرى أو حتى أسماء الخلية التي يعمل معها في التنظيم السري السياسي، والعلوي صاحب كتاب "المنظمة السرية" يعلم جيدا هذا الإجراء، ويقول العلوي في تصريحه إن علاوي - وكيل الإدارة الأمريكية في بغداد - أبلغ السوريين بقراره بعدم نشر تلك الصور على الرغم من الضغوط الأمريكية عليه (غلوب 2004/12/29) إذا يعترف العلوي بأن رئيس وزرائه علاوي يتلقى أوامر وتعليمات من السفير الأمريكي في بغداد، لقد انضم إياد علاوي المذكور أعلاه متهما سوريا بإيواء عناصر مطلوبة قال أنها تقوم بالتحضير لتنفيذ عمليات إرهابية في العراق على حد قوله (الشرق 2004/12/31) لكن علاوي تراجع عن أقواله تلك أمام رؤساء البعثات الدبلوماسية العربية في بغداد قائلا "إنه لم يوجه اتهاما لسوريا وإنما تحدث عن عناصر تستغل حسن الضيافة السورية وذكر أن وجود تلك العناصر على الأراضي السورية لا يعني أنهم يعملون ضد العراق - الشرق 2004/12/31 لكنه في اليوم الثاني يناقض نفسه مرة تلو الأخرى ويلحق بهم ما يطلق عليه رئيس الجمهورية السيد الياور - من قبائل شمر مع الأسف في تصعيد إعلامي منظم ضد سوريا تقوده قوى عراقية ليست نزيهة وذلك لتأليب الرأي العام العربي والدولي ضد سوريا. إن المخرج الوحيد لسوريا من هذا المأزق هو تحصين الجبهة الداخلية بالانفتاح السياسي على مكونات المجتمع السياسي في سوريا ليكون أداة ردع لكل من تسول له نفسه العبث بأمن سوريا وسلامته.
(2)
في الأسبوع الماضي قلت يجتاح المملكة العربية السعودية عجاج يكاد يحجب الرؤية، واليوم أقول بعد أحداث الرياض أن هناك أعاصير تحوم حولها وفي داخلها، حمى الله البلاد والعباد من كل مكروه، في الأسبوع الماضي اهتزت شوارع الرياض بانفجارات وفي أماكن حساسة على إثرها تمت ملاحقة أفراد في مناطق أخرى من المملكة، تقول القيادة السياسية في الرياض إن ضحايا تلك الانفجارات هم من العابثين الذين قاموا بهذه الأعمال الإرهابية مشيرين إلى تنظيم القاعدة، ولم يتضرر أحد من المستهدفين كما يقول البيان الرسمي، والسؤال المطروح، من هم أصحاب المصلحة من هذه التفجيرات الخطيرة؟ ما هو مشروعهم السياسي الذي يريدون تحقيقه؟ قد يقال إن مشروع هذه الجماعة هو محاربة الكفر والكفار ولكن قد يرد عليهم بحجة أن كل الأماكن التي استهدفت أخيرا ليس بها كفار وليست العاصمة الرياض مكانا للكفر. فهل تعلم قيادات هذه الجماعة أن عنفها سيقود إلى عنف أشد وطأة من النظام السياسي، وسيتضرر قطاع كبير من الأبرياء، وسيتشكل رأي عام داخل المملكة ضد هذه التوجهات الإرهابية بل والرفض المطلق لكل الأفكار السياسية لهذه الجماعة.
موسم الحج بدأت أيامه الأولى والناس تتوافد على المملكة من كل فج عميق والكل مسؤول عن أمن الحج والحجاج. القيادات السياسية وكافة جمهور المجتمع السعودي مسؤول عن حماية ضيوف الرحمن ومؤسسات الدولة وأمنها، وما حدث في النجف وما حدث في القدس في الماضي كلها سوابق، الأيدي الشريرة لن تعدم حيلة للعبث حتى لا يسلم أي مكان يجتمع فيه المسلمون من فتنة تفقد هيبة المسلمين وتعمق فكر اليأس. قد تندس عناصر شريرة من خارج دائرتنا الحضارية الإسلامية لتلحق بالبلاد الأذى والعمل المنكر، ولكن علينا أن نكون أكثر وعيا وأكثر إدراكا لما قد يقع، وهنا انبه إلى إن الاستعانة بعناصر خارجية لحفظ الأمن لن تكون من الصالح، إن الثقة بالمواطن وأجهزة الدولة هي الضامن للأمن الوطني وليس سواهم.
القيادة السياسية في الرياض في حاجة ماسة لوقفة تأمل تجمعها مع أصحاب الرأي الصادق من أهل البلاد، أهل العلم وحب الوطن لا عشاق الجاه وعبدة المال، ولا المنافق والتابع، فهؤلاء لا رأي لهم ولا وضوح لفكرهم وقد يزينون لصانع القرار سوء العمل، عن حسن نية، أو اعتقادا بأن رأيهم يجد أذنا صاغية عند صانع القرار، الأمر الذي يؤدي إلى اتخاذ قرارات ليست في صالح الوطن ووحدته. القيادة السياسية تملك بيدها كل وسائل الإكراه والقوة، وقادرة على أن تمد يدها بمسحة حنان ومصالحة - في هذه الظروف الصعبة والحرجة - على رؤوس أفراد أو جماعات أو طائفة، هذه اليد الكريمة من قيادة كبيرة تبعث بالطمأنينة إلى نفوس أفراد تلك الجماعات ويعمق ذلك مبدأ الولاء وحب الانتماء. العنف كما قلت يولد عنفا وتتشابك دوائره والضحية هو النظام والوطن والمواطن. فهل من اعتبار لتجنيب قادم الأيام سوادها الحالك؟
* آخر القول: اللهم ارزق ولاة أمورنا البطانة الصالحة.
وللحديث صلة.