الإنطباع الذي تعمدت بعض الأطراف العراقية إشاعته، وتبناه الاميركيون وأثلج صدور الذين يحاولون منع إنتخابات الثلاثين من هذا الشهر بالقوة وبالتهديد، هو ان النظام السابق كان نظام السنة العرب وان معاناة شرائح ومكونات الشعب العراقي خلال سنوات سيطرة هذا النظام قابلتها «بغددة» سياسية وإقتصادية لهذه الشريحة، أي السنة العرب، على حساب الشرائح الاخرى.
ولعل ما تجب الإشارة إليه ونحن بصدد الحديث عن هذه المسألة الهامة والحساسة والتي تزداد أهميتها مع إقتراب موعد الانتخابات العراقية في نهايات هذا الشهر هو ان النظام السابق، وهذا تكرار لما كُتب وقيل أكثر من مرة، ضرب فئات وشرائح الشعب العراقي بعصا السنة مع ان هذه الفئة واجهت في حقيقة الامر على مدى كل أعوام «الوحشة والخوف» أكثر مما واجهته الفئات الأخرى أو بنفس المقدار على الأقل.
كان يجب ان لا تصب بعض الاطراف العراقية، وبخاصة بعض اطراف ورموز المعارضة التي قدمت من الخارج، الحب في طاحونة فلول النظام السابق الذين يزرعون الآن الخراب والدمار في ما يسمى المثلث السني، وكان يجب على هؤلاء ان يتذكروا قبل ان يعطوا الانطباع بأن نظام صدام حسين كان نظاماً سنياً ان هذه الشريحة من الشعب العراقي خسرت من قياداتها السياسية، تحديداً، عشرات أضعاف ما خسره الأكراد والشيعة من قياداتهم خلال تلك المرحلة المظلمة التي بدأت مع الإنقلاب الدموي المشبوه في العام 1958 ولاتزال مستمرة، إن بشكل أو بآخر، حتى الآن.
إنها سلسلة طويلة من قيادات السنة العرب التي طالتها تصفيات صدام حسين سواءً داخل حزب البعث نفسه او بالنسبة للرموز القيادية الوطنية العريقة من ابناء تكريت والموصل وسامراء وبغداد وحديثه والفلوجة وراوه وكل المدن والقرى التي يضمها هذا المصطلح الخبيث أي مصطلح «المثلث السني».
لم تقف تصفيات صدام حسين للقيادات السنية عند نقطة محددة فقد طالت حردان التكريتي في الكويت وبعد ذلك عبدالكريم مصطفى نصرت وعبدالخالق السامرائي وعدنان حسين الحمداني ومحمد عايش وعبدالرزاق النايف وشفيق الكمالي ومدحت الحاج سري شقيق رفعت الحاج سري وزكريا مشهداني وناظم كزار وعبدالكريم الشيخلي وعمر هزاع التكريتي والدكتور راجي عباس التكريتي وجاسم مخلص وصالح مهدي عماش وأيضاً، كما يقال، احمد حسن البكر وإبنه هيثم وعدنان خيرالله طلفاح وبالطبع حسين كامل وشقيقه صدام ووالدهما والكثير من أهلهم المقربين.
وبالتأكيد فإن مسلسل التصفيات هذا طال أيضاً الكثير من القيادات الشيعية السياسية والدينية وعلى رأس هؤلاء محمد باقر الصدر وصادق الصدر والشيخ طالب السهيل والكثير من القيادات الكردية لكن حملة الإبادة تركزت على القيادات السنية من داخل حزب البعث ومن خارجه وبالذات رموز وقيادات ما يسمى بـ «المثلث السني».
لقد إستعمل هذا النظام السنة ضد الشيعة والسنة ضد السنة والشيعة ضد الشيعة، والاكراد ضد الاكراد، وإذا كان أعطى الانطباع بأنه نظام السنة العرب رغم كل حلقات التصفيات هذه فإن أهل العراق يعرفون ان الأكثر دموية من جلاوزته كانوا من الشيعة أيضاً ويأتي على رأس هؤلاء المضمد السابق محمد حـمزة الزبيدي وآخرون برزوا الى جانب علي الكيماوي «كرموز لقمع إنتفاضة الجنوب في العام 1992 التي كان ولايزال عنوانها « المقابر الجماعية».