ربما تتعدد الأسباب التي نرجع اليها الأهمية غير الاعتيادية للمؤتمر الذي عقده المجلس المصري للشئون الخارجية هذا الأسبوع, تحت عنوان مصر والعرب والولايات المتحدة قد يقال انه أهمية الموضوع والحاحه علي الجميع في الوقت الحالي.. أو أن السبب هذا الحشد الكبير المشارك في المناقشات أو قل المناظرات ومنهم رؤساء وزراء ووزراء وسفراء سابقون ومسئولون حاليون رفيعو المستوي, ورجال فكر وأصحاب خبرة هم بمثابة مراكز للفكر.. وقد يقال انها حيوية وأولوية قضية الاصلاح الديمقراطي, التي صارت هي مربط الفرس لكل مشكلة أيا كان نوعها, ولم يعد هناك منتدي للحوار يعقد في مصر أو في أي موقع في العالم العربي, إلا وتقتحمه قضية الاصلاح الديمقراطي, وقد تكون هذه الأسباب مجتمعة هي ماشكلت تلك الأهمية الفائقة لما جري في المؤتمر السنوي للمجلس الذي يرأسه السفير عبدالرؤوف الريدي.
وفي هذا المؤتمر ـ الذي استغرقت أعماله اليوم بطولة من التاسعة صباحا وحتي السابعة والنصف مساء, وشارك في جلساته الثلاث, مختتما اعماله بمائدة مستديرة في الختام, علي المنصة22 متحدثا, ومداخلات وتعليقات من عشرات من شخصيات الحضور المتميز من أهل الرأي ـ كانت تلمع كومضات البرق تساؤلات مثل: أين نحن في مصر مما يجري؟.. وأين دور العرب؟.. ونحن نستطيع ان نفعل كذا وكذا فلماذا لانفعل؟
وهي تساؤلات بدت كالطيور الحائرة تطوف وتحلق, دون ان ترتاح أو تحط.
وبشكل عام فسوف أحاول ـ ودون ترتيب ـ ان أستخلص مما طرح وهو خصب وثري, بعضا مما يشكل مؤشرات لما نحن مقبلون عليه, ماينتظرنا, ومايتربص بنا, وماذا نحن فاعلون, وصولا الي مركز الجاذبية الذي شد الجميع بتلقائية, وهو موضوع الاصلاح الديمقراطي, الذي كاد الالتقاء حوله يمثل اجماعا من الحضور.
وعبر التنوع السياسي والفكري في جلسات المؤتمر, برزت هذه النقاط, من خلال تنوع المتحدثين:
{{ ان هناك مشاركة ضرورية لامهرب منها بين امريكا والعالم العربي, ولايستطيع أيهما تجاهل الآخر وفي مساحة هذه المشاركة نقاط اتفاق, ونقاط اختلاف, فكيف ندير الصراع فيما يتعلق بنقاط الاختلاف؟.. وكيف ندير العلاقة ككل بما فيها من اتفاق واختلاف؟
وبالطبع فأي علاقة من طرفين, يفترض فيها ان يملك كل منهما أدوات ادارتة للعلاقة, ولا يتركها للآخر يدير جانبيها كأنها شأنه وحده وليس للطرف الثاني فيها مايخصه.
{{ الشرق الأوسط, وعلي وجه الخصوص العالم العربي صار ميدان العمل الرئيسي للسياسة الخارجية الأمريكية لعشرات السنين القادمة ـ من وجهة نظرهم ـ والسياسة مدفوعة بفكر أيديولوجي لفريق المحافظون الجدد يري ان عدم تدخل امريكا في العالم من أسباب هجمات الحادي عشر من سبتمبر2001, وأنها يجب ان تتدخل, وتعيد تشكيل الشرق الأوسط علي شاكلتها.
وأن الأوضاع الداخلية في الدول العربية هي التي أدت الي ظهور الارهاب, وبالتالي فمن حق امريكا التدخل في الشئون الداخلية للدول العربية لأن أوضاعها الداخلية هي التي حرضت علي التدخل في الشئون الداخلية الأمريكية يوم الحادي عشر من سبتمبر.
واذا كان المحافظون الجدد وراء أفكار تغيير الشرق الأوسط, وتغيير الأنظمة, فإن مايضاعف قوة تأثيرهم ان بقية الفرق الأخري المؤثرة علي سياسة حكومة بوش, وعلي رأسها اليمين المسيحي, تركز علي الشرق الأوسط, وتنظر للشئون السياسية من منظور ديني بحت, يشتمل ذلك نظرتها للنزاع العربي الاسرائيلي, والسودان, وقانون الحريات الدينية الذي كانت وراء اصداره, والوفود التي تأتي الي المنطقة لمتابعة مايخص هذا القانون.
{{ بعد اعادة انتخاب بوش, فمن المنتظر تصاعد الخط الاستراتيجي الحالي للسياسة الأمريكية في المنطقة, فهو يعتبر نفسه قد حصل علي تفويض كامل من الشعب الأمريكي كله, بعودته الي البيت الأبيض, وسيطرة الحزب الجمهوري علي الكونجرس بمجلسيه الشيوخ والنواب, والفوز بمناصب29 حاكما من حكام الولايات.
ففي العراق ليس هناك التزام امريكي بأي انسحاب من العراق, فأمريكا بسبيلها لدعم قيام نظام برلماني بمفاهيم مغايرة للمفاهيم السائدة حاليا في العالم العربي, انتظارا لقيام حكومة تدخل معها في مفاوضات لابرام تحالف, واقامة قواعد عسكرية, وتقنين الوجود العسكري الأمريكي في العراق
.. أما في فلسطين فكل مايصدر عن الرئيس بوش لعملية السلام, هو مجرد وعود, تنقصها المبادرة المتكاملة لوضعها موضع التطبيق العملي.
وليس متوقعا ان يتخذ بوش مبادرة تصل الي حد تحقيق الأماني الوطنية للفلسطينيين, وسوف يحاول تغيير الأسلوب والنهج الذي يتبعه لاعطاء ايحاء بأنه يتحرك, لكنه سيظل متمسكا بمعتقداته.
والواضح من اتجاه شارون ـ الذي يؤيده بوش, انه يقبل بدولة فلسطينية في غزة وفوق نحو من42% ـ45% من الضفة, علي أساس مفهوم شارون بأنها دولة موقتة ليس فيها تحديد للحدود, واللاجئين, وحق العودة, ووضع القدس, وان يترك ذلك لحقبة زمنية لاحقة وربما يفسر هذا ماصرح به شيمون بيريز في الأيام الأخيرة من قوله: لست مقتنعا بأن شارون مهتم بالتوصل الي تسوية نهائية مع الفلسطينيين.
{{ أثيرت في الجلسات القضايا السياسية, والاقتصادية والثقافية, وحدث تداخل بين مواقع ومسببات العلل, بينما المناقشات تنتقل تحت عناوين: الدلالات السياسية للانتخابات الأمريكية وقضايا الشرق الأوسط في السياسة الخارجية الأمريكية ـ والعلاقات الاقتصادية والتجارية والمعونات والدور الأمريكي في مبادرات الاصلاح في الشرق الأوسط, ولاح ان التوجه العام صار مثل دفقات مياه تلقي بنفسها مندفعة بالحيوية والحماس في مجري الاصلاح كضرورة مصرية بصرف النظر عن كونه مبادرات خارجية, وان هذا الاصلاح في غيابه أصل الخلل والعلل, وفيه مفتاح الحل لكل المشاكل.. وفي هذا الجانب قيل الكثير. وان كان قد دوي في القاعة تحذير حكيم من أن تبتذل كلمة الاصلاح فتتحول الي خطاب حماسي دون فعل.. أو شئ أشبه بستار زاهي الألوان مشرق بالوعود والأماني, لكن ماوراءه لوحة قاتمة متشائمة.
في سماء هذه المناظرات والمناقشات, كان يلمع أمام العيون برق التساؤلات المحلقة كالطيور الحائرة تسعي وراء مستقر تحط فيه مثل: أين نحن؟.. ماهو دورنا؟.. ماذا نحن فاعلون وقد حول الاخرون الشأن الداخلي هنا الي جزء من برنامج سياستهم الخارجية مرتبطا بأمنهم القومي؟.. أليست العلاقة العربية الأمريكية, علاقة بين طرفين, والمفترض حسب منطق قواعد العمل السياسي ان يكون لكل منهما فلسفته وبرنامجه لادارة هذه العلاقة, واذا ماتخلي أحدهما عن ادارته لها, فمعني ذلك انه يسلم مصير أمته للاخر يباشر أمورها حسبما يحلوله, ووفق أولويات مصالحه هو, ضاربا عرض الحائط بنقاط الاختلاف التي لابد ان توجد بالضرورة في أي علاقات دولية.
.. المهم ان الحضور قد أخرج كل منهم مافي جعبته, وطرح خلاصة مافي مخزون فكره من أفكار واجابات, ليبقي هذا المؤتمر لقاء ثريا, يسهم قدر الاستطاعة, في انارة الطريق, ولو بالقول.
بالطبع كان هناك متفائلون من فرصة حل المشكلة الفلسطينية, والاحتلال في العراق, والحالة العربية بوجه عام, وقد عرضوا وجهة نظرهم بقوة وعن اقتناع. لكن مافعلته انني قدمت صورة شاملة للتيار العام والأكثرية الغالبة في المؤتمر.
- آخر تحديث :
التعليقات