إذا تأملت في أحداث عام 2004 يمكنك أن تعد جدول أعمال مبسطاً لعام 2005. فأحداث اليوم هي في الغالب تطورات لأحداث الأمس، وهذه هي الرؤية التي تفصل بين التحليل والتنجيم. فالتحليل يعتمد على التفكر الموضوعي وفقاً لمعطيات الواقع، بينما التنجيم رجم بالغيب مبني على ادعاء ميتافيزيقي.
أول أجندة عام 2005 مرئي أمامنا لأنها كانت آخر أحداث العام المنصرم، فهي تتمثل في مسلسل تداعيات زلزال «تسونامي» في آسيا.
خلال الأسبوع النهائي من ديسمبر رأينا الكارثة الافتتاحية التي ذهبت بأرواح ما يقدر حتى الآن بنحو أكثر من 150 ألف شخص وتركت قرى أثراً بعد عين واجتاحت واجهات ومساكن ومرافق مدن ساحلية.
وإذا كان هذا المشهد الأول يحسب من حيث الخسائر البشرية بعشرات الألوف فإن المشهد التالي له يحسب بالملايين، هؤلاء هم جموع الناجين من كارثة المد الموجي.
الآن وخلال الأسبوع الأول من يناير نرى في مشهد ثالث الجهد العالمي لإغاثة الناجين بسد احتياجاتهم الأولية العاجلة: أغذية سريعة.. ماء نقي.. إسعافات أولية طبية.
لكن هل تنتهي القصة عند هذا الحد؟
يتبقى في أجندة 2005 بندان، أحدهما قصير المدى والآخر على المدى الطويل.
الأمر الأول يعتمد على مدى الأريحية العالمية تجاه الدول المتأثرة، أندونيسيا وتايلاند وسريلانكا. فالإغاثات العاجلة ينبغي أن تتطور إلى مستوى مساعدات ذات طابع إعماري مثل إقامة مستشفيات وتجهيز مستشفيات عامة من أجل الحيلولة دون انتشار أمراض وبائية كالكوليرا.
بعد ذلك يبقى التحدي الأكبر المتمثل في إعادة تعمير شاملة للبنى التحتية من أجل إنقاذ الاقتصاد الوطني أو إعادة تأهيله، وبالتالي خلق فرص عمل كافية لمن شردتهم الكارثة. وسنرى خلال عام 2005 كيف تتجاوب الدول الغنية مع هذا التحدي الكبير. والاختبار الأول في هذا الصدد سيكون الوفاء أو عدم الوفاء بإعفاء الدول المتأثرة من ديونها الخارجية.
وهناك تحدٍ مماثل في جزء آخر من العالم، وهو إعادة إعمار السودان بعد توقيع اتفاق السلام النهائي بين طرفي الحرب في الجنوب. فهل تفي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بما التزاما به من وعود في هذا الصدد أم يقبض السودان الريح كما جرى لأفغانستان؟
أما إعادة إعمار العراق فإنها مرتهنة بطبيعة الأحوال إلى حالة الوضع الأمني. وإذن يكون السؤال الذي قد يأتي عام 2005 بإجابة عليه هو: كيف يكون المصير السياسي في العراق؟
هناك بالطبع موعد اختباري قريب، فلن يطول انتظارنا لنرى ما ستأتي به انتخابات الثلاثين من يناير الجاري. وهل ستجرى الانتخابات أصلاً؟ وما هو الوضع السياسي التي ستفرزه إذا أجريت فعلاً؟
مثل هذه الأسئلة المصيرية تنطبق أيضاً على المسألة الفلسطينية، والسؤال الأكبر في هذا السياق هو عما إذا كان عام 2005 سيشهد خطوة كبرى نحو إقامة دولة فلسطينية كاملة الاستقلال.
ولكن هذا السؤال المعضلة تسبقه من حيث الأولوية أسئلة من طراز مختلف من قبيل: كيف يتعامل رئيس السلطة الفلسطينية المرتقب محمود عباس أبو مازن بعد انتخابات 9 يناير مع قادة فصائل المقاومة؟ وهل تبلغ المفاصلة بين الطرفين ذروتها فتندلع اشتباكات بين قوات الأمن التابعة للسلطة وفصائل المقاومة؟
في كل الأحوال فإن من المؤكد أن تواصل القيادة الإسرائيلية تنفيذ أجندتها الأحادية مثل استكمال بناء جدار الفصل ليكتمل بذلك خلق حدود إسرائيلية جديدة تلغي عملياً حدود عام 1967.وبصورة إجمالية يبدو أن عام 2005 ـ كسابقه ـ لن يحمل بشائر كبرى للعرب.