هناك شيء ما نطق أمريكياً في تصريحات حازم الشعلان وزير الدفاع العراقي وإن تحدث بالعربية وبطريقته. حتى وان أكد مسؤول أمريكي (ليس مهماً أو معروف الوجه) بعد تصريحات الشعلان في القاهرة أن أمريكا “تؤيد” الانتخابات واجراءها في وقتها، إلا ان أبسط البسطاء من متابعي السياسة في المنطقة لن يضل عن حقيقة الصوت الخفي للدولة الكبرى في كلام الشعلان. ولا ننسى طبعاً ذكر الأخير في تصريحه ان أمريكا ستكون “سعيدة” لو تمت الانتخابات بصورة شاملة وبمشاركة “الجميع”.
ها قد تم الانتباه إلى “الجميع” الذين يجب ان تشملهم الانتخابات وأن الإقصاء ليس مما يدل على الديمقراطية، وها هو التصريح يدل على شيء كبير على الأقل في التفكير وهو: “مقاطعة السنّة للانتخابات تعني ان نصف المجتمع سيغيب تقريباً عن هذه الانتخابات، إذ لن يشارك المواطنون في الموصل والرمادي وتكريت وديالي”.
الكلام يدل بالتأكيد على تغير هائل في التفكير على الأقل، على طريق التغيير في القرار، وليس هناك من لا يعلم انه لم يأت من اقتناع طوعي، حتى وان غدا واضحاً الآن ان مدناً ومقاطعات بأكملها لن يذهب أحد فيها إلى صناديق الاقتراع.
المقاومة، التي يجب ألا تحرم شرف هذا الاسم مهما كانت الصيحات عالية في هذا الاتجاه، هي التي زحزحت المواقع وستتيح التنازلات بالتأكيد.
العالم يبدو مشغولاً بفواجع “تسونامي”، ولكن المقاومة وفي الطريق إلى انتخابات نهاية يناير/كانون الثاني، تظل تشعل الانتباه المركزي بأعمالها التي تثبت فيها أنها ليست أبداً وجوداً أجنبياً على أرض العراق كما وتثبت أيضاً نجاحها الفائق وتنسيق أعمالها ومعنى رسالتها اليومية تقريباً، المقاومة تعمل في وضح النهار في وسط جماهيري يحتضنها والشرطة والأمن هما اللذان الآن يرتدي افرادهما الاقنعة على الوجوه.
ليس الشعلان فقط هو الذي اقتنع مع حكومته المؤقتة ومع الأمريكان (تضميناً) بتأجيل الانتخابات وانما كثير من دوائر ومراكز الرأي في الغرب المشدود شداً والمفتوح العين على ما يحدث من أعمال عنف مقاوم ضد الأمريكان وأصدقائهم في العراق. لقد حملت صحف غربية وعلى غير العادية افتتاحيات وآراء تنادي بتأجيل الانتخابات وكون موعدها ليس مقدساً.
منذ أيام قليلة نشرت جريدة “الجارديان” افتتاحية تعتبر نموذجاً لما يطرح في هذا الوقت من جديد رأي بسبب أعمال المقاومة المحتجة على الانتخابات، ولقد قالت الصحيفة ان انتخابات وواقعاً سياسياً جديداً لا يعكس الوقائع على الأرض غير معتد بهما، كما كتبت أن مقاطعة السنة لن تضع مصداقية وشرعية الانتخابات محل التساؤل فقط، وإنما أيضاً الدستور الذي سيظهر بعد ذلك.
الصحيفة وبصريح القول أوضحت ان أعمال المقاومة هي التي استدعت مراجعاتها وتغيير رؤيتها في المسألة العراقية.
ليس الخبر حقيقة متعلقاً بالسنة والتنازل لهم في الانتخابات ووقت اجرائها، ولكن الخبر في ثقله ومضمونه هو للمقاومة التي ستتراجع الولايات المتحدة وحلفاؤها العراقيون ويتنازلون أمام ضرباتها التي صارت تسدد في العمق وتهدد الرؤوس وما يحمى أقصى الحماية.
التأجيل هو للمقاومة كي تخف الوطأة على الجيش المحتل والمؤسسات التي استحدثها احتلاله في العراق. وهذا التلويح بالتأجيل هو مذكرنا المحسوس بتاريخ مسطور في السجل الاستعماري عن بدايات انهيارات الغزاة وتسليمهم للبدائل المقاومة.