القاهرة من وائل عبد الفتاح: عبد الحليم حافظ هو حلم أحمد زكي الآن. يتحدث كلما خرج من نوبة مرض عن "العندليب" فيلمه الجديد. وشخصيته التي يكمل بها كتالوغ الاساطير الحديثة في مصر بعد عبد الناصر والسادات. (الكتابة لمحفوظ عبد الرحمن المشهور بصناعة تماثيل درامية للمشاهير... والاخراج لشريف عرفة بعد شوط مع مجدي أحمد علي..).
في الحكاية اغواء لتشخيص "الفيس بريسلي" المصري... وتماس مع رحلة صعود أحمد زكي نفسه من فتى معذب في الحياة إلى نجم النجوم.
في الوقت نفسه هناك 5 أفلام في دور العرض كلها تتكلم عن الحب. بداية من العناوين: "...كان يوم حبك...". "حالة حب". "حبك نار". واضح طبعاً حضور أغاني عبد الحليم حافظ، رمز الرومانسية المفقودة كما كانت في الستينات. والثالث يستوحي الحداثة من أسطورة أكثر خلوداً: "روميو وجولييت".
هل هي صدفة ان يكون الحب وعبد الحليم... وروميو وجولييت... أبطال أحدث موضة في السينما المصرية؟
وحتى لو كانت صدفة فإنها تشير إلى إحساس غير واعٍ بأن فكرة اللعب على قصص الحب بين الشباب يمكن أن تجذب جمهور السينما.
لماذا؟
ربما لأننا في لحظة سكون، أقرب إلى الموت. ننتظر تغييراً مفزعاً. وفي مثل هذه اللحظات تبحث الجماعات عن قصص مريحة. تبحث في أساطير المثل العليا، عن الحب الذي يمثل الجانب المقابل للحرب أو القتل.
وربما لأن الرومانسية بضاعة سهلة. والحنين إلى زمن الحكايات الساذجة المسلية التي كان بطلها عبد الحليم ليس إلا رغبة مأمونة العواقب.
عبد الحليم عاشق مثالي في السينما. شاب رقيق شاحب مسكين في لحظة البحث عن فرصة. المجتمع يحاربه في رحلة الصعود والتألق. يلتقى بحبيبته وهو في نصف الطريق ليواجه مخاطر الارتباط بها في نفس الوقت الذي يكمل الرحلة. في النهاية يفوز بالنجاح والحبيبة معاً.
هذه هي الرومانسية الآمنة. بلا حواس. ولا رغبات طاغية. رومانسية منزوعة الغريزة.
كامل الأوصاف
تابعت باهتمام تجربة اثنين من المخرجين الشباب في ظل زحمة الحب في أفلام العيد: إيهاب لمعي وسعد هنداوي.
إيهاب مخرج "كان يوم حبك". هذا هو فيلمه الثاني (الاول كان "من نظرة عين" وعرض العام الماضي). في آخر الثلاثينات من عمره. وهو تخرَّج من معهد السينما في منتصف التسعينات. تقريباً في الفترة نفسها التي تخرّج فيها سعد... لكن "حالة حب" هو فيلمه الأول.
تأخرت إذن فرصة كل منهما.
إيهاب صدم الجمهور والنقاد في فيلمه الاول. أسلوبه لم يلقَ قبولاً عمومياً. ولهذا أراد ان يقول في الفيلم الثاني انه قادر على صنع فيلم عادي بإمكانيات مخرج موهوب وله أسلوب متميز.
السوق رعب هذا النوع من المخرجين.
وشروط المنتجين أصعب من شروط أهل الحبيبة من موظفي الطبقة الوسطى في عريس كامل الاوصاف.
إيهاب لمعي اختار الدخول في الفرصة المتاحة. سيناريو ركيك وقصة متهافتة. السيناريست حاول ان يلعب لعبة قديمة جداً وهي ان تكون البطلة رمزاً لقيم ضائعة (مصر أو البراءة أو الحلم...) والبطل رمزاً هو الآخر.
وفكر المخرج في صنع فيلم خيالي تماماً (وهو نوع من الافلام موجود في السينما الأوروبية والاميركية البعيدة عن السوق). أي فيلم لا يحتكم فيه إلى قوانين الواقع. يستخدم فيه نظرية اللعب بالتقنيات البصرية (الالوان وتركيب المشهد...). لكن كان من المستحيل الجمع بين السيناريو وهذا الاسلوب. فخرج الفيلم عبارة عن ميلودراما ساذجة عن فتاة تقابل بطلها بالصدفة (حسب نظرية عبد الحليم حافظ في الاغنية)... لكن الشرير صديق البطل يغتصب عذريتها فتنحرف و"تشتغل رقاصة"... وهو يذهب بعيداً ليكتشف هناك انه مصاب بفيروس في القلب... ويعود ليكمل معها مسرحية عن الحب الرومانسى... ليكون الفن أهم من الواقع وأكثر قدرة على الخلود.
أعتقد أن إيهاب أهدر طاقته في هذا الفيلم. خاصة ان خالد سليم ليس الممثل المناسب ليكون بطلاً رومانسياً. فهو لا يمتلك سوى صوت. حنجرة. (يحبها جمهور بالتأكيد) لكنه نموذج مكرر لشباب كثير في الطرقات يهتمون ببناء جسد قوي ضخم (بموضة الهرمونات الاميركية) ويبدو معه كمصارع فقد وظيفته فعمل حارس أمن ليليياً. لا يقنع احد ولا مرة في ان لديه حكاية يمكن ان يحكيها. أو لديه شيئاً خلف النص الذي يقوله.
فهو من جيل يفهم التمثيل انه الظهور على شاشة أمام الكاميرا والجمهور. لا يفهم ان التمثيل يعني القدرة على الكشف عن أشياء لا تخرج في اللحظات العادية.
التمثيل يخرج مشاعر مخزونة في الممثل. وعندما يخاف الممثل من هذه المشاعر ما الذي يتبقى له؟
أما فتاة الاحلام (داليا البحيري) فهي أكثر جرأة. لكنها ليست جذابة على الشاشة. جاذبيتها خارج الشاشة أكبر. لا توسع الدور الذي تلعبه. لا تمتلك شيئاً إضافياً. لا طاقة تخرج منها على الشاشة. تبدو أحياناً مثل أبطال القصص في برنامج "حياتي" (برنامج ميلودراما المشاكل الاجتماعية). مناسبة للدور لكنها لا تتفاعل معه. هي خارج الحكاية تماماً.
فوق الشوك
على العكس اضافت هند صبري في فيلم سعد هنداوي حيوية بدون حركات زائدة.
هي ليست بطلة الحكاية. والفيلم عن مشاعر تنتمي إلى الرومانتيكية المقبولة. لا تخدش الافكار الموجودة عن الوطن والغربة والحب.
ربما تكون قصة الحب الرئيسية بطلتها مها أبو عوف (الوحيدة من جيل النجمات الاكبر سناً التي تحب سنها وعمرها بل وتتألق فيه... وتزداد فتنة وجاذبية).
البطل في هذه القصة يحلم بالسفر إلى فرنسا جنة الفن. هو رسام يبحث عن فرصة لمعرض في باريس. أخذ معه نصف العائلة ابن (هاني سلامة) وترك إبناً في القاهرة (تامر حسني).
لم يعرض وانتهي به الحال رسام بورتريهات في الشوارع. وحيداً غريباً. محبطاً. يخاف من الرجوع إلى مصر وهو مهزوم.
ابنه عاش على انه فرنسي حتى قابل عمرو. المصري المتشرد الذي كشف له الجانب الآخر من باريس. يقيم بأوراق سوداء (مزوّرة وغير شرعية).
اكتشاف يجر اكتشاف. فيقرر مع حبيبته (هند صبري) العودة والبحث عن نصف العائلة الآخر.
ميلودراما محبوكة. وقصة حب ما زالت تشير إلى شرب القهوة طرف الاصابع والجري في المطر على طريقة مها أبو عوف.
رومانتيكية مشاعر ووطنية خارج زمنها إلى حد ما (الكلام عن موسيقى مصرية... والخوف من الاميركية التي تحمل حبوب السعادة... والطائرة الورقية التي تشبه الاحلام بالانطلاق... كليشيهات لكنها كانت في اطار الفيلم المشحون بالعواطف على طريقة عبد الحليم حافظ...).
وهذه لعبة سعد هنداوي الناجحة.
فيلم في الحد الادنى.
لكنه مقبول ويمر في زحمة سوق تحكمه الفوضى.
وقصص حب تصل بالنشوة إلى آخرها. رغم انها تقليدية ومسلية ومريحة.
وبطلات مثاليات للذوق المصري الحالم بالخروج من احتكار العواجيز (هند... والممثلة الجديدة زينة) وأبطال يشبهون شباب هذه الايام.
الخارج الوحيد عن هذه اللعبة المأمونة كان الشاب غير الشرعي (ممثل جديد اسمه عمرو ممدوح) وشريف رمزي المهووس بالموسيقى والحالم بتأشيرة والمجنون بالحب الافتراضي على الكمبيوتر.
وهما أكثر الممثلين حيوية. ربما لأنهما لم يكن مطلوباً منهما أن يكونا رمزاً لأي شيء كبير.
فالرموز الآن عادية ومملة.