البيان الصادر أمس عن السفارة الأميركية بعد زيارة جيفري فيلتمان إلى بعبدا خطير. إنه يعلن بدء الإعداد لlt;lt;السيناريو الأوكرانيgt;gt;. لقد تزامن انعقاد مؤتمر البريستول مع أحداث كييف. انطلقت الألسن، وقتها، تلهج بانتصار الديموقراطية، وغلبة الشفافية، والعجز عن تزوير الانتخابات، والأعين الدولية المفتوحة، إلخ... قيل ما معناه إن البث المباشر يمنع التلاعب بأصوات الناخبين.
معارضون كان هذا كلامهم يستطيعون القول إنهم في انسجام مع أفكارهم، وتاريخهم، وانتمائهم. أما معارضون آخرون فقد بدوا حديثي النعمة، تركوا lt;lt;عدةgt;gt; كانت تساعدهم على التفكير وأخذوا بالقشرة البرانية لمنظومة أخرى. كان يمكن لبعض من هو من الصنف الثاني أن يكون مضحكاً في دوره الجديد لولا أنه كان، في الحقيقة، محزناً لحظة استحضار المثال الأوكراني عند إبداء مواقف لبنانية.
كان الحكم الأوكراني فاسداً، متسلطاً، زبائنياً، قمعياً. شجع الإثراء غير المشروع، وأفسد القضاء، وأقدم، فوق ذلك، على تزوير عيني للانتخابات. ولكن، مع ذلك، يصعب القول إن المعركة كانت بين معسكر أوتوقراطي ومعسكر ديموقراطي.
أوكرانيا بلد موحّد بشكل هش. ويجمع المراقبون على وجود تمفصل بين التوزع المذهبي والعرقي والمناطقي بما يؤمّن قواعد شعبية راسخة فعلاً للتيارين المتواجهين، وبما يجعل احتمال الانقسام (والحرب الأهلية؟) وارداً باستمرار.
لا ضرورة لعقد مقارنة بين لبنان وأوكرانيا لكن ثمة أوجه تشابه لا يجوز إنكارها، وربما كانت في ذهن معارضين لبنانيين فخورين بالإنجاز الذي حققه نظراؤهم هناك.
غير أن استكمال المقارنة يوجب القول إن الذين فازوا باسم الديموقراطية كانوا مشاركين في السلطة وكانوا من أبرز المستفيدين من عمليات الخصخصة التي حصلت والتي جنوا منها ثروات طائلة. ومن الوهم بيع أحد الفكرة القائلة بأن معارضي الأمس الأوكرانيين هم منقذو اليوم. لقد لعبوا على عصبيات واستفادوا منها. الأهم من ذلك أنهم كانوا lt;lt;حاجةgt;gt; خارجية.
لا ندري إذا كان lt;lt;البريستوليونgt;gt; أبرياء تماماً عند استحضار المثال الأوكراني. فما حصل هناك هو، في جزء منه، استمرار لlt;lt;الحرب الباردةgt;gt; لكن بتوتر منخفض. فمنذ انهيار المعسكر الاشتراكي، ومنذ تفكك الاتحاد الروسي، والعيون الغربية تراقب أوكرانيا معتبرة أن استمالتها انتقال جدي نحو تطويق روسيا وإضعافها وبناء حاجز يمنع lt;lt;بربريتهاgt;gt; من التمدد غرباً. ولقد كانت الانتخابات جزءاً من صراع روسي أميركي (مع دور أوروبي داعم لواشنطن) انتهى بغلبة الطرف الثاني وأسفر، حتى الآن، عن نجاح الجزء الغربي من أوكرانيا في جر البلد إلى الدوران في الفلك الغربي العام مع ما قد يعنيه ذلك من تطوير لاحق للعلاقات مع lt;lt;الناتوgt;gt;.
ما لا يقوله معارضونا لمواطنيهم إن الولايات المتحدة موّلت بعشرات ملايين الدولارات حملة حلفائها، وأنها استخدمت lt;lt;منظمات مجتمع مدنيgt;gt;، ومراقبين دوليين في سبيل ذلك. ومهما قيل في روعة التظاهرات العفوية (وهي رائعة فعلاً) احتجاجاً على التزوير فإن محايدين كثيرين كشفوا بالوقائع كم أن جانباً من هذه العفوية منظم، ومدروس، ومعد له سابقاً، ومسخّر لأن يؤدي إلى النتيجة التي أدى إليها. لقد تشارك الحزبان الأميركيان، الديموقراطي والجمهوري، في هذه العملية.
لا بل ينسب إلى أحد منظري الحزب الأول الفكرة القائلة بأن السيطرة على أوكرانيا هي أحد مفاتيح السيطرة على أوراسيا، والسيطرة على هذه مدخل إلى الأرجحية الكونية. والكلام عن مشاركة الحزبين يعني، في ما يعني، مؤتمرات، وأموالاً، ولجان دعم، وتغطية إعلامية، إلخ...
السيناريو الأوكراني تكرار شبه حرفي لما حصل في يوغوسلافيا عام 2000، ثم في جورجيا. وتشاء lt;lt;المصادفةgt;gt; أن ديبلوماسيين أميركيين تنقلوا في هذه البلدان وقت حصول الأحداث.
لقد اشتق كتّاب نقديون أميركيون مصطلحاً جديداً: حق التدخل الانتخابي. ووجدوا أنه، مع lt;lt;حق التدخل الإنسانيgt;gt;، غطاء لحروب من نوع جديد. وكتبت lt;lt;ذي نايشنgt;gt; حول الموضوع قائلة lt;lt;إن التدخل في الانتخابات الأجنبية تحت حجة محايدة هي دعم المجتمع المدني آخذ في التحوّل إلى تنظيم انقلاب ما بعد حداثيgt;gt; (20 كانون الأول 2004). يبقى أن هذا التدخل في أوكرانيا، كما في غيرها، حصل بشكل ذكي وخبيث ومعقد ولا علاقة له بفظاظة التدخل الروسي. ولكن الحقيقة تبقى هي هي: تدخل ضد تدخل والهدف تغير موقع البلد المعني.
وما دامت المعارضة هي التي استحضرت المثال الأوكراني إلى السجال السياسي اللبناني يحق لمن يخالفها الرأي أن يرى إليه بشكل مختلف.
إن بعض ما تقوله المعارضة هو تمهيد لlt;lt;سيناريو أوكرانيgt;gt;: الحكومة غير محايدة وستقدم حتماً على تزوير الانتخابات، لا بد من إحضار مراقبين دوليين، إن lt;lt;الانقلاب الأبيضgt;gt; وارد، لا استبعاد لفكرة الدعوة إلى استقالة رئيس الجمهورية... هذه كلها مقدمات أوجزها، أمس، وبدقة متناهية، بيان السفارة الأميركية ولو أنه كان من النباهة بحيث لم يشر صراحة إلى السيناريو المفترض: انكشاف لبناني، بدء تطبيق القرار 1559، انتخابات يعلن فوراً أنها مزورة، تحركات شعبية lt;lt;عفويةgt;gt;، تنظيم انتقال السلطة.
وكما أوكرانيا بين روسيا وأميركا كذلك لبنان بين سوريا وأميركا (مع فرنسا). في الحالتين الموضوع الجوهري المطروح هو موقع البلد وخياراته الكبرى واحتمال انتقاله من ضفة إلى أخرى. ربما كان الفرق هو أن لبنانيي الخيار السوري يجاهرون بموقفهم في حين يرفض لبنانيو الخيار الآخر (أو بعضهم على الأقل) الاعتراف بأن معارضتهم تتم بإدارة أميركية فرنسية.
  
ملاحظة: في أوكرانيا اختار الحزب الشيوعي lt;lt;الخط الثالثgt;gt;. في لبنان، أيضاً، يحاول الحزب الشيوعي فرض مثل هذا الهامش. هذه مصادفة ربما، لكن هناك كما هنا، إدراك أن الولايات المتحدة تحاول أن تصفّي، لصالحها، آثار lt;lt;الحرب الباردةgt;gt;، وآثار خيارات إقليمية تزعجها.