يتساءل صحافيون بشيء من الغموض، وبرغبة في اتخاذ سمات العارفين العميقي المعرفة، والمعنيين بهموم الأمّة وشجونها، والمؤرقين بجليل الأفكار والقضايا: ماذا سيحمل لنا عام 2005؟ أنا شخصياً أقف عاجزاً أمام هذه الكلمات القليلة التي لا تحدد المعنيين بالسؤال.
يحمل لنا! لمن؟!
ولأنني احترت إن كان المقصود بالسؤال هي البشرية جمعاء، أو الأمّة العربية، أو نحن الكتّاب والصحافيين وأصحاب الرأي، وبخّاصة من يكتبون وصورهم في أعلي الصفحة، أو المقالة و.. بقلم (...) مع إن القلم انتهي زمنه، والكاتب يدبّج مقالته غالباً علي الكمبيوتر ويبثّها للجموع المتعطّشة عبر الإنترنت لتتلقفها ساخنة، تخرج من عقله النيّر، أو فرن أفكاره.
نحن كعرب، وأسمح لنفسي بالإجابة علي ما أفترضه سؤالاً مزمناً ملقي علينا منذ أزمنة ولم نجب عليه.
ما ينتظرنا في العام 2005 يشبه بالضبط ما نحصل عليه من الكمبيوتر، أو من الشبكة، أو الموقع...
أستعير لغة الكمبيوتر فأقول: نحن نلقّم الكمبيوتر بالمعلومات الغزيرة ثمّ نستعيدها منه، فما وضعناه في جوف، أو هارد دسك الكمبيوتر، سنجده وننتفع به، وإذا كان الكمبيوتر، والشبكة، والموقع فارغاً ككثير من الرؤوس الفارغة (الفاعلة) في حياتنا بخلوها من النفع والجدوي فسنحصل علي صفر، لاشيء، واللاشيء لا يعطي شيئاً...
أحد أصدقائي اعتاد أن يبثّني مرّ الشكوي من أمين عام التنظيم الذي هو أحد أعضائه، والذي كان لا يمّل من ترديد هذه العبارة في وجه قيادات التنظيم: طاوعوني ردّوا علي اللي في راسي...
والحق أن جماعته قد ردّوا عليه كثيراً وكانت النتائج وبالاً عليهم...
ذات يوم حبكت معي بعد أن أصابني الصديق بالملل من تصديع رأسي عن معاناته ورفاقه من (قائدهم)، فاقترحت عليه أن يحشروه ويفتحوا رأسه من أجل معرفة ما يدور في تلك الرأس!
صاحبي نفخ نفخة هائلة تعبيراً عن حنقه وغيظه وسألني:
ـ وإذا ما وجدنا رأسه فارغاً؟
ـ تملأونه بأفكاركم السديدة التي جعلتكم تسيرون وراءه كل هذه السنوات، ثمّ تعيدون إغلاق الرأس ويا دار ما دخلك شّر، الرأس سليم والأفكار سليمة، بل يمكن أن تسمّوا رفيقكم (أبوسليم) تفاؤلاً واستبشاراً بالمرحلة الجديدة!
بالمناسبة فقد بدأت في كتابة هذه الفكرة في مسرحية بعنوان الرأس .. فإن وجد أحدكم تشابهاً بينها وبين نص مشابه فليلفت نظري قبل نشرها، وله الأجر والثواب .
عام الديك يكتبه أسد البحر:
نشرت الصحف صورة لأسد البحر وهو يضع ريشة في فمه ويكتب بالصينية الفصحي: الديك..مشيراً إلي عام الديك في الصين، وهو يقابل، الجدي، والعذراء، و...في الأبراج الغربية التي نري بختنا فيها بعد أن ضيّع أولي الأمر منّا أبراج عقولنا.
الصين كانت لعشرات السنين تعيش في زمن الذباب، وها هي اليوم ديك العالم الفصيح مع إنها استقلّت عام 49 يعني بعد كثير من الدول العربية، وها هي أسد العالم، أسد القرن الحادي والعشرين، وكل هذا لأن من قادوها كانت في رؤوسهم أمخاخ، يعني أدمغة، قل عقولاً...ناهيك عن الضمائر.
ماذا ينتظرنا نحن العرب في العام 2005؟ الفراغ، الفراغ الذي يملأه الاحتلال في فلسطين والعراق...
انتظروا: فأنا متفائل رغم تشاؤمي مّما تجره علينا الرؤوس الفارغة.
نحن، وأقولها بالعربية الفصحي ولأني قاريء لتاريخ أمتي، عارف بما مرّت به في غابر الأزمان أراهن علي الرؤوس والصدور الفيّاضة بروح المقاومة!
المقاومة التي تملأ رؤوس من يستشهدون علي ثرانا العربي المقهور في فلسطين والعراق...

شخص مولع بتنظيف الشوارع!
هو زبّال بريطاني، بحسب لهجتنا الشعبية ـ الرحمة لروح صديقي ممدوح عدوان صاحب مسرحية الزبّال المونودراما التي تألّق في تجسيدها صديقي الفنّان المسرحي الكبير زيناتي قدسية ـ مخلص لعمله كزبّال، قل: هو مولع بعمله، موسوس بالنظافة!
علي فكرة هناك كثيرون مولعون مثل هذا العامل البريطاني، يهجسون بالتغيير، بتحدي الخراب، بفضح الفساد، عناترة يعني!. وعناترة جمع عنترة نسبة إلي جدنا عنترة العبسي، الشاعر الفارس الذي تقاس به الرجولة، والذي صار عند المتقاعسين سبّة وهزأة، فكلّما سمعوا شخصاً يتحدث عن المقاومة والتحرير، أو يرفع شعاراً، نعتوه بالعنترية، وسخروا من الشعارات واصفينها بالعنتريات!
طبيعي ففي زمن الخصيان تصبح الشجاعة معرّة، وفي زمن الخيانة تهجا الوطنية، وفي زمن العمالة ترمي طهارة الانتماء بالهبل والإيديولوجية.
نعود إلي الزبّال البريطاني، فهو بحسب ما قرأت عنه، يعمل منذ الساعة الثامنة صباحا وحتي الساعة الثانية عشرة ليلاً، يعني العين الساهرة علي نظافة الجزيرة البريطانية.
إنه لا يطلب مقابل ساعات عمله الإضافية، ولا شكراً من أحد، كل ما يتمتع به هو رؤية الأمكنة نظيفة!
وصف ذلك العامل ـ لا تحسبوه عجوزاً مخرخشاً ـ الشاب الذي بالكاد يبلغ الخامسة والعشرين، بأنه يعشق عمله، مولع به، تماماً كبعض الصحافيين في بلادنا الذين لا يرون صفحة بيضاء إلاً ووسخوها بكتاباتهم التي توفّر لهم حياة مرحرحة من قبل أصحاب الرؤوس الفارغة التي نبتلي بها في زمننا العربي غير السعيد...
زبّال! لبريطانيا العظمي أن تفخر به، أن تهبه جائزة نوبل للنظافة، ولنا نحن أن نواصل كعبلة كثير من الصحف العربية ووضعها في أكياس زبالة سوداء تدفن عميقاً لأنها خطيرة الضرر كأسلحة الأمريكية المشبعة باليورانيوم المنضّب...

قطع رأس!
يقول المثل العربي: قطع الأعناق ولاقطع الأرزاق.
في بلادنا يختلف الأمر، فهناك من يقطعون الرؤوس والأرزاق معاً.
شاب سعودي ـ هو مجرم ولا دفاع عنه قط ـ قتل أمّه، كان مدمناً علي المخدرات، أعدم في السعودية، لا اعتراض علي هذا، ولكن الخبر كما قرأته يقول: بقطع الرأس، ليكون عبرة لمن يعتبر!
منشان الله، كفّوا عن قطع الرؤوس، سواء في العراق، أو في السعودية، فقد تبهدلت سمعتنا في العالم، وأنا لم أقرأ في القرآن الكريم عن عقاب بقطع الرأس!
هذه الإعدامات وطّأت رؤوسنا أمام العالم!
أما تكفينا الرؤوس الفارغة التي تتحكّم بحياتنا والتي جعلتنا في عام الديك والأسد الصيني دجاجاً لا يبيض!
الحمد لله أن ديوكنا الشهمة تنقر عيون الاحتلال في العراق وفلسطين بما تملك من مناقير هي من بقايا زمن الديوك العربية، ديوكنا التي تصيح رغم اشتداد الظلام مبشّرة باقتراب الفجر...