بدأت في الآونة الأخيرة ظهور مجموعة من الأفلام السينمائية الصغيرة قليلة التكلفة.. حيث توضع لها ميزانيات محدودة.. ويشارك فيها مجموعة من الفنانين والفنيين أصحاب الأجور المنخفضة بل والوجوه الجديدة!
المشكلة أن مدة تصوير هذه الأفلام تقل بمعدل 50% من فترة تصوير الأفلام الكبيرة.. مما يعني بلغة السوق انها "أفلام مسلوقة". ويتم انجازها بسرعة حتي تتاح لها فرصة البيع للمحطات الفضائية وعلي شرائط الفيديو واسطوانات السيديهات. بما يدخلها تحت بند التجارة المحضة!
هل هي عودة لأفلام "المقاولات" التي ودعتها السينما المصرية منذ فترة طويلة.. أم انها عادت بشكل مختلف لتلبية احتياجات القنوات السينمائية الجديدة التي بدأت تنتشر في الفضائيات. مع العلم أن بعض هذه الأفلام لا تجد ترحيباً من أصحاب دور العرض.. ومع ذلك فقد عرض منها الكثير!..
فماذا يقول صناعها.. وكذلك معارضوها؟!
* يقول المخرج محمد النجار:
بالفعل لوحظ مؤخراً عودة بعض الأفلام قليلة الميزانيات. وهي شبيهة بأفلام المقاولات التي انتشرت في فترة الثمانينيات وسيطرت علي الساحة السينمائية. وأدت إلي توقف تام لعجلة الانتاج في اوائل التسعينيات. إلي أن عادت مع موجة الأفلام الكوميدية التي حركت المياه الراكدة في الوسط!
ولكن حتي الآن الأمور مستقرة. لأن هذه الأفلام الصغيرة لا تجد دور العرض التي توافق علي تقديمها. وبالتالي تتحول إلي الفضائيات مباشرة. ولكن المشكلة ستظهر أكثر إذا زادت اعدادها.. والحل في وجود الشركات الكبيرة والكيانات الضخمة.. بالتأكيد انتاجها المستمر سيوقف هذه الظاهرة ويضربها في مقتل..

* أما الناقد د. وليد سيف فيقول:
السينما كلها في العالم لها مستويات انتاجية مختلفة. فيها عالية التكلفة ومتوسطة وقليلة التكلفة.. والمشكلة أن الأفلام عالية التكلفة قليلة. فماذا يفعل صناع السينما سوي الاتجاه إلي المستويات الأخري!
ولكن المشكلة تظل في عشوائية التفكير عندنا. فمثلاً الفيلم الغنائي الذي من المفترض أنه من الأفلام الكبيرة وذي الميزانية المرتفعة بدليل أفلام عبدالحليم وفريد وطبعاً أم كلثوم وغيرها بسبب تسجيلات الاغنيات والاستعراضات والملابس وغيرها.. تجده الآن هو صاحب التكاليف القليلة. وأصبح من السهل أن تحضر مطرباً وبميزانية قليلة تصنع له فيلماً.. وهكذا!
ولكن الصورة ليست قاتمة إلي هذا الحد.. والسبب هو ثورة الديجيتال القادمة. والتي ستجعل الميزانيات قليلة بالفعل بالنسبة للتكلفة سواء أردنا أم لم نرد.. والدليل أن مهرجان "كان" السينمائي الشهير قد اعترف مؤخراً بأفلام الديجيتال.. ومن المنطق وقتها أن نقول ما ضرورة عمل فيلم كبير 35 مللي لا تظهر فيه خدع أو أي عمق لبحار أو محيطات أو حتي تصوير خارجي جيد.. ويمكن أن تفعل ماتفعله في الديجيتال.. وحتي لو غالي الفنانون في أجورهم.. ستجئ بالجدد وتصنع منهم أفلاماً.. هنا كيف سنهاجم أفلاماً قليلة التكلفة.. وتبقي المشكلة في الموضوعات وهذه قضية أخري!

عرض وطلب

* أما المخرج اسماعيل حسن فيقول:
بداية أرفض مقولة الأفلام "المسلوقة" أو "المقاولات" علي الأفلام قليلة التكلفة الانتاجية.. لأنها تحقق النجاح بين الجمهور. وبالتالي فهي مطلوبة.. وأذكر انني قدمت في السابق فيلماً بعنوان "الشاويش حسن" بطولة يونس شلبي. ووقتها عرض فيلم "أرض الخوف" لأحمد زكي.. ورغم أن فيلمي قليل التكلفة الانتاجية لكنني فوجئت بمديري دور العرض في الاسكندرية يبحثون عني لأنهم يريدون زيادة الحفلات ويطلبون طبع نسخ إضافية للجمهور الذي أقبل علي الفيلم وتزاحم في كل الحفلات وذهبت إلي هناك. وسألوني عن سبب هذا الاقبال المتزايد. خاصة وأن فيلم أحمد زكي وقتها لم يحقق الاقبال الجماهيري. فكانت اجابتي.. انني قدمت ما أحبه الناس ويريدونه.. لا مافي مخي وحده.. أي المصداقية في التعامل مع جمهور السينما الغفير.. وهي في رأيي الأساس في العمل السينمائي سواء زادت ميزانية الانتاج أو انخفضت!. ثم أن الأفلام قليلة التكاليف تقدم الفرص لكل العناصر سواء في التصوير أو الديكور أو التمثيل. وحتي التأليف والاخراج.. لأن الفرصة تأتي بصعوبة. والأفلام الكبيرة عددها قليل جداً. ويجب افساح الفرص أمام الانتاج الصغير والمسألة عرض وطلب..
* ويقول المنتج رمضان عامر :
وما المشكلة في وجود هذه الأفلام بجانب الأفلام الكبيرة.. المهم العجلة تدور. والعاملون في صناعة السينما يعملون وإلا تصبح كارثة.. لأن الذين يتحدثون في هذا الموضوع لا يعلمون أن بيوت كثير من العاملين في الصناعة كادت تغلق بسبب الركود الذي أصابها..
أما حكاية الأفلام "المسلوقة" فهي ليست مسئولية المنتج وحده. فهو يعطي الفرصة لمخرج جديد. ويوفر له الامكانيات.. وهناك مخرج موهوب يهتم.. وآخر ليس موهوباً.. من هنا يأتي التفاوت في مستوي هذه الأفلام!.
* ويقول الناقد والإعلامي يوسف شريف رزق الله :
يتوقف تقييمنا لهذه الأفلام علي الجهة المنتجة لها. وكذلك المخرجين العاملين فيها.. فليس من المعقول أن نتهم تجربة قليلة التكلفة مثل التي قدمها محمد خان بالديجيتال في "كليفتي" بأنها مسلوقة أو مقاولات.. المهم إذن هو المخرج واختياره للموضوع الجيد أو الحالة التي يريد أن يقدمها!
وفي رأيي أن القنوات الفضائية لو اتجهت لانتاج هذه النوعية من الأفلام لطردت النوعيات المسلوقة التي نتحدث عنها. ولاختفت تدريجياً أفلام المقاولات.. لأن النوعية ستختلف حتي ولو نفذها مخرجون جدد بفنانين وفنيين من الوجوه الجديدة.. المهم اختيار الموضوعات التي ستقدم.. ليس عيباً أن تكون هناك أفلام قليلة التكلفة وتقدم للسينما وللحقل الفني عموماً مواهب جديدة ومتنوعة ومختلفة أي في كل التخصصات وكافة الاتجاهات.. علي الأقل ستجد من موجة الأفلام الكوميدية المنتشرة وسنجد موضوعات أخري كثيرة تستحق المعالجة.. وتضمن عدم الخسارة الكبيرة التي يتعرض لها البعض المهم ألا يقفز عليها هي الأخري بعض المنتجين المنفذين الذين يضربون ميزانيتها. ويقدمون أفلاماً هابطة!