يبدأ عام‏2005‏ بحدث كارثي ليس سببه صراعات البشر فيما بينهم‏,‏ ولكن ردود أفعال الطبيعة علي تمادي البشر في الاساءة إلي الطبيعة‏,‏ وتحدي قوانينها فتمردت عليهم‏!‏
لقد شهدت البشرية أسوأ زلزال منذ أكثر من قرن‏..‏ أي أن كل الأحياء علي سطح كوكبنا اليوم لم يشهدوا مايماثله من أثر فتاك‏..‏ بل الأسوأ ان ماشهدناه هو بداية الكارثة فقط‏..‏
فهناك بعد الزلزال انتشار الاوبئة بسبب وقوع موتي بمئات الآلاف واستحالة دفنهم جميعا بطريقة مناسبة‏.‏ ثم هناك احتمالات ان يتكرر ما حدث في مواقع أخري من كوكبنا‏,‏ ذلك أن خللا في المكونات الداخلية للقشرة الارضية قد حدث‏..‏ ولاقدرة علي الاطلاق علي التنبؤ بما سوف تكون آثاره‏..‏ هل يتعاظم هذا الخلل علي مر الأيام ويخرج كوكبنا من مساره الطبيعي حول الشمس؟ ثم حتي إذا أفلتنا من السيناريو الأسوأ‏,‏ فماذا عن احتواء آثاره مناخيا وايكولوجيا‏,‏ واقتصاديا واجتماعيا؟
ربما بلغ التناقض بين الانسان والطبيعة حدا غير مسبوق‏..‏ وربما احتاج الأمر إلي اعادة نظر شاملة في النظام الدولي القائم‏,‏ تداركا للأسوأ والأخطر‏..‏ فها هو الرئيس الأمريكي بوش وقد أعلن تشكيل تحالف دولي لاغاثة جنوب شرقي آسيا‏,‏ شمل مع الولايات المتحدة اليابان والهند وأستراليا وكل من يريد الانضمام

فان أبعاد الزلزال دولية‏,‏ وكونية وليست فقط اقليمية‏.‏ ولكن هل بالوسع تعبئة سكان كوكبنا جميعا علي النحو المطلوب‏,‏ وبالسرعة والكفاءة المطلوبتين؟ هل من الممكن احداث حالة استنفار شاملة‏,‏ وإيجاد نوعية مختلفة من العلاقات بين البشر ترتفع إلي مستوي التحدي قبل أن تكون التناقضات بين شرائح المجتمع العالمي المختلفة قد أوصلت الحال إلي وضع يتعذر علاجه؟

‏11‏ سبتمبر إيكولوجي
ربما لم يحدث من قبل أن تعرضت البشرية لكارثة كتلك التي أصابتها الآن‏..‏ فنحن علي مايبدو بصدد‏11‏ سبتمبر ايكولوجي‏..‏ وعلينا ان نتهيأ لمواجهته بكفاءة تفوق تلك التي جرت بها معالجة أحداث‏11‏ سبتمبر الموجهة ضد برجي مركز التجارة الدولية في نيويورك‏,‏ ووزارة الدفاع الأمريكية في واشنطن‏.‏
لقد أصبحت الايكولوجيا‏,‏ وتعريض كوكبنا لظاهرة الدفيئة وتجاوز الاضطرابات المناخية للحد المحتمل‏,‏ آفات لم تعد لنا القدرة علي تحاشيها؟وهكذا أصبحنا بصدد واقع جديد‏..‏ لم تعد نهاية كوكبنا مسألة مرجأة إلي أجل غير مسمي‏,‏ بل هي مسألة واردة أن تحدث في أي وقت‏,‏ بما في ذلك في أيام جيلنا‏!‏ لقد انطلقت حضارة الانسان بأمل أن تتحقق له الرفاهية والازدهار فوق سطح الكرة الارضية‏,‏ ثم ينتهي الامر بالنقيض‏,‏ وتعريض الارض لنهاية وجودها كوعاء صالح للحياة أصلا‏.‏

*صراع يفوق كل صراع آخر
لقد أصبحت صراعات البشر مع البشر خطرا أهون من مواجهات البشر مع الطبيعة‏..‏ لايفضي صدام البشر مع البشر بالضرورة إلي القضاء علي الجنس البشري كلية‏,‏ بينما هذا من الممكن ان يكون شأن مواجهات البشر مع الطبيعة‏..‏ أصبحت ردود أفعال الطبيعة نتيجة اساءة البشرية اليها عنصرا اكثر أهمية في تقرير مقدرات البشرية بل في ضمان وجود لمستقبل الجنس البشري ذاته‏!‏
حتي مؤخرا تمثل خطر الطبيعة في صورة ظواهر تؤثر في الأمد الطويل في ظاهرة كالدفيئة مثلا والمعني بها تدفئة الغلاف الجوي نتيجة ظهور ثقوب في طبقة الأوزون توثر في حياة البشر علي مدي عقود وحتي ربما مئات السنوات غير ان هذا ليس حال الزلازل العنيفة التي أصبح من الممكن ان تحدث في أي وقت‏,‏ وتكون لها آثار مباشرة في ساعات معدودة كما شاهدنا منذ أيام‏.‏
لن يعود العالم إلي ماكان عليه من قبل زلزال الاسبوع الماضي‏..‏ ثبت ان نهاية البشرية قد لاتكون في مستقبل لانهائي‏,‏ بعيد‏,‏ يقاس ببلايين السنوات بل كواقع مباشر وارد حدوثه في أي وقت‏..‏ لقد أصبح من الواجب أن نعيش مع هذا الاحتمال وأن يشغلنا هذا الهاجس باستمرار‏..‏ لم تعد النهاية بالنسبة للفرد هي مجرد وفاته كفرد‏,‏ بل زواله كجزء من البشرية‏,‏ أي نتيجة زوال البشرية ككل‏!‏

*السيطرة والانفلات
ليس تقدم العلم والتكنولوجيا هو مجرد أن نزداد علما‏,‏ وقدرة علي أن نهيمن علي الواقع المحيط‏,‏ وإنما ايضا ان نتعرض لاحتمال زيادة العالم انفلاتا‏,‏ ولدخول عوامل في المعادلة كان من المستحيل ان تكون عناصر اساءة من قبل‏,‏ لانه كان من المستحيل الوصول إليها‏,‏ والتعاطي معها‏..‏ لم يكن من الممكن النيل من الأوزون في الطبقات العليا من الغلاف الجوي‏,‏ مثلا‏,‏ لاستحالة الوصول إلي هذه الطبقات والتأثير فيها‏..‏ وكان من المستحيل اطلاق ظاهرة الدفيئة لاستحالة إحداث تقدم صناعي يفرز مواد كيماوية شأنها تدفئة الجو‏,‏ وإذابة الثلوج لدي القطبين الشمالي والجنوبي‏,‏ ورفع معدلات البحار والمحيطات في مختلف أرجاء كوكبنا‏,‏ وتغييرجغرافية العالم وتآكل الشواطيء وتعريض جوف الارض لارتباكات شتي‏..‏ وهكذا كلما اعتقدنا أننا زدنا سيطرة علي العالم المحيط‏,‏ زدنا في نفس الوقت تعرضا لعوامل باتت تفلت من سيطرتنا‏..‏ وكان بناء الحضارة البشرية عنصرا معجلا لتعريضها لاخطر المخاطر‏.‏
إن كثيرين سوف يرون فيما حدث رموزا لأحداث تمهد ليوم القيامة‏..‏ هل من الممكن ان يؤثر ذلك في سلوكيات البشر علي سطح الأرض؟ هل من الممكن ادخال عنصر عقلانية في سلوك البشر وفي صور الصراع التي يباشرونها مع غيرهم من البشر؟ هل بوسعنا ان نخلق ظروفا تضمن ألا تكون للمواجهة بين البشرية والطبيعة الاسبقية علي صراعات البشر مع البشر‏,‏ ذلك من منطلق أن هذه المواجهات انما تفضي في النهاية إلي خسارة لكل الاطراف المعنية‏,‏ بينما مايطمع فيه البشر هو ان تنتهي هذه الصراعات إلي ما هو مكسب لكل الاطراف المعنية‏..‏ بعبارة أخري‏,‏ ان يكون الصراع مدخلا لتحقيق المصالح المشروعة لكل الفرقاء كضمان ضد انفلات الموقف‏,‏ ولتجنب ان تكون ردود الافعال للتكنولوجيا العصرية سببا في بلوغ الصراع حد الاساءة إلي الجميع‏,‏ وتعريض الجميع إلي التهلكة في النهاية‏.‏
ولكن حتي تكون الصراعات بين البشر أقل حدة‏,‏ وأقل تقريرا لمصير البشرية من مواجهة البشرية مع الطبيعة‏,‏ وتحكم هذه الأخيرة في مصير البشر علي نحو يعرضه للفناء‏,‏ فلا مفر من الديمقراطية وأعني بالديموقراطية الآلية التي تكفل ان تكون الممارسة السياسية كسبا لكل الفرقاء‏,‏ لا الادعاء بأنها كسب للكل‏,‏ بينما هي في الحقيقة خسارة للكل‏..‏ نتيجة تزييف الممارسة الديمقراطية وانتهاك مبادئها‏,‏ سواء قصدنا بذلك الجانب الاجرائي أو الموضوعي‏..‏ هل يعقل أن منطقة باتساع المحيط الهندي تخلو من محطات انذار مبكر‏,‏ فيروح ضحية هذا الإهمال اكثر من مائة الف نسمة؟ هل يعقل ان تعمل محطات انذار بقرب الموقع الذي يحدث فيه زلزال مهول‏,‏ ويتعطل الابلاغ لاكثر من ساعتين؟

*لا مفر من الديمقراطية
الديمقراطية الفعالة لاتحتمل التزييف‏..‏ والديمقراطية الفعالة هي التي لا تفرز نتائج عكسية‏..‏ وبدلا من تخفيف حدة الصراعات في المجتمع‏,‏ تزيدها علي العكس حدة‏..‏ ان زيادة حدة الصراعات بين البشر تفضي في النهاية‏,‏ إلي زيادة حدة المواجهة بين البشر والطبيعة‏..‏ ان المردود عكسي علي طول الخط‏..‏ وهذه آليات لا مهرب منها‏..‏ إذ بلغت التكنولوجيا حدا من التقدم لم يعد يحتمل انتهاكات للتعاملات بين البشر‏..‏ وسرعان مايتبين ان عواقبها وخيمة‏..‏ ان الديمقراطية صحيحة أو لاتكون‏.‏
لأول مرة تعرضت البشرية لاحتمال جاد أن نري نهايتها‏...‏ كدنا نشهد سيناريو مماثلا مع انهيار النظام العالمي الثنائي القطبية‏,‏ غير ان الحكمة قد تغلبت ولم تندلع حرب عالمية ثالثة‏..‏ ثم تراكمت أحداث من جديد أسهمت في حدوث زلزال قدرت طاقته التدميرية‏,‏ علي أعماق‏40‏ كيلو مترا تحت سطح الارض‏,‏ بمليون قنبلة ذرية‏(‏ ؟‏)‏ قرب جزيرة سومطرة بأندونيسيا‏..‏ وقد يثير هذا الرقم الدهشة‏.‏ ولكن المؤكد أنه كان لابد من طاقة تدميرية هائلة لاطلاق أمواج عبر المحيط الهندي‏,‏ من اندونيسيا إلي الصومال يتجاوز ارتفاعها عشرة أمتار‏..‏ وقد أشارت الصحف إلي مخاوف من تفجر براكين علي مواقع شتي منها الحدود بين نيجيريا والكاميرون‏,‏ بوصفها منطقة براكين كثيرة‏..‏ فلو بلغت هذه الزلازل قوة زلزال سومطرة‏,‏ قد يكون بوسعها النيل من تماسك القارة الافريقية واحداث أهوال منقطعة النظير‏.‏