القاهرة من مروة مجدي: في هذا الحوار الساخن، تتكشف أكثر من مفاجأة، لعل أولها تولي محام مصري الترافع في قضية إسرائيلي الجنسية في القاهرة وسفره إلى تل أبيب أكثر من مرة, والثانية أنه لا يرى في ذلك أي «غضاضة»,,, فهو ـ على حد وصفه ـ «بيزنس»، والثالثة أن أي جهة سواء كانت قضائية أو نقابية لم تأخذ منه موقفا تجاه ذلك.
إنه المحامي أحمد بكر، الذي تولى الدفاع عن الجاسوس المصري الذي يقضى عقوبة السجن المؤبد في «قضية عزام عزام»، المدعو عماد إسماعيل، حيث يؤكد بكر طلبه من أسرة عماد تقديم التماس استرحام من وجهة نظر الظروف الاجتماعية لرئيس الجمهورية للإفراج عنه أسوة بشريكه في القضية عزام الذي اطلق اخيراً.
«الرأي العام» التقت بكر، وكان الحوار التالي:
كيف تنظر إلى الافراج عن الجاسوس عزام؟
ـ كانت مفاجأة كبيرة لي، وكنت أتوقع أن يكون ثمنه أكبر وأغلى من هذا الذي حصل, ففي خلال فترة عملي على القضية لاحظت مدى الاهتمام الشديد من قبل الإسرائيليين بالمدعو عزام، خصوصا عضو الكنيست السابق أسعد الأسعد، الدرزي، واعتقد أن الافراج عن عزام كان «صفقة» بكل معاني الكلمة, والافراج في حالة عزام ليس لقضائه نصف المدة، كما يشاع، لأن من المعروف أن تهم التجسس لا ينطبق عليها الافراج لنصف المدة، وإنما هو بقرار جمهوري، باعتبار حقه في سلطة العفو الشامل أو الناقص، ولذا طالبت أسرة عماد إسماعيل بأن تتقدم لرئيس الجمهورية بالتماس استرحام من وجهة نظر اجتماعية للافراج عن ابنهم عماد أسوة بالافراج عن عزام.
وبماذا تفسر الافراج عن عزام؟
ـ أفسره بتغير الأحداث والظروف والنمط الذي تسير به السياسة الدولية، فاليهود هم المسيطرون على الاقتصاد العالمي، وتساندهم أميركا القوة الوحيدة الكبرى في العالم- ونحن بيننا وبين إسرائيل اتفاقية سلام,,, وللضرورة احكام.
أنت محامي إسماعيل منذ محاكمته في 1996 وحتى الوقت الراهن، ما هي رؤيتك للقضية؟
ـ أنا لم اتعامل مع عماد بصفة شخصية لكي أحكم عليه، لكن من خلال رؤيتي لأسرته استطيع القول إنه من أسرة فقيرة، وهو الوحيد بين هذه الأسرة الذي تلقى تعليما جامعياً، ولذا كانت له طموحات وأحلام كبيرة، فقد ترك قريته «الراهب» التابعة لمحافظة المنوفية، واتجه للعمل في أحد مصانع الملابس الجاهزة في العاشر من رمضان، وعندما توفرت له فرصة الذهاب إلى إسرائيل للتدريب، كون علاقات وصداقات وسعى إلى الزواج من أي فتاة إسرائيلية تقابله.
كما أنه شخص ذكي جداً، فمنذ دخوله السجن درس القانون ونجح بتفوق ويحضر الآن للماجستير في القانون الجنائي.
بعد هذه الفترة التي اقتربت فيها من قضيته، هل ترى أن عماد متهم فعلا بالتجسس أم بريء؟
ـ لا يوجد متهم بريء 100%، وهذا النوع من الجرائم لا ينفع فيه القياس، فالاضرار بالدولة له شواهد ومجموعة أعمال تشير إلى أنه كان متواصلا معهم وبينهم اتصالات ومواعيد ووعود بالزواج، وكل هذا يشير إلى أن تطلعاته كانت أكبر من كفاءته,,, وقدرات الإسرائيليين- بالطبع- كانت أكبر من قدراته، ولذا كان يمكن أن يتطوع من دون ارادته سواء بذكاء أو سذاجة, لكن رغم كل هذه الشواهد فإنه لم يعترف اطلاقا بأنه عمل جاسوسا للموساد الإسرائيلي.
وهل تصدقه في ذلك؟
ـ لا
هل معنى ذلك أنك تؤكد صحة اتهامه بالتجسس؟
ـ أنا ليس مطلوبا مني التأكد من كذب أو صدق كلامه، وأنا كمحام أبحث في أوراق القضية، ولا يوجد في أوراق هذه القضية ما يشير إلى اعتراف «كتابي» من عماد إسماعيل بالتجسس لإسرائيل, أما الجهة التي مطلوب منها أن تؤكد صحة الاتهام، فهي النيابة, صحيح أن كل الشواهد تؤكد استعداد عماد للقيام بهذا العمل، لكن لا يوجد دليل مادي ملموس يؤكد أنه تجسس بالفعل, يجوز أنه كان في مرحلة تجهيز، وربما كان الإسرائيليون تأكدوا من عدم صلاحيته للقيام بهذا العمل، فصرفوا النظر عنه.
لكن نيابة أمن الدولة العليا التي حققت في القضية كشفت عن اعتراف كتبه إسماعيل بخط يده بأنه تعامل مع الموساد؟
ـ كانت هذه النقطة تحديدا هي خط دفاعي الرئيسي عن عماد، حيث قلت، إنه أملي عليه الاعتراف بذلك تحت ضغوط, ورغم ذلك، فإن ما كتبه عماد هو فقط الاعتراف بذهابه إلى إسرائيل والأردن وعلاقته بالمدعوة زهرة يوسف جريس ولم يعترف إطلاقا بقيامه بالتجسس للموساد.
ماذا تقصد بالضغوط التي مورست عليه؟ من أي طرف جاءت هذه الضغوط؟
ـ أقصد بالضغوط هي تطلعاته وطموحاته، حيث كان الإسرائيليون يصورون له أنه سيصبح ملكا في إسرائيل، وسيكون ثريا، وقد حققوا له - خلال فترة اقامته في إسرائيل- كل ما يتمنى خصوصا النساء, وبالتالي أصبح فريسة سهلة لهم.
إذن أنت ترى أنه كان لديه الاستعداد للعمل جاسوسا معهم,,, فلماذا طالبت باخلاء سبيله عند نظر القضية؟
ـ طالبت بإخلاء سبيله على اعتبار أنه «المبلغ»، فهو الذي ذهب بنفسه إلى المخابرات العسكرية في الإسكندرية، وكتب ورقة يعترف فيها بسفره إلى إسرائيل وعلاقته بزهرة جريس، لكن النيابة قالت إن جهاز الأمن القومي كان يتابعه منذ فترة وهو ارتكب أشياء لم يبلغ عنها, وبالتالي تمت إدانته, وأنا كمحام أتعامل مع أوراق ومن خلال هذه الأوراق أؤكد أن عماد لم يعترف بعمله جاسوسا في الورقة التي كتبها، والإدانة ليست فيها استنتاجات أو فرضيات، كما أن المعلومات التي عند المخابرات ليست في أوراق القضية.
وما هي الأدلة التي استندت إليها النيابة في إدانة إسماعيل؟
ـ استندت إلى صور شخصية للاشخاص الذين قابلهم عماد وخصوصا ضابط الموساد الذي التقاه في الأردن وكان عماد تعرف إليه باسم مستعار.
كيف استدرج الموساد عماد إلى هذه الحالة؟
ـ كان عماد يعمل في شركة «ايفرون» الأميركية التي لها فرع في العاشر من رمضان في مصر، وفرع آخر في إسرائيل وهي شركة متخصصة في انتاج الملابس الداخلية الحريمي، وكان يتم تبادل العمالة للتدريب في البلدين، وبالتالي سافر إلى إسرائيل أربعة أفواج من العمالة وكان عماد في الفوج الثالث وعندما ذهب إلى إسرائيل تخلف عن العودة مع الفوج وعاد مع الفوج الرابع,, وبهذا مكث عماد في إسرائيل 5 أسابيع وكانت كافية ليتعرف على زهرة جريس ويتفق معها على الزواج.
وفي إحدى مرات لقائه مع زهرة مارس معها الجنس في سيارتها وكانت تقف وراءهما سيارة أخرى تصورهما وتسجل حوارهما, وقد سألته عن العاشر من رمضان، والمصانع الموجودة فيها والكميات التي تنتجها وسألته عن دخله ودخول الموظفين في مصر، وعن الحراسة التي توضع على هذه المصانع، وهل هم من الشرطة أم الجيش وغيرها من الأمور, وانتهى هذا اللقاء الساخن في السيارة بطرقات من أحد رجال الأمن الإسرائيليين على شباك السيارة وكان الغرض من ذلك أن يعلمه الإسرائيليون أنهم يتابعونه.
وعندما عاد إلى مصر ظلت زهرة على اتصال به وأبلغته في إحدى المرات بأنها ستحضر إلى مصر هي وصديقة لها, وبالفعل قضت 4 أيام في القاهرة التقيتا خلالها مع عماد وعرفتاه على عزام عزام, وبعد ما فسخ عماد عقده مع شركته في العاشر من رمضان دعته زهرة للقاء في الأردن للزواج هناك وحينما تقابلا في عمان تحججت زهرة بأنها خرجت من إسرائيل من دون أن توثق الأوراق المطلوبة فتركته في عمان وعادت إلى إسرائيل ثم رجعت إليه وبصحبتها شخص أدعت أنه صاحب المصنع الذي سيعمل فيه عماد- وقد اتضح بعد ذلك أنه ضابط الموساد- ثم اتفقوا على أن يعود عماد إلى مصر للحصول على تأشيرة للسفر إلى المجر, وعندما حاول عماد استخراج التأشيرة من مصر لاحظ المسؤولون عن ذلك أنه سافر من قبل إلى إسرائيل، فطلبوا منه أن يذهب إلى الأمن القومي، وهناك قالوا له إن الأمر لا يخصهم, فذهب إلى المخابرات الحربية في الإسكندرية، وقابله أحد الضباط هناك، وبعد ما حكى له عماد ما حدث معه في شأن طلب التأشيرة، قال له الضابط: اترك جواز سفرك ولتحضر إلينا غداً.
ويتضح من ذلك أن عماد لم يقبض عليه في هذا اليوم، وعندما ذهب إلى مكتب المخابرات في اليوم التالي طلب منه الضابط أن يكتب كل ما حدث له من لحظة وصوله إلى إسرائيل وحتى هذا التوقيت، وبالفعل نفذ عماد ما طلب منه، وبعد ساعات من كتابة الأوراق فوجئ عماد بإلقاء القبض عليه وإرساله من الإسكندرية إلى نيابة أمن الدولة في مصر الجديدة, وقد تم إلقاء القبض على عزام عزام بعد القبض على عماد بنحو 15 يوما.
وكيف تم القبض على عزام؟
ـ عندما أورد عماد اسمه في التحقيقات، والتي قال فيها إنه تعرف على عزام في إسرائيل وهناك أعطاه مجموعة من الملابس الداخلية الحريمي, وبتحليل هذه الملابس تبين أن بها حبرا سريا لكنه لم يستعمل، والملاحظ أن الجهة التي قامت بالتحليل هي الأمن القومي وليس المعمل الجنائي أو الطب الشرعي، وقلنا طبعا أن هذا خطأ لأنه لا يصح أن يكون الخصم هو الحكم في الوقت نفسه وكان من المفترض أن تحلل هذه الملابس في مكان محايد.
هل أنت راضٍ عن الحكم الذي صدر في حق إسماعيل؟
ـ الحكم في اجراءاته كان عادلا، وكل إجراءات المحاكمة تمت طبقاً للقواعد القانونية, ولاشك أن أي شخص يضر بالأمن القومي للدولة لا بد وأن يحكم عليه بالإعدام، لكن عماد وعزام لم يأخذا حكما بالإعدام لأن مصر ليست في حالة حرب مع إسرائيل, وأؤكد أن ليس من مصلحة أي جهة في مصر أن تلفق التهم لأحد الاشخاص سواء كان مصريا أو غير مصري, لكن الغريب في الأمر أن المحامي المصري المعروف فريد الديب والذي تولى مهمة الدفاع عن عزام عزام، قال في أحد حواراته مع الإعلام أثناء نظر المحاكمة» ان عماد يستحق الذبح لأنه باع نفسه للإسرائيليين مقابل مبلغ «خايب مثله», وقد رددت عليه في إحدى جلسات المحاكمة قائلاً «أنت أستاذي لكن ليس معنى ذلك أن أقبل بأن تلقي التهم جزافا على عماد بخاصة أننا في قارب واحد.
معنى ذلك أنه لم يكن بينك وبين الديب أي تنسيق في هذه القضية؟
ـ نعم، لأن الموقفين متعارضان، ففي حالة عماد فإن مصر تحاكم ابنها، أما عزام فهو جاسوس ويعمل مع المخابرات الإسرائيلية، وقد تأكدت من ذلك من مطالبتهم المستمرة له، واللقاء الاحتفالي الذي استقبله به (ارييل) شارون في إسرائيل.
هل كانت هناك أي حساسيات من البعض تجاه قبولك الدفاع عن جاسوس؟
ـ بالطبع كانت هناك حساسيات,,, لكن أنا لا أقبل إلا القضايا غير العادية والتي يكون لها وزن قانوني, وبالتالي لم أجد أي مشكلة في قبول قضية عماد، رغم أنني لم أتقاض مليما واحدا من عماد لأنني أعلم ظروفه، وأحوال أسرته,, وبالمناسبة كان قد عرض عليّ أن أتولى قضية عزام ولكني رفضت.
لماذا؟ ومن هي الجهة التي عرضت عليك الترافع عن عزام؟
ـ الأمر مع عزام كان مختلفا من وجهة نظري، لأنه جاسوس، ومن الصعب أن أدافع عن إسرائيلي متورط في الإضرار بالأمن القومي لبلادي وقد عرض عليّ ذلك وأنا في إسرائيل.
هل سافرت من قبل إلى إسرائيل؟
ـ نعم سافرت إليها 3 مرات، حيث كنت أترافع عن إسرائيليين تورطوا في قضايا عادية في مصر.
ألم تعتبر ذلك نوعا من التطبيع؟
ـ لا,,, هو عمل و«بيزنس» وليس له علاقة بأي شيء آخر, فبدلاً من أن أحصل من مصري على ألف جنيه في قضية، آخذ 1000 دولار من الإسرائيلي، وحيث إنه توجد علاقات بين مصر وإسرائيل فإن القانون لا يمنعني من التعامل معهم, وبالتالي فإن الأمر ليس تطبيعا.
وهل سبب لك ذلك أي مشاكل نقابية في مصر؟
ـ إطلاقا, لم تأخذ أي جهة سواء كانت قضائية أو نقابية أي موقف ضدي للترافع في قضايا إسرائيليين، لأنني حريص على ألا أمس أمن بلادي القومي,.
نعود إلى قضية عماد، هل تتوقع أن يتم الافراج عنه أسوة بعزام؟
ـ نعم أتوقع ذلك، لأن عماد تعلم الدرس جيداً
متى؟
ـ عندما يكمل عماد نصف المدة، فهو محكوم عليه بالسجن 25 سنة والسنة في السجن تحسب بـ 9 أشهر, وبالتالي أتوقع أن يكون الافراج عنه قريبا.