بيروت من سناء الجاك: لم يكن أحد يتوقع النجومية الهائلة التي وصل اليها عدد من الوجوه الاعلامية الشهيرة في لبنان خاصة والعالم العربي عامة ، هذه الوجوه ليست لفنانين أو مطربين أو حتى صحافيين ومذيعين، وإن كان ما يجمعها هو أنها في الغالب وجوه أنثوية، فالأمر اللافت أنها جميعاً تخص ما يعرف بالـ«فلكيات»، إن صح التعبير، أو خبيرات الأبراج وقراءة الطالع. البداية كانت في الثمانينات، عندما كان الناس يتابعون برنامجاً إذاعياً على إذاعة «صوت لبنان» كل صباح يعرف باسم «حظك اليوم»، وكانت تقدمه مذيعة كانت في بدايتها للتو واسمها ماغي فرح، انطلقت بعد ذلك لتصبح من الاعلاميات الشهيرات في لبنان لفترة ولعدد من الأسباب، ربما كان أحدها هو «حظك اليوم»، وبعد أن ارتدت ماغي ثياب المحاورة على عدد من الشاشات ، خلعتها بعد ذلك بفترة لتعود إلى عشقها الأول ـ الأبراج. ماغي تنشر كل سنة كتاباً عن توقعات الأبراج ، وتلاقي مؤلفاتها اقبالاً كبيراً على الصعيدين الاجتماعي والتجاري. إلا أن ماغي ليست وحدها في الساحة، فهناك أيضاً مقدمة فقرة الأبراج الشهيرة على تلفزيون المستقبل اللبناني، كارمن شماس. اضافة الى جومانا قبيسي التي تقدم فقرة مماثلة على شاشة NBN ووفاء الزين على شاشة NTV وجاكلين شلهوب على الشاشة ذاتها والمتخصصة في تفسير الاحلام. وهي تطل ايضاً عبر اثير صوت الموسيقى. اما زينة قباني فهي تطل في برنامج اسبوعي على اذاعة صوت لبنان وعلى شاشة «هي» مع زينة شهاب.
وفيما يختلف البعض على تسمية مقدمات هذه الفقرات، بين عالمات فلك او خبيرات روحانيات او قارئات ابراج او اختصاصيات في تفسير الاحلام وقراءة الفنجان او الكف ، إلا أن المهم هو أن مقدمات هذه الفقرات الصباحية تحولن الى نجمات ، واحتلت كل واحدة منهن مكانة خاصة بها على احدى الشاشات. ولهن جمهور عريض لبناني وعربي يترقب اطلالتهن، ليسأل عن حظه كل شروق شمس ويعرف طالعه ويحدد الخطوات اللازمة لانجاز مشروع او تأجيله بانتظار هدوء ثورة الكواكب المشاكسة.
والأهم ان «نجمات الابراج» لا تجمعهن زمالة المهنة. كل واحدة منهن تعتبر نفسها مميزة وصاحبة علم او اختصاص تلم بأسراره دون غيرها، او تصر على انها تمتلك موهبة روحانية ومكشوف عنها الحجاب ، لذا لا تقبل عالمة الفلك مقارنتها مع خبيرة التنجيم، والعكس بالعكس. قد يبدو الامر مفاجئاً لمن لم يتعود سبر غمار عالم «النجمات الفلكيات» لكن وتيرة الاستغراب ترتفع عندما يطلب رقم احداهن، لترد مديرة اعمالها وتسأل الطالب عن طريقة حصوله على رقمها وتخضعه الى تحقيق لأن «الدكتورة» لا تحادث اي كان وترفض الحوار ما لم تكن الاسئلة مكتوبة ومرسلة سلفاً وإلا لا حوار.
من جهتها تتحدث نجمة «المستقبل»، كارمن قديح شماس، بكل عفوية وتعتبر نفسها مميزة ، ليست افضل من غيرها، لكنها تسعى للمحافظة على تميزها. وتوضح انها ايضاً قد ترفض ان توضع في خانة واحدة مع غيرها. وتنكر كارمن انها موهوبة في قراءة الابراج، وتقول ان «قراءة الابراج مهنة مثل غيرها، تحتاج الى دراسة واختصاص، ليست موهبة او حدس واذا لم املك مراجعي امامي لا استطيع ان افعل شيئاً».
وانتقدت شماس، التي درست عملها في كولومبيا، ممارسة المهنة في لبنان «حيث لا احد يدرسها ولا تعطى قيمتها او ثقلها، ولا يجيد من يمارسها قراءة التحليلات والتوقعات ، فيأتي عمله ناقصاً ويدفع الناس الى طرح علامات استفهام حول مصداقية من يقرأ الابراج». وعن تحولها الى نجمة تلفزيونية قالت شماس «ان الصدفة لعبت دورها مرة جديدة ، لتتحقق هذه الصدفة في تلفزيون المستقبل». ويصف مصدر في «المستقبل» إن عدد الاتصالات الذي يأتي يومياً لكارمن «هائل». ويضيف إن المتصلين يتابعون فقرتها أينما كانوا سواء محلياً أو في الخليج ، أو المغرب العربي ، أو حتى الولايات المتحدة حيث ينتظر المشاهد حتى قبيل الفجر، بحسب فارق التوقيت، ليسأل عن استمراره في علاقته مع خطيبته مثلاً. أما كتاب كارمن عن توقعات الأبراج لسنة 2005 ، فقد احتل المرتبة الاولى في الكتب العلمية الاكثر مبيعاً خلال «معرض بيروت العربي والدولي للكتاب» للعام الحالي ، والعدد الى ازدياد خارج اطار المعرض وقد بيع من نسخه العام الماضي 25 الفا».
وترى شماس «ان اقبال الفضائيات على تخصيص فقرات طويلة لتوقعات السنة الجديدة في الايام الاخيرة من كل عام يرتبط بدواعي التسويق واستغلال المناسبة الاجتماعية ، اضافة الى ان الانسان يفضل طي صفحة الماضي ويتطلع الى الآتي برجاء ان يحقق احلامه ويصل الى النجاح».
ويوضح مسؤول في احدى المحطات التي تكتفي مع اقتراب العام الجديد باستضافة من يقدم التوقعات ، «الناس مهما نفوا او تظاهروا باللامبالاة يميلون الى حب معرفة المستقبل. فهذا شعور غريزي ، ولا سبب لعدم ارضاء المشاهدين ، فالمسألة لا تتعلق بمبادئ وممنوعات ويمكن اعتبار مثل هذه الاطلالة السنوية تسلية لمن يريد، او هي نوع من التوقعات التي لا تؤذي احداً وتعود على المحطة بالربح».
لكن اختصاصية علم النفس سهير قشاقش اعتبرت ان الامر يتعلق بالاحباط الذي يعاني منه المواطن سواء في لبنان او في غيره من الدول العربية ، فالمعروف ان الاقبال على الماورائيات وعلم الغيب يرتبط بالازمات الاقتصادية والاجتماعية ، وذلك على الرغم من الاقبال على المنجمين والعرافين لا يقتصر على الدول العربية ، حيث تنتشر هذه الظاهرة في أوروبا وأميركا. وفيما يعتبرها البعض مجرد تسلية فإن نسبة كبيرة من متتبعي هذه البرامج تعتمد عليها. وفي النهاية فالفلكيات هن مصدر ربح سواء من خلال بيع الكتب بالنسبة لناشريها، أو الاتصالات التي ترد لوسائل الاعلام المرئي والمسموع، التي تتبنى كل منها إحدى الفلكيات، ومع ازدياد الطلب عليهن لا يسعنا سوى توقع زيادة عددهن