سهرة نسوان ـ قلن لي ـ حين دعونني الي سهرة ليلة رأس السنة. إذ لا يبدو قط أن زميلاتي في العمل راضيات عن الرجال، ويحسبونهم خلف الزلازل الضاربة في الارض والبحر، ويبدو خصوصاً، أنهن غير مرتبطات عاطفياً. مع ذلك يتزوجن دائماً. فلا تمر سنة إلا ونحتفل بزواج احدهن. هكذا، تتزوج الواحدة إثر الاخري دون حكاية ولو صغيرة، حتي ليبدو الحب آخر ما يشغلهن. سهرة نسوان فحسب، شددت نهي علي الأمر، وممنوع بتاتاً ـ أضافت ـ اصطحاب الرجال.
من جهتي، قبلت بسرعة. فسيان عندي حضور الرجال أو عدمه، فلا تعني شيئاً سهرة معهم او بدونهم، فأنا وبشكل عام، تتصلب معدتي وأشعر بالغثيان حين ادعي الي السهر، كما يداهمني وجع رأس حاد، أقلق واروح أعد الدقائق ريثما تخلص السهرة وأعود الي البيت.
سهرة نســوان حســـناً، لعلها أقـــل وطــــأة من سواها، خفيفة وظريفـــة ومخـــتلفة علي ما يخيلُ لي. وأجل اوافيكن ـ قلت لهن ـ الي بيــــت غابي في التاسعة لـــيلاً. أعدت تشـــكيل الفكرة، بعد ان ذهبن. لســـت أدري، ربما ينبغي ان نغـــير قليلاً في هيكلية ومضــمون ســهرة رأس الســـنة المعتادة. قليـــلات هن اللواتي يتجرأن علي خلخــــلة نظام هذه اللــــيلة الفاصلة، بمثل هذه العاطفة المراوغة. ربما كان قرارهن عائدا علي ما قلن، الي مسؤولية الرجال في صنع الحروب، وأرجح أنهن خائبات فحسب، ووحدها الليالي الطافحة خيبة كهذه، تؤكدهن، وتعري قلوبهن.
جئن فرادي وجماعات، وكن في أبهي زينتهن كما لو الي لقاءات ومواعيد. بدَوْنَ حلوات وبسيطات وقد اغتسلن وتجملن، وتضوع منهن روائح طيبة ومؤثرة. جئن متخلصات من رغباتهن وعواطفهن، وشرعن بالصخب الفارغ في المطبخ والصالون حيث تركت ماغي لهن حرية العبث والسهر.
الضحكات العصبية اعلي بقليل مما ينبغي، وكان الافصاح والايماء وسماحة هذه الكائنات الرقيقة، بدوْنَ، وقد انصرفت كل منهن الي المائدة، انهن يستمتعن حقاً بما يفعلن. لمحت ما يشي بشعور بالوحدة علي محيا رشا، ولكن ربما كان ذلك هو حالي. غير ان ما رأيته في عينيها ذكــــرني برحلتي الماضية الي شلالات نياغارا. سألتني سحر ان اعزف مقطـــــوعات عربية حين رأتني اقوم الي البيانو الرابض كجدة مهيبة في ركن الصالون. ما بدنا اجنبي ـ قالت ـ اعزفي لنا انا لك علي طول و أسمر يا سمراني فشرعت أفعل. حين استدرت اخيرا، فوجئت بصبي الدلي÷ري ، يضع علي الطاولة قالب الكاتو الذي كنا طلبناه من سي سويت علي التلفون. الجسد الذكوري الممتشق والجينز الازرق والـ تي شيرت البيضاء. مع ذلك، ظننته من الاعداء وسط فائض الانوثة المتوزعة زوايا البيت. أكلنا طبعا، وشربنا. غنينا، رقصنا، غير ان شغوراً فادحاً علي غرار ما تفعل الريح مع حائط مشقوق كان يدهمنا.
ها هن وحيدات في ليلة رأس السنة يحركهن توق غامض. كانت احدانا، واسمها ضيا، قد طلت أظافرها بحمرة داكنة فرحت اجلس بعيدة منها، احدق في قالب الكاتو المغلف بكريما باهظة البياض. شرع الليل يتقدم من دون رجل، فقمت ودفعت بأصبعي الي قلب الكيك الرابض كهرة مدللة، فراحت الاصوات المستهجنة تقرقع في اذني.
انتبهت الي الغياب الطويل الذي استغرقته غرازيللا في الحمام فقمت استطلع حالها، وحين عثرت عليها مجهشة في البكاء، بكيت. غالباً ما أبكي في الحمامات. حذرتها ان هي أفشت بكائي الي الاخريات، ان احكي لهن قصة حبها.
رقصت زينب علي موسيقي شط اسكندرية . زينب المتجهمة ابداً والتي تكتب في الشؤون القضائية والسجون، اذهلني رقصها: يا ملعونة يا زينب، اللي ما بيعرفك، بيجهلك . وهن قلن لي الشيء عينه حين غنيت لهن ليه يا بنفسج . سيعرف الرجال ـ قالت غرازيللا ـ انهم في المحل الاول من عواطفنا، حتي ان سهرنا من دونهم. لم تلق حكمتها استحسانا لأنهن مضين في تصريف سهرتهن بيسر وبلا ألم. وحدها غرازيللا فحسب، ظلت تبرق عيناها طوال السهرة.
تقدم السهر، وأوشكت عقارب الثانية عشرة علي الالتقاء وغدا من السهل رؤيتهن مرتبكات، واحمرت جلودهن وشفّت. اين تمضي السنة التي تغادر؟ سيكون أيسر ما يمكن القيام به هو تمني سنة جديدة سعيدة لكل منا. ذلك هو ما فعلناه جميعاً. تجمعن كطفلات صغيرات وبدت امنياتهن اغنية لطيفة، هادئة الايقاع. لم افهم تماما الذي دار في عقولهن، ولم اعرف معني تلك السهرة فليس ذلك بمقدوري حتي وان راقبت ايديهن واصغيت لسماع الحقيقة في اعضائهن.
خرجت الي العراء وقد تركتني السهرة خفيفة ورقيقة بقلب حائر غير واثق. خفيفة ورقيقة ليس سرورا ينقي قلبي المثقل، وانما الخفة والرقة التي ترفع سنة الي السماء، في الرغبة الي مساعدة الوقت لاجتذاب العمر الي اسفل. رغم ضآلة هذه الرفقة الطيبة، فانها فسرت لي كثيرا من الاشياء التي لولاهن، كانت تستعصي علي الفهم.