القاهرة من ناهد صلاح: هل يشكل لجوء العديد من المطربين في الفترة الاخيرة إلى الغناء الديني ظاهرة؟، أم ان الأمر لا يعدو سوى مجرد مشاريع متفرقة يحاول أصحابها التقرب من الجماهير بصورة مختلفة لاستمالتها في ظل مشاريع غنائية كلها متشابهة ليس لها ما يميزها عن غيرها سوى أسماء النجوم.
كما يقول النقاد، أم ان هذه النزعة الدينية أو الصوفية في عالم الأغنية والكاسيت ليست إلا محاولة لتحقيق إيرادات اكبر؟
قدم «محمد منير» تجربته المتميزة في ألبومه «مدد يا رسول الله» منذ ثلاث سنوات تقريبا لم يكن يسعى إلى فرقعة إعلامية، بل بدا صادقا وواعيا ولعل هذا أسهم في نجاح تجربته التي وصفها «منير» نفسه حينذاك بأنها تشكل تجربة ضرورية على اكثر من مستوى. كانت تشكل له على الصعيد الشخصي تجربة ملحة ليس فقط لأنه فنان يسيطر عليه هاجس التجديد في مشروعه الفني.
ولكن أيضا لأنها تحقق له النزعة الصوفية، والاهم ـ وحسب ما قاله منير ـ انها تساهم في نشر رسالة الإسلام الحقيقية من خلال مادة جذابة تستسيغها الجماهير دون تعقيد، كما انها تكشف عن الصورة الأصيلة للإسلام والتي يحاول الكثيرين تشويهها في السنوات الاخيرة وخاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
إذا كانت تجربة «منير» في الغناء الديني راعت التركيز على الدين الاسلامي باعتباره دينً يدعو إلى التسامح والسلام، فهل هذا ما كان يسعى إليه زملاؤه في عالم الطرب الذين اتجهوا إلى الغناء الديني أيضا، أو الآخرون الذين أعلنوا أنهم سيتجهون إلى الطريق نفسه؟
فها هو هشام عباس الذي سبق ان قدم اسماء الله الحسنى التي صارت الأشهر عند الجماهير المصرية التي لا يبدأون حفلاتهم أو مناسباتهم المفرحة إلا بها وبالأداء المميز لصوت «هشام عباس» الذي اتجه إلى أداء الأدعية الدينية، مؤكدا ان تجربته في الغناء الديني كانت نتاجاً متوقعاً لطبيعته الصوفية التي نشأ عليها في عائلة متدينة، حيث كان جده لوالده شيخا جليلا من شيوخ الأزهر، وجميع أفراد عائلته يعشقون الغناء عموما والديني تحديدا.
وانضم «ايهاب توفيق» أيضا إلى قافلة الغناء الديني حيث قدم بعض الأدعية الدينية، وصرح في اكثر من موقع ولأكثر من مرة ان الأغاني الدينية ضرورية في الوقت الحالي في محاولة لخروج الأغنية العربية من نهر الانحلال الأخلاقي الذي سقطت فيه مؤخرا.
ومؤكدا ان جيله ليس مسئولا عن موجة الغناء الهابط والعري السائد، قائلا ان هناك عناصر أخرى ساهمت في ذلك، عناصر لا علاقة لها بالفنانين أنفسهم، وإنما تتعلق بالباحثين عن الربح المادي اكثر من الفن الجيد، لذا يحاولون إفساد الذوق العام وتحويل الصورة لدى الأجيال الجديدة من رسالة هادفة ونبيلة إلى عري وابتذال.
وتجربة الغناء الديني في السنوات الاخيرة ضمت أيضا بين دفتيها العديد من نجوم الطرب مثل هاني شاكر وعلي الحجار ومحمد ثروت وايمان البحر درويش ومدحت صالح وعمرو دياب ومحمد فؤاد واحمد إبراهيم وآخرين، بل ان هناك كلاما تردد حول ان «محمد الحلو» يستعد لتسجيل القران الكريم بصوته.
ونجاح هذه الأغاني أرجعه النقاد إلى النزعة الدينية العالية في مصر والوطن العربي، مؤكدين ان التجارب الاخيرة ليست تجارب رائدة، بدليل ان رواد الغناء العربي خاضوا هم أيضا تجاربهم الخاصة في هذه المجال بدءا من سيد درويش وعبدالوهاب وأم كلثوم ومرورا بعبدالحليم حافظ ومحمد فوزي وفايزة احمد ونجاة، ووصولا إلى الأجيال الجديدة في دنيا الأغنية.
ولذا يبدو ان الاتجاه إلى الغناء الديني كان ثمة تميزت بها العصور علي اختلافها، وأيا كانت الأسباب التي دفعت نجوم الطرب الحديث إلى هذا الاتجاه فانه يبدو أمرا صحيا ومكملا لحلقات التطور الطبيعي على مر الأزمان ومحققا لرغبات الجميع، سواء مطربين أو جماهير، لإشباع النزعة الدينية أو الصوفية الخفية في الوجدان.