جدير بالمؤسسات اللبنانية، وصغيرها قبل الكبير، ان تمارس رقابة ذاتية مشددة على ما تصدره من الآن فصاعداً، من مذكرات داخلية وقرارات إدارية. فعين السيد فيلتمان يقظة وساهرة ترصد كل ما يمكن ان يخرق سيادة البلاد وسيرها نحو تبني قانون انتخابات عادل.
لا ينبغي التقليل من اهمية مذكرة شركة التنظيفات في الشمال التي دعت موظفيها وعمالها الى المشاركة في lt;lt;تظاهرة المليونgt;gt; (التي خلت من أي شيء مليوني باستثناء تكاليفها التي تحملها دافع الضرائب اللبناني)، هذه المذكرة التي شهرها فيلتمان كدليل اثبات على وقوع lt;lt;تدخل فاضحgt;gt; من قبل سوريا في الشأن اللبناني.
يمكن لمتابع للعلاقات اللبنانية السورية ان يقع على ظهره من الضحك إزاء تفاهة ما اكتشفه السفير الاميركي وما يسوغ لنفسه بوصفه بالتدخل، مقارنة مع ما يجري منذ اتفاق الطائف على الأقل من مشاركة سورية في ادق تفاصيل القرار السياسي والاداري اللبناني. غير ان هذا المراقب مطالب بإبداء قدر من ضبط النفس: فlt;lt;الوثائقgt;gt; التي استخدمتها الولايات المتحدة لتبرير غزوها للعراق والتي تتحدث عن امتلاك صدام حسين لأسلحة دمار شامل والتي عرضها وزير الخارجية الاميركية كولن باول امام مجلس الامن من دون ان يرمش له جفن لهزال ما يقدمه الى المجتمع الدولي، لم تكن اهم من ناحية المضمون من مذكرة شركة التنظيفات في الشمال. مع ذلك، ادرجت هذه المستندات في اطار الاسباب الموجبة لغزو دمر واحدة من اهم الدول العربية وزجها في اتون من الصراعات الداخلية هيهات ان تخرج منه في مستقبل قريب. فملخص النهج الاميركي في السياسة الدولية يشبه تلك النكتة عن إرغام رجل المخابرات للأرنب على الاعتراف بالقوة انه الثعلب، أي الإدانة اولا ثم البحث عن الأدلة.
اذا، فقيمة أي وثيقة تأتي من خدمتها لسياسة محددة الأهداف مسبقاً وليس من إثباتها او دحضها لمضمون مجرد. هذا ما اكدته التجربة العراقية وهذا ما تسير عليه الولايات المتحدة في العهد البوشي الثاني.
وبطبيعة الحال، ليس السيد فيلتمان معنياً بأعداد متزايدة من الوثائق والمذكرات الداخلية والادارية التي تصدرها الشركات والمؤسسات اللبنانية وتتضمن إنذارات الى عمالها بصرف جماعي او بخروقات فاضحة لقوانين وعلاقات العمل المرعية، وليس معنياً ايضاً بتراكم كمية اخرى من الوثائق امام المسؤولين في وزارة العمل حيث يسعى ما يزيد عن مئتي مؤسسة، مختلفة الاحجام، الى تسوية مع عمالها قبل إغلاق ابوابها نهائيا بدواعي الافلاس والتعسر المالي. فهذه امور من التفاهات التي لا تعني سفير الدولة الحريصة على حقوق الانسان، برغم ان هذه المذكرات تخلق الأجواء لنوع آخر من التظاهرات وتفتح المجال امام تفاقم الاحتقان الاجتماعي في البلاد وتزيد مظاهر الاضطراب والتوتر.
وبغض النظر ما اذا كانت مذكرة شركة التنظيفات تشير الى تدخل سوري في الشأن اللبناني واستعداد اوساط السلطة الى ممارسة المزيد من الضغوط على المواطنين لحمل هؤلاء على التصويت في الانتخابات المقبلة في صالح خط سياسي معين ام لا، فإن السيد فيلتمان مصر على متابعة رسالته في التدقيق في المذكرات الإدارية للشركات اللبنانية لإثبات ما لا يحتاج الى إثبات.
فالسفير الاميركي قد عين نفسه ملاكاً حارساً للسيادة اللبنانية لحمايتها من أي تدخل، باستثناء تدخل دولته lt;lt;الشقيقةgt;gt; (منذ احتلالها للعراق). بل تحول في نظر قسم من التيار السيادي اللبناني الى تجسيد حي لفكرة lt;lt;السيادةgt;gt;. ولعلنا لسنا بعيدين عن ذلك اليوم الذي يهتف فيه السياسيون السياديون بعد مرور موكب فيلتمان بالقرب منهم، بأنهم رأوا السيادة في موكب مدرع، على غرار ما هتف هيغل لدى رؤيته نابليون في شوارع مدينته المحتلة بأنه lt;lt;رأى العقل على صهوة جوادgt;gt;، مع ما يفتح من باب لعقد مقارنات بين المغامرة الاميركية الحالية في المنطقة وبين ما انتهت اليه المغامرة البونابرتية في المانيا.