لندن من فيصل عباس: انطلق الموسم الجديد من برنامج «ستار أكاديمي» على الفضائية اللبنانية LBC الأسبوع الماضي، وقريباً يلحق به نظيره برنامج «سوبر ستار» في موسمه الثالث عبر شاشة «المستقبل». وإلى أن يمضي بعض الوقت على انطلاقة كل من البرنامجين، وأي برنامج تلفزيوني ترفيهي آخر يحظى بنفس النجاح لن يتمكن أحد من معرفة كيف ستكون ردة فعل بعض الفئات العربية المتشددة تجاهها. خصوصاً وأن بعض البرامج التلفزيونية كانت تسببت بأكثر من أزمة في أكثر من بلد، ففي الكويت كانت الكتل النيابية الاسلامية طالبت باستجواب وزير الاعلام المستقيل حديثاً محمد ابو الحسن، وذلك على خلفية سماحه باقامة عدد من الانشطة والحفلات الغنائية التي أقيمت العام الماضي، من بينها حفل فريق «ستار أكاديمي»، باعتبارها «مخالفة للشريعة الاسلامية». قبل ذلك اختارت قناة MBC وقف إنتاج النسخة العربية من «بيغ بروذر» بعد ان خرجت مظاهرات واحتجاجات نظمتها بعض الكتل المتشددة في البحرين، حيث كان يصور العمل. في السعودية، حيث سوق الاعلانات الأكبر ونسبة المشاهدين الأكثر، شهد العام الماضي موجة كبيرة من الانتقادات والاتهامات الموجهة للفضائيات وبرامج الترفيه وتلفزيون الواقع. اللافت كان مجموعة كبيرة من الاتهامات المبنية على الافتراضات، التي تصل لحد اعتبار برامج تلفزيون الواقع «هي السبب في ما تشهده بلادنا من غلو» كما ورد في أحد أشرطة الكاسيت «التوعوية» لأحد شيوخ «الصحوة» السعوديين. ولأن معظم مطلقي هذه الاتهامات من كتاب وإعلاميين لم يلتزموا بأصول الصحافة التي تقتضي بأخذ رأي الطرف الآخر، اختارت «الشرق الأوسط» أن تطرح الاتهامات على مسؤولي هذه المحطات والبرامج، وللأسف لم نتمكن من الحصول على تعليقات رولا سعد، مديرة «ستار أكاديمي» وذلك على الرغم من المحاولات المتكررة للاتصال الهاتفي والإلكتروني بها، فيما يستغرب المسؤول الإعلامي لـ«سوبر ستار»، بلال اللبان، عدم أخذ رأي ادارته في مثل هذه الاتهامات، مضيفا انه «لم يحدث مرة أن حرمنا صحافياً من أي لقاء أو حجبنا أي معلومات.. نتمنى أن يحدثنا الجميع قبل أن يكتبوا عنا». البداية هي مع التهمة الكلاسيكية «إن هدف الفضائيات هو فقط جني الأرباح»، ويعلق الاعلامي التلفزيوني اللبناني، علي جابر، بقوله «هذه ليست تهمة.. هذه حقيقة». ويتساءل جابر «لو لم تحقق المؤسسات الاعلامية الأرباح.. فمن أين ستمول نفسها وتدفع مستحقاتها؟» ويضيف «لو لم يكن هدف المؤسسة الاعلامية هو جني الأرباح فهي إذا ليست مؤسسة اعلامية حقيقية بل تصب في خانة الاعلام الحكومي أو المدعوم، وبالتالي فإن هدفه ليس ارضاء الناس بل ارضاء مموله». ويضيف جابر ان «الاعلام يفترض ان يكون مملوكا من قبل الناس» أي ان تكون السلطة المطلقة للمشاهدين، بحيث يقررون هم ما يبقى على التلفزيون وما يتوقف. ومن الشائع اجراء دراسات لقياس نسبة المشاهدة في الولايات المتحدة وبعض البلدان الأوروبية لتتبع ميول المشاهدين، أما في العالم العربي فلا يزال الحصول على احصاءات دقيقة يواجه مشاكل، كما يقول مسؤول الحملات الدعائية في وكالة «ستاركوم» لتخطيط وشراء المساحات الاعلانية، رمزي معقصة. ويوضح معقصة معادلة بسيطة وأساسية في الاعلام وهي انه كلما ازداد عدد المشاهدين لقناة أو برنامج معين ازداد عدد الاعلانات عليه/عليها ويرتفع سعرها، وبالتالي يزداد الانفاق الاعلاني من قبل الشركات الذي يرفع بدوره مدخول القناة. التهمة الثانية هي ان القنوات العربية «لا تفعل شيئاَ سوى سرقة البرامج الاجنبية وتنتج نسخها الخاصة منها». إلا أن مسؤولي القنوات التي تنتج النسخ العربية من البرامج العالمية يكررون في كل مقابلاتهم انهم «اشتروا الحق الحصري للصيغة من الشركة الام»، وان كانت هذه الملاحظة تنطبق فقط على البرامج الكبرى المأخوذة بصيغتها واسمائها الأصلية (من سيربح المليون ـ الحلقة الأضعف ـ سوبر ستار ـ ستار أكاديمي ـ بيغ بروذر وغيرها). فإن ذلك لا ينفي قيام بعض المحطات بـ«تقليد» بعض ما يبث في الخارج. يعود جابر ليوضح ان هذه الظاهرة هي نتيجة لما يسمى «عولمة الاعلام». ويعني بذلك انه لم يعد من المجدي ان يأتي أي من كان ويحاول الخروج بفكرة لبرنامج، بل يقوم مديرو المحطة برصد أبرز البرامج الناجحة عالمياً وشراء حق بثها عربياً. ويضيف جابر ان الميزة في ذلك هي انها تلغي ـ إلى حد ما ـ عامل المجازفة، فعندما يكون البرنامج ناجحاً حول العالم فلا سبب ان لا يلاقي المصير نفسه عربياً مع بعض الاستثناءات المتعلقة بخصوصية المجتمعات. ولا يعتبر جابر ان تجربة برنامج «بيغ بروذر» العربية فشلت بسبب عدم مشاهدته، وانما بسبب اختيار البحرين مسرحاً جغرافياً له، الأمر الذي أثار اعتراض بعض المتشددين هناك. محتوى الاتهامات يزداد خطورة، فالبعض يعتبر ان الخط الجديد من برامج الترفيه يهدف إلى «سلخ الأمة عن عاداتها وتقاليدها». هنا يسارع المسؤول الاعلامي لـ«سوبر ستار»، بلال اللبان، للدفاع عن برنامجه قائلاً «نحن لم نعرض اي شيء يخدش الحياء من قبل.. ولا بد من التفرقة بيننا وبين غيرنا». إلا أن الكثير من المنتقدين لا يفرقون بين البرامج، بل يعتبرونها جميعاً «جزءا من مؤامرة كبرى لتغريب الشباب»، أما من يقف وراء هذه المؤامرة فهم ««منظومة يتآلف فيها الكفار والمنافقون وأصحاب الشهوات». ومثل هذه الاعتبارات موجودة بكثرة في أشرطة الكاسيت «التوعوية» التي يصدرها عدد من الرجال الدين في دول عربية مختلفة، اضافة إلى تناقلها في منتديات الإنترنت، حيث ورد في احدها ان فكرة «ستار أكاديمي» تعود إلى العام 1935 خلال احدى الاجتماعات الصهيونية السرية في القدس والهادفة الى اكتشاف طرق «تدمير الأمة». يعود اللبان ليقول «لست أفهم كيف يكون هذا الكلام منطقياً وهذه البرامج هي في الأصل غربية؟ أي انها تستهدف بلداناً أخرى قبل بلادنا؟.. ومن ثم ألم يكن هناك مطربون وفنانون من كافة البلدان العربية قبل ظهور برامج صناعة النجوم؟».
بدوره يوضح علي جابر ان هدف الاعلام «ليس تخريب الأجيال ولا إصلاحها»، مضيفا ان هدف الاعلام هو«مجرد الوصول للناس» ويبقى الخيار للفرد ان اراد ان يشاهده ام لا. أما الأشرطة «التوعوية» هذه، فكانت «الشرق الأوسط» أجرت تحقيقاً واسعاً حولها، بعد أن عرضت نماذج من هذه الاشرطة التي تحتفظ بها على خبيرة نفسية اعتبرت أن ما تحتويه من شتائم للمشاركين والمشاركات في البرامج، اضافة إلى المؤثرات الصوتية «الحربية» كاستخدام اصوات القنابل وطلقات الليزر «تصب في خانة التحريض على العنف». اما الشيخ علي الشهراني، أحد أصحاب هذه الكاسيتات في السعودية، فنفى استخدام اصوات المتفجرات في شريطه فيما اعتبر ان لا مشكلة في استخدامه كشيخ لتعابير مثل «مخنث» لأنه مستخدم منذ «القدم». من جهته يختلف الأكاديمي والكاتب السعودي غازي المغلوث حول هذا الرأي، ويقول إنّ الأصل الشرعي في هذا الموضوع هو «...فقل له قولاً هيناً لعله يتذكر أو يخشى»، ويضيف أن الخروج عن ذلك هو «اجتهاد شخصي ربما لم يوفق صاحبه».
وردت اتهامات أخرى في كاسيت «اكاديمية الشيطان»، حيث أعرب أحد المُنظرين عن رغبته في أن «يهمس» بكلمة في آذان المسؤولين وأولي الأمر، وفي همسته اعتبر أنّ «من أسباب ما يحدث من غلو» هو بث القنوات «الفاجرة» لمثل هذه البرامج «دون أن تلاقي استنكاراً... بل دعماً من قبل بعض المسلمين والمحسوبين على البلاد الإسلامية». ويوضح المتحدث أنّ «الإفراط يحدث عند التفريط». كما يصل أحد الشرائط إلى حد الدعوة إلى مقاطعة الدولة التي تبث مثل هذه البرامج ورجال الأعمال والشركات التي ترعاها وتمولها. هذا إلى جانب دعوة «العلماء والأئمة والكبار والصغار» إلى اتخاذ موقف ما... لأن السكوت هو البلاء بعينه. وباع شريط «اكاديمية الشيطان» أكثر من مليون نسخة خلال 3 أسابيع فقط، بحسب ماقاله مصدر ـ طلب عدم الكشف عن اسمه ـ في جماعة نبض الوفاء الإلكترونية، التي سوقته من خلال موقعها الإلكتروني. السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو لو أن الإعلام يفترض أن يكون فعلاً ملكاً للناس بحيث يملون ما يشاهدون عليه.. فلماذا إذا بقيت هذه البرامج على الهواء وأنتج منها مواسم اضافية على الرغم من جميع هذه الاعتراضات؟ الاعلامي علي جابر يقول ان حجم الاعتراضات لا يعكس حجم الاحجام عن المشاهدة، ويضيف «هناك الكثير من الناس لا يملكون أطباقاً لاقطة لأنهم لا يريدون التعرض لسلبيات البث الفضائي». أما المشاهدون العرب الذين يملكون الصحون اللاقطة، فيقول جابر إن «طبع النفاق» يغلب على الكثير منهم، فربما يستمتع بمشاهدة برنامج ما لوحده، وعندما يُسأل بعد ذلك يجيب بأنه لا يشاهده أو حتى يشتمه. ويضيف، ثم ان تدفق الاعلانات على البرامج هو مقياس آخر، فالمُعلن هدفه الوصول إلى الناس ولو لم يكن متأكداً بأن البرنامج مشاهد بكثافة من قبل شريحته التسويقية المستهدفة، كما يوضح رمزي معقصة. ويعلق جابر بقوله «لا يعقل أن يضع المعلن اعلانه في برنامج لا يشاهده الناس». وتبقى اعداد المتقدمين للمشاركة في برنامجي «ستار أكاديمي» و«سوبر ستار» مؤشراً آخراً على قبول الناس، فقد تقدم 40 ألف شخص للمشاركة في الموسم الثاني من «سوبر ستار»، بحسب ما قال بلال اللبان الذي يتحضر وفريق العمل للإعداد حالياً للموسم الثالث من البرنامج نفسه. يذكر أن برامج تلفزيون الواقع تحديداً كانت لها مشاكلها في الغرب أيضاً، فانتقد كثير من المحافظين والمتدينين أعمالاً مثل «بيغ بروذر» في دول عدة من بينها بريطانيا وايطاليا والبرتغال، باعتبارها اهانة لحقوق الانسان والحضارة». وفي العديد من عواصم هذه الدول خرجت مظاهرات عنيفة (من بينها باريس التي انطلق منها ستار أكاديمي في الأصل)، إلا أن سبب الانتقادات العنيفة كان وصول مستوى الاباحية لدى المشاركين والمشاركات إلى حد جارح على الهواء، كما حصل في النسختين اليونانية والبرتغالية من «بيغ بروذر».