ما مدى جدية دول الخليج في مسألة تمكين المرأة وهي القضية التي أصبحت في الوقت الحاضر ملحّة ومرتبطة كل الارتباط بقضية الإصلاح؟ هل اصبحت هذه القضية الآن اكثر جدية من أي وقت مضى لأنها اصبحت مطلباً غربياً واصبح لزاما على دول الخليج أخذها على محمل الجد ام ان دول الخليج قد تنبهت فعلا إلى اهمية مشاركة المرأة العامة وارتباطها بنهضة مجتمعاتها ولانها الوسيلة الملائمة للتخلص من جملة المشكلات المزمنة التي تعاني منها هذه الدول كالعمالة الوافدة والخلل في التركيبة السكانية؟ وما هو المطلوب من دول الخليج في الوقت الراهن: هل المطلوب اشراك المرأة في العملية السياسية ام اشراك المرأة في تطبيق عملية الإصلاح العامة ام ان القضية هي أعمق من كل ذلك بكثير؟ وما مدى تقيد دول الخليج بحقوق الإنسان فيما يختص بالمرأة وبالتشريعات التي سنت للحفاظ على حقوقها والارتقاء بدورها المجتمعي؟
على الرغم من ان مسألة تمكين المرأة في الخليج كانت مطلبا مطروحا على مجتمعات الخليج منذ زمن إلا انه اكتسب طابعا جديدا واهمية كبيرة بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر/ ايلول 2001 وإفرازاتها المختلفة على دول الخليج. بالإضافة إلى ذلك فقد اكتسبت هذه القضية بعدا آخر بعد ان قامت الولايات المتحدة بطرح مبادرتها المعروفة باسم “الشراكة مع الشرق الاوسط” والتي دعت فيها دول الشرق الاوسط إلى الإسراع في الإصلاح المجتمعي والى تبني الديمقراطية وإلى المزيد من اشراك المرأة في الحياة العامة.
منذ تلك اللحظة اكتسبت قضية تمكين المرأة بعداً آخر واهتماماً كبيراً من قبل القيادات السياسية في الخليج وجمعيات المجتمع المدني وحتى من قبل المرأة نفسها. فقد تنبهت بعض من دول الخليج إلى انها لم تعد تعيش في عزلتها الاجتماعية السابقة، وإن عليها واجبات تجاه مواطنيها من الجنسين على حد سواء وانها ان لم تبادر بالإصلاح المجتمعي وتمكين المرأة فإنها سوف تجبر على ذلك. لذلك اكتسبت قضايا المرأة منذ ذلك الوقت بعدا جديدا واصبح تمكين المرأة مطلبا شعبيا ودوليا.
لزمن طويل ظلت مجتمعات الخليج المحافظة مترددة بعض الشيء فيما يخص مسألة تمكين المرأة. فقد كانت هذه الدول تعتبر قضية تمكين المرأة قضية اجتماعية وداخلية ترفض للغير التدخل فيها. بل كان البعض يعتبرها قضية حساسة يجب معالجتها بكل حكمة وهدوء بعيدا عن التسرع حتى لا تربك التركيبة المجتمعية المحافظة لدول الخليج. وبالفعل مضت بعض دول الخليج قدما في ذلك الاتجاه المتدرج الذي رسمته لنفسها بينما ظل البعض الآخر يؤجل انتظاراً، حسب زعمه، للفرصة المناسبة. ولكن الاحداث العالمية المتسارعة كانت اقوى في وتيرتها من جميع الخطط المحلية. فقد جاءت احداث الحادي عشر من سبتمبر/ ايلول لترمي بظلالها القاتمة حتى على التركيبة الاجتماعية لدول الخليج وبالتالي على المؤثرات الداخلية المحفزة للحراك الاجتماعي والايديولوجي. فأصبح الإصلاح، في نظر الكثيرين، هو الحل الوحيد الذي سوف يسهم في مساعدة هذه المجتمعات على التخلص من بعض الظواهر السلبية وعلى رأسها “الإرهاب” ويجعل الانظمة الاجتماعية لتلك المجتمعات موائمة ومتقبلة للتغيير المطلوب. لذلك اكتسبت قضية تمكين المرأة بعدا خاصا نظرا لكون المرأة عاملا مؤثرا في البناء الاجتماعي والفكري لتلك المجتمعات وعنوانا على انفتاحها.
فخلال الاربع سنوات الماضية حدثت تطورات جذرية في مواقف دول الخليج المحافظة من قضايا المرأة بشكل عام. وبدا ذلك واضحا حتى في أكثر هذه الدول محافظة. فقد شهدت هذه المرحلة دخول المرأة في بعض دول الخليج في المجالس النيابية والاستشارية. كما شهدت هذه الفترة استعدادا حكوميا وشعبيا لتقبل فكرة تقلد المرأة بعض المناصب السياسية المهمة والتي كانت قبل فترة وجيزة حكرا على الرجل. وعلى الرغم من ان دخول المرأة في المجال السياسي كان في بعض الاحيان صوريا إلا ان ذلك الدخول سوف يحسب حتميا لمصلحة دول الخليج.
ولكن هل دخول المرأة المجال السياسي يعني ان هذه الدول قد اصبحت فجاة منفتحة اجتماعيا ومتقبلة فكرة تمكين المرأة؟ لا يمكن ان تكون الإجابة على هذا السؤال بنعم. فلا تزال المرأة في بعض مجتمعات الخليج مهضومة الحقوق مكبلة بقيود ثقيلة من العادات والتقاليد الاجتماعية على الرغم من تعارض ذلك مع شرائع الإسلام التي حمتها ومنحتها الكثير من الحريات وعاملتها كفرد مستقل في الحقوق والواجبات. فلا تزال المرأة في بعض مجتمعات الخليج تحرم حتى من ابسط حقوقها الطبيعية كالتعليم وحق الاختيار. كما ان المرأة في بعض دول الخليج لا تزال تعاني من الامية ومن ضعف التمكين الاقتصادي. لذلك نشط بعض المفكرين الإسلاميين لتوضيح ذلك الإشكال الفكري الذي يتمثل في إيضاح موقف الإسلام من المرأة. وظهر جليا ان الإسلام احترم حقوق المرأة كمخلوق كامل الاهلية في الواجبات الدينية، وان الإسلام، كشريعة سماوية، لم يفرط يوما في حقوق المرأة ولم يفرض عليها القيود الثقيلة وإنما ظهرت بعض هذه القيود كنتيجة للتطور الاجتماعي والحضري لهذه المجتمعات، وبالتالي فهي من صنع الإنسان وليس امرا سماويا.
ان مسألة تمكين المرأة في دول الخليج، وفي هذا الوقت بالتحديد أمر في غاية الاهمية، فهذا الحل الامثل لعدد من القضايا الاجتماعية المزمنة كقضية العمالة الوافدة والتنمية المجتمعية المستدامة وخلق مجتمع موائم وقادر على التفاعل التام مع المجتمعات العالمية. فدول الخليج يجب ان تصل إلى الاقتناع التام والكامل بأن المرأة هي شريك حقيقي وفعلي في بناء المجتمع، وقد آن الاوان لعملية بناء مجتمعي قائم على الشراكة الحقة وليست الشراكة الصورية. لذلك على دول الخليج العمل بجدية على سن القوانين المناسبة لهذه المرحلة والمراحل المقبلة حتى لا تضطر في فترة لاحقة إلى إدخال تغييرات جذرية على دساتيرها تلبية لمطالب مستجدة. فاحترام حقوق المرأة المدنية والشرعية هو جزء مهم واساسي من قضية تمكين المرأة. ولا يمكن لأي اصلاح ان يكون كاملا او شاملا دون اصلاح حقيقي لاوضاع المرأة واحترام حقوقها كإنسان كامل الاهلية.
ان دول الخليج وهي تمر الآن بهذه المرحلة الحرجة من تاريخها السياسي والاجتماعي يجب ان تستثمر جميع طاقاتها البشرية وتوظفها لخدمة قضاياها التنموية. فالتنمية البشرية في الخليج هي مطلب مُلحّ، وحتى يمكن لتلك التنمية ان تصبح مستدامة فلا يمكن إقصاء المرأة عن أي مجال مجتمعي.
ان دول الخليج يجب ان تستمد من تاريخها دروساً وعبراً. فالمرأة في عصر ما قبل النفط، على الرغم من كل ما احاط بها من ظروف سلبية من فقر وامية، لم تكن يوما مخلوقا خانعا ومستسلما بل شاركت بفعالية في مختلف مناحي الحياة العامة. فقد استمدت العون من الشريعة الإسلامية التي حددت لها حقوقها وواجباتها. لذا، فالأحرى بمجتمعات الخليج الآن، والمرأة قد وصلت فيها إلى أعلى المراتب العلمية، ان تستفيد من نصف المجتمع الاستفادة القصوى.
ان المرأة في الخليج وهي تراقب المستجدات المعاصرة على الساحة السياسية والاجتماعية تأمل بأن تكون المرحلة المقبلة مرحلة حافلة بالإنجازات التي تسجل للمرأة وبيدها. وحتى لا يبقى أمل المرأة في المشاركة التامة والكاملة مجرد حلم، يجب على دول الخليج العمل بجدية في مجال سن التشريعات والقوانين التي تكفل لها جميع حقوقها وتوفر لها ولعطائها الفضاء الامثل.