مبروك سلفاً للسيد محمود عباس فوزه بالانتخابات الرئاسية الفلسطينية، وأصدق التمنيات له بالتوفيق وحسن الطالع الذي لا أشك مطلقاً في أنه يحتاجه بشدة في هذه الفترة العصيبة. ومع أنني كمراقب وكإنسان عربي عايش قضية فلسطين منذ حداثة سنه أخالف نظرته لتسوية القضية، فليس لي الا ان أنحني احتراماً لقرار الناخبين، رغم أنه من جميع النواحي تفويض منقوص... لجملة من الأسباب، أهمها ما يلي:
1 ـ ان الاقتراع محصور بالفلسطينيين المقيمين داخل الأراضي المحتلة. أي أنه يستثني كل فلسطينيي الشتات الذين يشكلون أغلبية أبناء الشعب.
2 ـ ان الانتخابات جاءت في ظل ظروف حصار فعلي وابتزاز أمني ناهيك عن حالة الاحتلال عسكريا وسياسيا، مما يفقد في أي تجربة انتخابية معناها الديمقراطي الحقيقي.
3 ـ عطفا على ما تقدم ذكره، أجريت الانتخابات وسط ضغوط دولية وإقليمية شديدة على المجتمع الفلسطيني والسلطة الفلسطينية الجريح للخروج بنتيجة «مقبولة»، بل «مطلوبة» مسبقا.
4 ـ بحكم واقع الحال، وتحت إشراف سلطة لها مرشحها، وعيون وآذان احتلال له «ممنوعاته»، ما كان كل المرشحين يتمتعون بفرص متساوية للتحرك وتنظيم الحملات.
رغم الأسباب الوجيهة المشار اليها وغيرها أيضا، يفرض الواقع الإقرار بأن السيد محمود عباس (أبو مازن) فاز بأصوات قطاع كافٍ من أبناء الشعب الفلسطيني ليصبح رئيساً له ومقرراً عنه... باسمه. ومن هنا تبدأ رحلة الأعباء والتحديات مع هذا التفويض الخطير جدا في الزمن الأخطر.
صحيح، (ابو مازن) تحاشى اللف والدوران، وهو يستحق التقدير فعلاً على أنه صارح مواطنيه بجوهر سياسته ـ وربما كسب الكثير من التأييد بفضل واقعيته ـ لكنني أزعم أن من اقترعوا له من منطلق «الواقعية» يتوقعون منه أن ينجح. وسيكون «السيناريو» كارثياً اذا قدّمت التنازلات باسم الشعب مجاناً.
أصلا، ثمة حقائق مرة عديدة استوعبها المواطن الفلسطيني عبر السنوات القليلة الماضية على الأقل، ليس أسوأها انه لا أمل يرجى من موقف عربي صلب في وجه العربدة الليكودية خارج حدود الوساطة والتمنيات واللوم والاستنكار اللفظي، ولا رهان يجدي على صدقية غربية في مسألة حقوق الانسان وعلى رأسها حق تقرير المصير، ولا تفاؤل في صحوة ضميرية عند التيارات المحافظة والفاشية داخل اسرائيل نفسها... تتذكر ان معاناة الناس وإذلال إنسانية البشر وقتل الأبرياء ومصادرة الحريات والحقوق والممتلكات وجوه متعددة لعملة واحدة.... سواء في آوشفيتز أو «غيتوهات» أوروبا الغربية أو «غولاغات» روسيا الستالينية أو «بانتوستانات» جنوب افريقيا أو نقاط التفتيش العسكرية الاسرائيلية و«جدار الفصل» العنصري في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
المستر توني بلير، رئيس الحكومة البريطانية، الذي سيستضيف في مارس (آذار) المقبل، أول مؤتمر دولي يتصل بالفلسطينيين في عهد رأس السلطة الفلسطينية الجديد ـ بغياب اسرائيل (!) ـ بكّر كثيراً في رسم معالم أولويات «العدالة» الدولية في التعاطي مع الملف الاسرائيلي. اذ قال، لا فض فوه، بالأمس ان الفلسطينيين «نالوا ما يكفي من التعاطف»، واستبعد أي مفاوضات سلام قبل «اتخاذ السلطة الفلسطينية إجراءات كفيلة بوضع حد للإرهاب».
خير... خير...، عسى خير!!