فكري كمون: ما الذي يجعل كتاب سيناريوهات الأفلام والمسلسلات لا يأخذون عن الأعمال الروائية التي بذل أصحابها جهدا كبيرا في تأليفها ومعالجة فكرتها وتوفير كل جوانب الموضوعية في رسم شخصياتها فضلا عن تأكيد الرسالة الانسانية التي تحملها مما يجعلها ترقي الي المستوي العالمي وبالتالي تحقق النجاح للعمل الفني اذا ما عولج في مسلسل أو فيلم؟.. ثم ما الذي يجعل بعض الأعمال التي تؤخذ عن روايات لا تحقق النجاح المأمول لها؟ وهل يرجع ذلك الي عبث في الروايات أو في نوعية كتاب السيناريوهات الذين يأخذون عنها أو في تدخل غير لائق من المخرجين أو جهات الإنتاج فيها؟ ترانا امام مناخ عام يزكي عناصره الفاسدة منتجون وشركات انتاج ترضي بالاعمال المسلوقة التي يكتبها محترفون جاهزون في كل الأوقات وعلي وجه السرعة لزوم المناسبات وبالتالي تراجع مؤشر ريادتنا درجات كثيرة وصرنا في حاجة الي سفينة نوح تنقذ الدراما المصرية وتحمل علي متنها صفوة من يكتبون ويعشقون الاجادة تاركة الجهلة من تجار البضاعة الفاسدة يذويهم الطوفان وحيث لا تنفعهم جبال أموالهم التي جمعوها من سفهاء الانتاج الذين يروجون البضاعة ظنوا أن المشاهدين سعداء بها وهم قد اذعنوا لها يأسا بعد أن طحنتهم شئون الحياة المادية اليومية.
انتعاش الرواية ولكن..؟
الروائي الكبير خيري شلبي يعاني جراح هذه القضية ليل نهار ومن الالف إلي الياء :
في البداية يؤكد أن الرواية منتعشة حاليا في مصر والعالم العربي بشكل مبهر ولكن كتاب السيناريو المحترفين "فوريجية" ايديهم ماكينة تحول أي شيء الي مادة تليفزيونية وعقلهم ماكينة وكذلك وجدانهم وهمم أنفسهم تحولوا الي آلة.. والماكينة : معدن مبرمج يخلو تماما من الحس والشعور والفكر بعضهم يعيش علي الافلام الاجنبية ويعيد صياغتها أو تمصيرها تمصيرا مفككا غير قابل للتصديق أو يعيش علي المسرحيات العالمية المنشورة بأخذ المسرحية ويقترح بدائل لها في المجتمع المصري أو يفرض عليه ما ليس فيه وما لا يتقبله من حوارات وشخصيات والقلة القليلة منهم هم الذين ينتبهون الي الرواية واذا انتبهوا إليها يكون ذلك "لقلة امانتهم" يفضلون سرقة الرواية ونسبتها اليهم ليحصلوا علي اجر السيناريو والحوار وليذهب مؤلف الرواية الي الحجيم.
أسوأ ما في النص
بل انه اذا كان لدي السيناريست بعض الامانة واعترف بأنه ينقل عن رواية آو نص ادبي فإنه يأخذ أسوأ ما في النص ويطوره الي الأسوأ والأسوأ ويترك العصب الحي في الرواية هربا من الرقابة من ناحية أو تمشيا مع الذوق المتدني للمسلسلات في معظم الاحيان وكانت النتيجة أن المسلسل المصري قد انحط انحطاطا بالغا في الخمسة اعوام الأخيرة وأصبح "الحريفة" يفبركون الحلقات والشخصيات ويقبضون الملايين من أموالنا وفي نفس الوقت يدمرون أذواقنا ومستقبل عيالنا.
بضائع مضروبة
إنهم يعرفون ما يباع ولا يباع مثل باعة الاسواق الذين يجمعون البضائع المضروبة ويبيعونها علي النواصي بالاسواق بأسعار رخيصة بمصاحبة ضجيج هائل كما يحدث عندنا وكل نجم يجمع له بطانة وينزلون دعاية وإعلانات ضخمة حول جودة المسلسل القادم فاذا رأينا هذا المسلسل القادم وجدناه سما وبضاعة انتهت صلاحيتها.
سماسرة ومقاولون
* ولكن ماذا عن دور جهات الانتاج.. يقول خيري شلبي إنها أصبحت نوعا من السماسرة والمقاولين.. لقد تحول العمل الفني حاليا الي عملية مقاولات كل واحد تمر عليه العملية يقتطع جزءا من ربحها الي ان تضيع الميزانية بين ايدي كثيرين من أفراد طاقم المقاولة ولا يبقي منها شيء للفن.. كذلك فإن الانتاج دخله من لا يعرفون شيئا عن الفن يتعاملون بمنطق الربح والخسارة "والود" وتقديم صور عارية تبيع بالملايين بصرف النظر عما يحدثه ذلك من اضرار في المجتمع وهذه هي الكارثة.
سوريا تنفرد
وأين الأمل اذن في هذا الجو؟ يؤكد الروائي الكبير خيري شلبي أن الأمل في الدراما السورية التي بدأت تنفرد بأسواق الفضائيات العربية وتجد استجابة كبيرة لدي الجماهير ويكفي أن تعلم مثلا أن اعظم مسلسل عربي في رمضان كان سوريا وهو بعنوان "ليالي الصالحية" تأليف واخراج وانتاج الفنان السوري بسام الملا وهذا التقييم بشهادة عدد مرات عرضه وطلب الجماهير له علي مختلف القنوات وما اثاره من ردود فعل بين الناس بعضهم البعض ناهيك عن مسلسل "الطريق الي كابول" وهو عمل عظيم ومسلسل "الخوالي" وهو سوري ايضا حيث تري في هذه المسلسلات موضوعات تهم الناس وتهم مشاعرهم وواقعهم الدولي ونري نصا علي أعلي مستوي وتمثيلا راقيا افتقدناه في مصر منذ رحيل عبدالله غيث وأمثاله أو اخراجا مستنيرا فقدناه ايضا في مصر منذ رحيل نورالدمرداش ويوسف مرزوق وغيرهما ومنذ أن طلع علينا هذا العدد الهائل من المخرجين "الفوريجية" الذين زاحموا اسماعيل عبدالحافظ وزحزحوه الي بعيد هو وأمثاله واذكر هنا ان قطاعات الانتاج الاخري هي لا تنتج ولكنهم يكلفون المنتج المنفذ أو المشارك كذلك.
لجان وخطط والحل؟
الحل يقتضي تكوين لجان علي أعلي مستوي تجتمع وتضع خططا للانتاج الصحيح وكيفية إتمامه انها مسألة قومية يجب بحثها علي نطاق أوسع.
أدوات بحث
* ولكن الدكتور ممدوح البلتاجي وزير الاعلام بدأ في اتخاذ خطوط في هذا الاتجاه؟
يقول: الحقيقة ان الدكتور البلتاجي يجرب أدوات بحث ولم يدخل في دور التطبيق والتنفيذ انه يهييء المناخ لما يمكن ان يحدث مستقبلا وهذا فأل طيب أن يكون هناك رجل يهتم ويدرك مدي الخطورة ويبحثه ونتعشم ان تكلل جهوده بالنجاح وترشيد ماكينة الضخ البرامجي والدراما.
الروايات كثيرة
المجتمع التي يمكن تناولها في أعمال درامية؟
الروايات موجودة وكثيرة وتكفي لعمل مسلسلات علي أرقي مستوي بل ان روايات نجيب محفوظ كلها لا تزال بحالها إن لديه روايات لو اتعملت بشكل جيد فإنها سوف تهز الدنيا ناهيك عن رواياتي وروايات صنع الله ابراهيم وجمال الغيطاني وبهاء طاهر واحمد الشيخ ويوسف القعيد ان في مصر حركة روائية كبيرة.
مخرجون لا يقرأون
* إذن أين تكمن المشكلة؟
المخرجون لا يقرأون وانما يسمعون وحينما يتصل بك مخرج يحدثك عن رواية لكم تفاجأ بأنه قد سمع عنها ويريدك ان تلخصها له وهذا شيء محبط للكاتب لانه من المفترض ان يكون المخرج قد قرأ عشرات الروايات وانتقي من بينها وتفاعل مع اختياره ثم يعرض الامر علي الكاتب ويناقشه ثم ينسق مع كاتب السيناريو ويفعل نفس الشيء مع مدير التصوير ومع طاقم التمثيل ثم مع الفنيين وجهة الانتاج هذه هي الخطوات الصحيحة للعملية الفنية كما يجب.. انه عندما اخذ عن رواية كفر عسكر لاحمد الشيخ نجح العمل وكذلك عن روايتي "الشطار".
الرواية ملعبي
* رواية "الوتد" من تأليفك وقد كتبت لها السيناريو والحوار لماذا لا تفعل ذلك مع "وكالة عطية" التي بدأ المخرج رأفت الميهي في كتابة السيناريو والحوار لها؟
يقول شلبي: الجهد الذي يبذل لكتابة السيناريو والحوار يكفي لأن اكتب عدة روايات فأنا لست باحثا عن مال ولكني مشغول بهموم اجتماعية احب ان اعبر عنها في قالب روائي والرواية هي ملعبي.. واذا كنت لاعب كرة قدم ماهر وانتقلت لألعب كرة سلة سأكون لاعبا من الدرجة العاشرة لأن اللعبة الاولي لا اجيدها واذا نجحت مرة في كتابة السيناريو فليست شرطا أن أنجح في الثانية لأن السيناريو صرخة من يجيدها ويتعلمها أما الرواية فهي موهبة تمنح لعدد قليل من البشر وهي موهبة مضاءة للكسب المادي وصاحب هذه الموهبة بالضرورة تموت فيه الطموحات المادية أما رغبته في التوهج الفني وأؤكد أن لدينا كتاب سيناريو مجيدين مثل اسامة عكاشة ووحيد حامد ومحفوظ عبدالرحمن وطه حسين سالم مؤلف "أوراق مصرية" وقد فقدنا مؤخرا محسن زايد واسامة غازي وأؤكد انه سيأتي لنا كتاب سيناريو جدد متميزون من خريخي معهد السينما لديهم الحماس والثقافة والأهم انهم يقرأون وقد بدأت أقرأ اسماء بعضهم ولكنهم لم يوضعوا بعد في المحك لابراز مواهبهم.
50 سنة اذعان
* ولكن لماذا نغفل اقبال جمهور المشاهدين علي الأعمال الرديئة المسلوقة التي تنتج حاليا؟
يجب ألا تحمل المشاهد أي مسئولية لأن التليفزيون الذي اقترب عمره من الخمسين قد أوجد مشاهد ظل علي مدي هذه السنوات متلقيا سلبيا اعتبار أن يتلقي محسب انها خمسون عاما من "الاذعان" ان الاعلام المصري ظل طوال ال 50 عاما كما هو لم يتغير علي الاطلاق رغم تغير المجتمع وتغير العالم كله ظل إعلاما تعبويا "اعلاما" بمعني الكلمة يعبيء الناس لموقف او لفكر أو لمشروع فحول المشاهدين الي ادعية للتلقي مات فيها الفكر المجادل ماتت روح الجدل وروح التحاور.
ان الجمهور ليست له فعالية في اختيار المادة المذاعة حتي لو اغلق التليفزيون وهو يغلقه بدافع السأم وينصرف عن الكثير مما يعرضه ان الناس يتكلمون في الشارع عن سقوط المسلسلات ومع ذلك فإن التليفزيون يستدعي الممثلين والمؤلفين والمخرجين لها يتحدثون عن امجادهم الزائفة وكيف نجح الذي لم ينجح ويستضيفون جمهورا يمتدح.