مع اقتراب الموعد المقرر للانتخابات العراقية في نهاية الشهر الجاري، يبدو المشهد العراقي على أرض الواقع منقسماً على نفسه، فعلى الرغم من اتفاق العراقيين ـ من حيث المبدأ ـ على ضرورة إجراء انتخابات تشريعية من أجل إقامة نظام ديمقراطي منتخب، إلا أن الجدل حول موعد الانتخابات تحول إلى مشكلة في كل الاتجاهات، بين من يطالب بإجرائها في الموعد المذكور كطريقة لإنهاء الاحتلال .
وتشكيل حكومة وطنية منتخبة تقوم بإعادة إعمار البلاد وبين من يرى أن الظروف الأمنية لا تسمح بإجراء انتخابات نزيهة في ظل الاحتلال، وبالتالي الخوف من أن لا تحقق هذه الانتخابات أهدافها المرجوّة، بل والخوف من أن تشكل مدخلاً إلى حرب أهلية مدمرة كما حدث في الجزائر.
ومع أن الرؤيتين تبدوان منطقيتين، إلا أن الأمر لا يخلو من حسابات سياسية داخلية تتعلق بقوى مستفيدة من الانتخابات بحكم أغلبيتها وبسبب الوضع السياسي الجاري الذي ينصب في صالحها ومصالحها، وبين قوى باتت تجد نفسها أمام معادلة الإقصاء والتهميش يوماً بعد آخر بفعل هذا الوضع، وبين قوى ترى ان الظروف الأمنية غير مهيأة بعد لإجراء هذه الانتخابات.
لعل السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هنا هو: هل حقاً يمكن إجراء انتخابات حرة نزيهة تعبر عن إرادة الشعب العراقي في ظل الظروف القائمة حيث الاحتلال وتواصل العمليات العسكرية الأميركية بموازاة حرب السيارات المفخخة؟
لا أعتقد أن المتابع لأخبار العراق من عمليات دموية تحصد أرواح العشرات يومياً سيقول إن المناخ الأمني في البلاد متوافر لإجراء انتخابات نزيهة، إذ أن الظروف الأمنية تبدو غير مهيأة لإجراء مثل هذه الانتخابات باستثناء المناطق الكردية في الشمال التي تعيش في ظل ظروف أمنية مقبولة نسبيا بينما يبدو الوضع الأمني المتفجّر في باقي مناطق العراق .
ولا سيما في الوسط أو ما يسمى بالمثلث السني خارج سيطرة الحكومة العراقية وحتى قوات الاحتلال الأميركية، فالهجمات الدموية تطال الجميع بدءاً من قوات التحالف والقوات العراقية الحكومية وليس انتهاء بالسفارات والبعثات الدولية وحتى الأماكن المقدسة من إسلامية ومسيحية، وهي في كل يوم توقع عشرات الضحايا بين قتيل وجريح..
. فكيف يمكن إجراء الانتخابات في ظل هذا الوضع الأمني المتدهور؟ في الواقع، إذا كنا نريد انتخابات ديمقراطية معبّرة عن إرادة الشعب العراقي، فإنه ينبغي السؤال عن قانون انتخابي، تطرح الأحزاب العراقية من خلاله برامجها السياسية لعراق المستقبل ضمن محيطه العربي والإسلامي.
وكذلك لابد من إعطاء المهلة الكافية للمرشحين لطرح برامجهم الانتخابية، فهل الظروف مهيأة لكل هذا؟ ثم قبل الحديث عن القوائم الانتخابية وسن قانون للانتخابات، ألا ينبغي إجراء إحصاء عام للعراقيين بعد كل ما جرى والحديث عن دخول العشرات من الآلاف من الخارج إلى البلاد؟
ان الانتخابات كي تحقق أهدافها في التأسيس لنظام ديمقراطي تشمل الرئاسة والحكومة والبرلمان وبالتالي مجمل مؤسسات النظام في البلاد يجب أن تأخذ هذه القضايا وغيرها بعين الاعتبار لأنها من مسلمات أو الأسس الناجحة لإجراء انتخابات تحقق أغراضها الحقيقية المنشودة.
الكلام السابق لا يعني بالضرورة عدم إجراء الانتخابات في موعدها المقرر أو تأجيلها إلى موعد آخر، لكنه يعني في جملة ما يعني أن الموعد المذكور ليس مقدّساً، هذا أولاً، كما أنه يعني ضرورة بذل جهود ضاغطة من قبل الحكومة.
ومختلف القوى العراقية وكذلك من قبل الإدارة الأميركية على نحو اتخاذ المزيد من الخطوات السياسية لجعل إجراء الانتخابات في موعدها المقرر مسألة ممكنة من حيث الظروف والمناخ السياسي ومستوى المشاركة فضلاً عن الاجراءات اللازمة لضمان سير العملية الانتخابية ونزاهة الانتخابات..
. وقبل كل هذا أو ذاك أن تكون هذه الانتخابات مدخلاً لتسليم السلطة بشكل حقيقي إلى العراقيين والدفع بالعملية الدستورية إلى أرض الواقع من أجل ممارسة السيادة الوطنية بما يعني هذا الأمر رحيل قوات الاحتلال أو تحديد موعد محدد لذلك.
مهما يكن، فإن المسألة المهمة هنا وبغضّ النظر عن الجدل الدائر بين الذين يؤكدون على ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها المقرر وبين القائلين باستحالة إجراء مثل هذه الانتخابات في ظل الاحتلال والظروف الأمنية التي تمر بها البلاد، فإن هذا الجدل لا ينبغي له أن يعطل مسألة البحث عن موعد لرحيل الاحتلال، واستكمال مقوّمات السلطة الوطنية وسيادة العراق ووحدته.