عزيزي القارئ، لقد كتبت هذه المقالة، احتفاءً وتكريماً لما يزيد على الثلاثين عاماً من الخبرة في كتابة العمود الصحفي الساخر، التي خلفها لنا الكاتب الأميركي المشهور "ديف باري"، بتقاعده خلال هذا الشهر. وقد كان هو من ابتكر نمط كتابة أعمدة نهاية العام، التي أصبحت تقليداً صحفياً راسخاً الآن. ولعل هذا هو ما كان سيقوله "ديف باري" حول الأحداث ذات الصلة بالمنطقة العربية خلال العامين الماضي والحالي. فالأحداث كلها تشير إلى أفق ووعد العلاقات العربية- الأميركية. فها هو الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، الذي زار المنطقة العربية أربع مرات خلال العام الماضي 2004، ضيفاً ومتحدثاً في عدد من المؤتمرات، قد أعلن عزمه تخفيض الرسوم التي يتقاضاها كزائر للمنطقة، علماً بأنه يتقاضى عن كل زيارة ما يقارب مبلغ ربع مليون دولار. فعلى الرغم من أنه سيطالب بمبلغ الـ200 ألف دولار عن كل ربع ساعة من الحديث يدلي به في تلك المنابر، إلا أنه أعلن اعتزامه توفير مواصلاته الخاصة، بدلا من تكليف منطقة الخليج بتوفير طائراتها الخاصة التي تقله إلى كل مناسبة من تلك المناسبات. وخلال المؤتمرات الخمسة التي ستعقد في العالم العربي خلال هذا العام، سيحصل كلينتون على مبلغ المليون دولار المستحقة له عن حضور تلك المؤتمرات، إلا أنه يقترح أن يتبرع بالأموال الخاصة بالتنقل إلى مؤسسة مونيكا لوينسكي للغسيل الجاف، أو لكافتيريا بيل كلينتون الجديدة، التابعة لمكتبته في أركانساس.
ومن جانبها واصلت وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" العام الماضي، نهجها في حسن إنفاق أموال دافعي الضرائب الأميركيين، وذلك بنجاحها في إنفاق مبلغ نصف مليار دولار في إرسال مسبار آلي إلى كوكب المريخ، تمكن من التقاط وبث صور لصخور عثر عليها في سطح الكوكب، تكاد تكون مطابقة لأية صخور يمكن أن نراها في أي من صحارينا هنا في الأرض. قيمة هذا الاكتشاف العظيم، أن الصخور تبدو متشابهة أينما وجدت، وكما تعلم فإن ذلك يعد تقدماً علمياً هائلا في مجال المعرفة الإنسانية!
وعلى الرغم من أن أسامة بن لادن ظل حراً طليقاً في أجزاء واسعة من منطقة الجبال الأفغانية- الباكستانية، إلا أن الأميركيين سيتمتعون بنوم هانئ وأكثر اطمئناناً هذا العام، بسبب ملاحقة السلطات الأمنية وإلقائها القبض على مارتا ستيوارت، الملكة الطيبة التي تعيش بيننا في مانهاتن، لاتهامات تتعلق بأنشطة تجارية سرية نسبت إليها، في سوق البورصة والأوراق المالية. وفيما لو تمكنت من الهرب بتلك الأرباح السرية المقدرة بنحو 45 ألف دولار، فإنها ستضاف إلى شبكة ثروات الآنسة ستيوارت العالمية، البالغة نحو 500 مليون دولار. فحمداً وشكراً لله أن تم إلقاء القبض عليها. فهي الآن تقضي فترة سجن تمتد لستة أشهر، تقوم خلالها بإعادة تزيين وترميم السجن الذي حبست فيه. فمع كل هذا المكسب، من يلقي بالا أو اعتباراً لأسامة بن لادن؟
ثم إن هذا العام الأخير، كان عاماً طيباً بالنسبة لمنتجي ومستهلكي النفط على حد سواء. فلما كان سعر برميل النفط الواحد قد بلغ 50 دولاراً، فقد كان لهؤلاء المنتجين والمستهلكين، تأثيرهم الإيجابي على التفكير بأميركا، بوصفها أكبر دولة مستهلكة للنفط. وعلى إثر جلسات استماع عديدة عقدها الكونجرس حول ارتفاع أسعار الجازولين –إذ تجاوز سعره الدولارين في محطات التزويد- قرر الكونجرس أنه لا طائل من فرض ضرائب جديدة على الجازولين، طالما أن الهدف هو حث المستهلكين على تقليل الاستهلاك. بدلا من ذلك، فقد تم تشجيع محطات البنزين على زيادة حصصها اليومية ببضعة أمتار، مما سيكون له انعكاس إيجابي على تشجيع قطاع التكنولوجيا الأميركية. وعلى الصعيد السياسي، ينهمك المحافظون الجدد في مناقشة خطط تستهدف غزو إيران، باعتبارها إحدى أكبر الدول المنتجة للنفط. ولا ريب أن هذه القرارات، تتسم بالحكمة ونفاذ البصيرة.
واليوم وقد بتنا في عام 2005، فإن مسار الأمور واعد ويحمل على الكثير من التفاؤل. فالشاهد أن توماس فريدمان، الكاتب والمعلق الصحفي الأميركي المعروف، الذي كتب ما يقارب المئة عمود صحفي في العام الماضي، كرسها جميعاً لتوضيح الكيفية التي كان بها الغزو الأميركي للعراق، خطوة إيجابية لصالح العراقيين والعرب معاً، وكيف أن جميع العرب أغبياء، يبدو أنه سيكرس العام الحالي كله للكتابة عن إسرائيل! وفي أعمدته الصحفية الجديدة "المحسنة" هذا العام، يتوقع أن يوضح لنا، كيف أن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، مفيد للفلسطينيين، ولماذا لا يزال جميع العرب أغبياء أيضاً؟ كما قطع السيد فريدمان على نفسه عهداً بألا يغادر قاعات النقاش والمؤتمرات العربية، حانقاً غاضباً هذا العام.
أخيراً وفي إسرائيل، فسيقدم رئيس وزرائها أرييل شارون –الذي برز في العام الماضي رجلا للسلام، بتعهده بتنفيذ خطة الانسحاب الأحادي الجانب من قطاع غزة، بعد أن يكون قد فرغ من تدميره وتحويله إلى حطام، في حين يواصل احتفاظه بأراضي الضفة الغربية - سيقدم الدعوة هذا العام لصديقه شيمون بيريز- وهو رجل سلام إسرائيلي آخر، مسؤول عن بناء 100 مستوطنة يهودية- كي يشاركه في عملية صنع السلام! وقد أوضحت الصحف الإسرائيلية التي تابعت وغطت المحادثات بين الرجلين، أنها تتعلق بكيفية صنع هذين الشريكين للسلام، وأنه لا علاقة لها بأولئك الفلسطينيين، الباعثين على الضيق والنكد دائماً. وفي مقال رئيسي عن "شبكة العربية للأخبار"، نشر في مجلة "نيويورك تايمز" الصادرة يوم الأحد الماضي، قال الكاتب إن الفضائيات السعودية، قررت هذا العام –وفي ظل الترتيبات الإدارية الجديدة- حجب عبارة "قوات الاحتلال الأميركي" من كافة المواد والتعليقات التي تبثها حول العراق، بحيث يتم استبدالها بعبارة "القوات المتعددة الجنسيات". ولك أن تتأكد من صحة هذه المعلومة بنفسك، عبر زيارة قسم المجلة، بالموقع الإلكتروني لصحيفة "نيويورك تايمز".
وفيما يتصل بـ"شبكة العربية"، فإن مصادري لم تتأكد بعد، مما إذا كانت هذه الشبكة ستتوخى التغطية المتوازنة لأخبار الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، بحيث تظهر هذه التغطية مدى قسوة وفظاعة رماة الحجارة الفلسطينيين، على شباب الجنود الإسرائيليين، البض.. المتفتح كما الورود الصبية! وإياك أن تنسى أنه ربما شملت هذه التغطية الإعلامية الجديدة المتوازنة، تجنب الإشارة إلى "الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية". وربما كان المصطلح الجديد الذي سيستخدم للإشارة إلى الأراضي العربية المحتلة من قبل إسرائيل في كل من فلسطين وسوريا، هو "الأراضي المتنازع عليها". ولكن ليست ثمة تأكيدات بعد، على هذه الاحتمالات. وبحسب المقال، فإن المؤكد والذي يمكن الجزم به، هو أن "شبكة العربية"، ستبين لنظيرتها "الجزيرة" كيف تتم تغطية الأخبار، على نحو معتدل ومهني؟.
وكل عام وأنتم بخير.