الحساسية الإيرانية المفرطة من جراء استخدام مجلة "ناشيونال جيوغرافيك" العريقة لتسمية الخليج العربي والإشارة إلى جزر الإمارات المحتلة جديرة بالتمعن، ورد الفعل الذي يرى مؤامرة في استخدام هذه التسمية رد فعل غير ناضج ولا يليق بدولة بحجم وعراقة الجمهورية الإيرانية. كما أن اللغة المستخدمة تنم عن شوفينية فاضحة وتعود لزمن سابق في تاريخ علاقات المنطقة. ومن ردود الفعل الإيرانية المتسرعة معرض الخرائط التاريخية والذي أرادت إيران من خلاله أن تؤكد أن الخليج فارسي وليس عربيا. كما تبع ذلك مجموعة من ردود الأفعال المتشنجة نستعرض هنا بعضاً منها: فالبرلماني الإيراني سليمان جعفر زاده هدد بالمطالبة بالبحرين وبأجزاء من الإمارات إذا استمرت "مزاعم الجزر الثلاث" على حد تعبيره. أما الـ"برشيان جورنل" فذكرت أن مواقع إلكترونية نشرت معلومات تثبت "فارسية" الخليج لدحض ادعاءات العرب، وذكرت أن 85 ألفاً من مستخدمي هذه المواقع يطالبون "الناشيونال جيوغرافيك" بالاعتذار عن تسمية الخليج بالعربي. وانتقدت صحيفة "اعتماد" الإيرانية مواطنيها الذين يفضلون الاستثمار في الإمارات وزعمت أن النظام الشاهنشاهي تخلى عن مطالباته بالبحرين والإمارات لكونها مناطق صحراوية جرداء.
ولم تسلم دورة الخليج الرياضية من الغضبة الإيرانية فانتقدت نشرة "باتزاب" مشاركة عُمان واليمن في الدورة بزعم أنهما لا تطلان على الخليج العربي. واستمراراً في إقحام الرياضة في هذا الخلاف حول التعريفات الجغرافية، هدّد نائب الرئيس الإيراني محسن علي زاده بمقاطعة دورة الألعاب الآسيوية التي ستجري في الدوحة في 2006 إذا استخدم تعبير الخليج العربي بدلاً من الفارسي. واستكمالاً لهذا الفصل المضحك والمبكي أعلن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية حميد علي آصفي، حسب ما ذكرت وكالة "إرنا"، أن "الناشيونال جيوغرافيك" قدمت اعتذاراً خطياً بسبب تسميتها للخليج بالعربي بدلاً من الفارسي وأعلنت عن استعدادها لتصحيح ذلك الخطأ، وتبع ذلك التهليل بالانتصار الإيراني في المعركة مع المجلة الأميركية وعودة تعريف الخليج بالفارسي في أطلسها.
ردود فعل عديدة على موضة "الضرب في المليان' تطال الرياضي والتاريخي والجغرافي والسياسي والاقتصادي، وكل ذلك لأن مجلة متخصصة في الجغرافيا والرحلات استخدمت تعبير الخليج العربي وذكرت أن جزر الإمارات الثلاث جزر محتلة.
والموضوع بطبيعة الحال يتجاوز الحساسية الجغرافية للإيرانيين. فالخلاف حول التسميات ظاهرة عالمية والمفروض التعامل معها بطريقة حضارية. فالقنال الإنجليزي كما يسميه الإنجليز هو بحر المانش للفرنسيين دون ضجة ودون عنتريات ودون حاجة لمعارض الخرائط التاريخية والتهديد بمقاطعة الدورات الرياضية. ولكن طهران، ومن خلال هستيريا التسمية للخليج العربي، تتحرك من خلال شعور داخلي وتصور لموقعها كالقوة الرئيسية في الخليج العربي. ومن هذا الواقع نجد أن الأدب والدبلوماسية الإيرانية التقليدية والتي نراها في العديد من المواقف تحل محلها التصريحات المتحسسة حين يتعلق الموضوع بالخليج العربي سواء شمل الموضوع التسمية أو الخلاف مع الإمارات حول جزرنا المحتلة، أو تناول الموضوع أمن هذا الجامع المائي والذي يربط بين إيران وجيرانها العرب.
من المهم والضروري أن تتطور العلاقات العربية-الإيرانية وأن يسود التعاون والثقة بين الجانبين، ولتحقيق ذلك نجد أن التهويل والحساسية من اسم الخليج وهل هو عربي أو فارسي جدل بيزنطي عقيم لا يخدم علاقات الجيران، ولا يليق بالقيادة السياسية الإيرانية أن تتعامل معه بهذه الروح العنصرية والشوفينية، فنحن في الجانب العربي سنسميه بالعربي وإيران ستسميه بالفارسي وستستمر هذه الممارسة ما حيينا، أما المصادر الغربية فهي أيضاً ستختلف على التسمية ويلجأ بعضها إلى التسمية المحايدة، أي الخليج، دون عربي أو فارسي.
من المهم ومن الضروري تجاوز القشور في العلاقات العربية-الإيرانية والتعامل مع القضايا الحقيقية والتي تتصل بجوهر هذه العلاقات. ومن خلال مثل هذا التصور لابد من تغليب العملي والواقعي على العاطفي، ومثل هذه المقاربة تشمل حزمة من القضايا والتي تشمل جزر الإمارات المحتلة ومستقبل العراق والأمن في المنطقة والتي لابد من التباحث حولها من أجل تقريب وجهة النظر حولها. وبرغم أن الهوة في بعض الأحيان كبيرة إلا أن تفكيك العقد الموجودة في العلاقات ضروري أكثر من اسم هذا الخليج والذي سيستمر الاختلاف حول اسمه.