«الأمم المتحدة تختار قطر مركزاً لحقوق الإنسان في غرب آسيا والعالم العربي»، هكذا ورد الخبر على شاشة «الجزيرة» يوم السادس من يناير (كانون الثاني) 2005، والسؤال للأمين العام للأمم المتحدة ولكل نشطاء حقوق الإنسان داخل المنظمة الدولية وخارجها في المجتمع المدني العالمي Global Civil Society، هو: لماذا قطر؟!
نحن نعرف أن الميثاق العالمي لحقوق الإنسان يكفل حرية الاعتقاد، وكذلك حقوق المرأة، والحقوق الاقتصادية الخاصة بالعمال، فترى ماذا يميز قطر عن دول الجوار في هذه القائمة المعروفة أو ما يمكن تسميته بـ Check List، التي تؤهل الدولة لكي تصبح مركزاً لحقوق الإنسان.
مثلاً في ما يخص الاعتقالات السياسية أو التعذيب، هل تغيّر سجل قطر خلال العشرين سنة الفائتة في تعاملها مع معارضي النظام السياسي؟! الإجابة هي قيد التقارير المنشورة من قِبل كل منظمات حقوق الإنسان العالمية، سواء أكانت منظمة العفو الدولية Amnisty International، أو منظمة مراقبة حقوق الإنسان المعروفة بـ Human Rights Watch، هل يمكننا القول إن حرية الرأي والتعبير مكفولة في قطر لكل المواطنين؟ أم أن جماعة الأمم المتحدة «زغللت» عيونهم أضواء شاشات «الجزيرة» فأعمتهم عن رؤية ما خلف الشاشة، والأمر واضح لكل المواطنين في المنطقة العربية، ان «الجزيرة» لا تقول لنا شيئاً عما يحدث في قطر، عدساتها فقط حرة خارج حدود قطر، وخصوصاً تحت نير الاحتلال الخارجي، أما الاحتلال الداخلي فلا حديث عنه مطلقاً، صم، بكم، عمي، لا يرون ما تحت أقدامهم.
ترى يا سيادة الأمين العام: ماذا سيحدث لو أن مواطناً قطرياً قرر أن يمارس حقه في حرية الاعتقاد ! هل سيحميه مركز الأمم المتحدة الجديد لحقوق الإنسان؟! أم أننا سنجعل من مواثيق حقوق الإنسان «مسخرة» ومحل ازدراء حتى من الدول الموقعة على هذه المواثيق؟!
إن قراراً مثل جعل دولة ما، أياً كانت، مركزاً لحقوق الإنسان، لا بد أن تحكمه مجموعة من المؤهلات تخص الدولة المضيفة، فما هي مؤهلات قطر في هذا المجال؟ هل نسي سيادة الأمين العام أن هناك ما يسمى بـ«الحقوق الثقافية» للأقليات وأصحاب المذاهب المختلفة؟ هل نسيت الأمم المتحدة أنه وقبل اتخاذ مثل هذا القرار، يجب أن ننظر في سجل الدولة في ما يخص حقوق العمال، وقضية الكفالة، في ما يخص العرب الفقراء، والوضع المزري للعمالة الآسيوية الذي ينم عن عنصرية بغيضة هي أبعد ما تكون عن مسألة حقوق الإنسان؟
ليس لديّ أي تفسير لقرار كهذا سوى أن فريقاً من أصحاب المصالح Lobyists))، دفعت لهم مبالغ طائلة فقدموا مرافعة عن هذه الدولة أو تلك لكي تصبح مقراً لحقوق الإنسان مرتبطاً بالأمم المتحدة، هي مسألة وجاهة اجتماعية بالنسبة للدول كما يحدث في ترشيح الأفراد لجوائز بعينها أيضاً من أجل الوجاهة الاجتماعية.
هل يعقل أن تكون الدولة التي تصدر منها فتاوى الشيخ القرضاوي وأمثاله المبررة للإرهاب ولقتل المدنيين هي دولة المقر الإقليمي لحقوق الإنسان؟ أم سيختلط الأمر بين فتاوى الشيخ وتقارير المركز الجديد؟
ولكي لا أكون متجنياً على قطر، أو على قراركم، أقول وبصراحة، إن هذه البقعة من العالم هي أبعد ما تكون عن التصور الكامل لمواثيق حقوق الإنسان، نحن لا نتحدث عن السويد أو النرويج أو هولندا، نحن نتحدث عن عالم يكفّر الآخر المختلف ليس على مستوى الديانة، إنما على مستوى المذهب، نحن في ساحة تمييز ضد المرأة مهما تكون قد شغفت حباً بمرآة الدعاية التي زارت المقر، قضية حقوق الإنسان أكبر بكثير من أن تسترخص في حملة علاقات عامة لدولة ما أياً كانت هذه الدولة.
وثمة إشارة اخيرة، بوسع أي انسان ان يتفهم ازدواج المعايير Double standards، او الكيل بمكيالين مع الدول في سياساتها واجندتها، ولكن هذا يصبح غير مفهوم مع منظمة دولية تأتمنها الاسرة الدولية على منظومة من المبادئ والقيم التي لا تقبل المساومة. فقد افهم لو ان الولايات المتحدة مثلا هي التي منحت قطر هذا المركز، لانها بالفعل تحاول تسويق هذا النموذج على ما فيه من تشويش واضح وازدواجية في المعايير، ولكن لا يمكن فهم ذلك من المنظمة الدولية، اللهم الا اذا كانت قد وقعت في فخ الدعاية وتسويق هذا النموذج، وظني ان في الامم المتحدة كثيرين ممن يفهمون الحقائق ولا تنطلي عليهم حملات الدعاية... فلماذا يا كوفي؟