عُرف عن وزراء الدفاع في العالم ندرة تصريحاتهم باستثناء وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد، ومؤخراً لم يعد رامسفيلد منفرداً، بل ينافسه حازم الشعلان وزير الدفاع العراقي. الأخير يوزع الاتهامات، ويهدد بالويل والثبور أحياناً، ويكشف عن حيازته لـ«وثائق» تكسر الكونكريت - كما قال لـ الشرق من قبل حيال التدخل الإيراني في بلاده.
من حق الشعلان أو أي من أعضاء الحكومة العراقية المؤقتة الوقوف في وجه أية محاولة تستهدف أمن العراق، ومن حقه أىضا أن يبذل قصارى جهده - أي تصريحاته - لوقف مسلسل العنف، بعدما أصابتنا البلادة من كثرة سقوط القتلى في العراق.
لكن الشعلان لم يكن مدفوعاً بهذا أو ذاك وهذا سر غرابة تصريحاته، فحينما هاجمت أمريكا قناة الجزيرة، خرج الشعلان باتهام أعده في الكواليس ليقول لواشنطن إنه يعزف على أوتارها نفسها.
وإن كان وزير الدفاع كثير التصريحات لم يعد أمامه إلا إيران وسوريا، فماذا عن وزارته، لم نسمع له كلمة يقول فيها: «إن أكبر خطأ وقعت فيه قوات التحالف أو الاحتلال هو حل الجيش العراقي»، ولم نسمع منه تأففاً على ما تعتزم أمريكا تنفيذه من حيث تسليح جيش العراق - وكلمة العراق هنا لها مدلول كبير وتاريخ أكبر - بعدد محدود من الحوامات ولنشات مائية أشبه بلنشات صيد الأسماك!!
كان الأحرى بالشعلان أن يكرّس جل اهتمامه في تفعيل وزارته ودعمها وتسليح أفرادها، والخروج من السيناريو الأمريكي لكي يجهز جيشاً قادراً على حماية أمن البلاد والعباد إذا ما فشلت أجهزة الشرطة، لكن وزير الدفاع نسي ذلك، أو تناسى، أو آثر عدم الخوض في الممنوعات، لأن هناك مخططاً أمريكياً يقضي بإقامة 4 قواعد عسكرية ضخمة في العراق مهمتها الدفاع عن العراق، وتشكيل قوة تدخل سريع ضد الجيران ليظل اشتعال المنطقة سيد الموقف.
فهل يدري السيد شعلان بحكاية المعسكرات، أو لا يدري؟! ويقال: إن القوات الأمريكية منحت مقاولاً كويتياً عقداً مبدئياً لإعداد معسكر فوكس «الانجليزي سابقاً» لاستيعاب نحو 20 ألف عسكري أمريكي يشكلون قوة تدخل سريع في الأزمات المقبلة.
وحسب توجه الخطاب الإعلامي الأمريكي المحافظ، فإن الأزمات المقبلة ستقتصر على العاصمتين طهران ودمشق، وعلى ما يبدو أن الوزير الشعلان يقرأ المستقبل من زاويته الاستراتيجية فراح يوزع اتهاماته على العاصمتين مانحاً الذريعة لمستقبل أقل ما يقال عنه إنه «أسود» لأنه سيجعل الفوضى سيدة الموقف في منطقة أبت ألا تشهد استقراراً.
وإن كان الشعلان ينطلق من محاولة كشف أسرار العنف ومحاولة لجمه، فهذا حقه وحق كل برىء عراقي يسقط مضرجاً في دمائه، ولكن هل التصريحات كفيلة بوقف حمامات الدماء، لو كانت كذلك لرحبنا بأقوال جميع أعضاء الحكومة المؤقتة وشددنا على أياديهم، ولكن المصيبة أن هذه الحكومة تأبى الاعتراف بالحقيقة المرّة وهي أن هناك محتلاً منح الحكومة أمام شاشات التلفاز حق الحكم والقيادة، بعد عودة السيد بريمر إلى واشنطن، ومازال هذا المحتل يمسك بزمام الأمور فهو الذي يقتحم الفلوجة والموصل ويضرب في الرمادي، ويعين مستشاري البلدية والصحة والزراعة، ويبيع النفط، ويشتري الغذاء والمعلبات وأعواد الثقاب.
وإن كان المحتل يشكل سبباً جوهرياً، فهناك أمور مازالت غائبة أو مغيبة عن التفكير الاستراتيجي لوزير الدفاع العراقي، تكمن في عدم وجود جيش وطني قادر على التدخل وقتما يتطلب تدخله، فلِمَ لم يمارس دوره بتصريح يطالب فيه بشراء آليات وأسلحة لعناصره البشرية؟ ولِمَ لم يقترح إعادة النظر في إعادة تأهيل الجيش العراقي؟ بيد أن مثل هذه الأفكار مغيبة أو من الممنوعات ولم تتبق إلا طهران وسوريا.
وأغرب ما في الأمر أن الشعلان يغرد أحياناً منفرداً، ففي الوقت الذي يشن هجوماً هنا أو هناك، يقف عبدالعزيز الحكيم وهو قيادي شيعي سيكون ضمن النخبة الحاكمة العراقية في سوريا، مؤكداً دورها في دعم العراق، ونافياً عن طهران تدخلها.
فمن نصدق، وزير دفاع مؤقت يعزف أمريكيا أو قيادة عراقية مقبلة تخطط للمستقبل؟ قد تكون تصريحات وزير الدفاع مقبولة إن كان الأمر أو النزاع يتعلق بشركتين متنافستين، أو فريقي كرة قدم، لكن علاقات الدول يجب أن تظل في إطارها، وإلا تحولت اللعبة السياسية برمتها إلى هزل وصياح وميكروفونات وتصريحات ومزاعم بامتلاك وثائق.
مازال العراق في خطر، ومازالت حمامات الدم هي العنوان الرئيسي، ولن يحدث أي تغيير طالما بعض رموز القيادة العراقية يتعاملون مع الأحداث بقرص «بنادول» دون لجوئهم إلى إخضاع المريض لفحص دقيق لمعرفة العلّة ومن ثم استئصالها من جذورها.
ولكن هل بمقدور الحكومة العراقية المؤقتة فعل ذلك؟ الإجابة بـ (لا) كبيرة.. إذن هل الحكومة المقبلة بعد تشكيلها عقب الانتخابات المقبلة، قادرة على استئصال «العلّة»؟ الإجابة بـ (لا) كبيرة.. كبيرة أيضا؛ لأن الانتخابات باتت أشبه بسيارة مفخخة جاهزة لمن يضغط على «ريموت كونترول» ليفجرها في أي لحظة.
لا هذه ولا تلك، إذن ما الحل؟ أو من سيضطلع باستئصال «العلّة»، الإجابة لدى عرابة الحرب المقبلة إلى البيت الأبيض رايس ورئيسها بوش بانسحاب قواتهم وترك العراق لأهله.
والسؤال التالي: هل يمكن أن تفعلها رايس؟ الإجابة أىضا بـ (لا) لأن النفط العراقي لايملك احتياطياً مؤكداً يقدر بـ 110 مليارات برميل، بل أضعاف هذا الرقم ليتفوق على احتياطي السعودية ذاته.
والنتيجة كما يقولون في المثل «... العراق عليه العوض ومنه العوض».