أعلن الرئيس الأميركي «جورج بوش» في أكثر من مناسبة خلال ولايته الرئاسية الثانية عن خطة لهدم سجن «أبوغريب» العراقي الذي احتفظ بصيته السيىء من عهد الرئيس المخلوع صدام حسين وحتى كتابة هذه السطور في السنة الخامسة بعد الألفين ميلادية‚ كما تضمن الاعلان الرئاسي وجود فكرة لانشاء «مركز» جديد في مكان السجن العتيد دون ايضاح لهوية المركز وما إذا كان مركزا صحيا او مركز بوليس او حتى مركز استشارات عائلية‚

ولا اعتقد ان هدم «أبو غريب» سيمحو من الذاكرة العراقية والعربية «الفظاعات» التي ارتكبت فيه على أيدي المحررين دعاة الحرية والديمقراطية خصوصا وان التحقيقات التي اجريت مع بعض المجندين المتهمين بالتجاوزات اثبتت انهم كانوا ينفذون اوامر عليا بإساءة معاملة الأسرى العراقيين‚ ليس ذلك فحسب بل ان المجندين كشفوا للمحققين عن تلقيهم تهاني من ضباط في الاستخبارات الأميركية وممثلين رسميين عن الحكومة لما قاموا به من تجاوزات بحق الأسرى حسب إفادة المجندة الأميركية «ليندي انغلاند»‚

وخطورة فضيحة «أبو غريب» لا تتجسد في كشف التجاوزات وانما في اشاعة جو مشحون بالكراهية والعنصرية في المجتمع الأميركي ضد العرب بصورة عامة والعراقيين على وجه خاص رغم ان الجميع كانوا ضحية للعدوان الأميركي وليس العكس‚ وذلك بسبب المعالجة الخاطئة للأزمة التي اتخذت طابع التهدئة أكثر من الاعتراف بالذنب كخطوة اولى ومن ثم تحمل كامل المسؤولية لوقف التجاوزات الحالية ومعاقبة المسؤولين عنها في السابق‚

وكنموذج للكراهية التي افرزتها ازدواجية التعامل مع فضيحة ابو غريب انتاج شركة أميركية بترخيص رسمي لعبة تدعى «اقتلوا العراقيين» تلعب في الهواء الطلق في «نيوجيرسي» الأميركية عن طريق اطلاق المتنافسين كرات من الطلاء على اناس يرتدون ثيابا مثل العرب‚ وحسب رئيس فرع اللجنة الأميركية ــ العربية لمكافحة التمييز فإن اللعبة «تقول للشباب الأميركي ان يقتلوا العرب وان هذا أمر قانوني ويمكن للمرء ان يستمتع به»‚

والنموذج الثاني اقدام محطة اذاعية في لوس انجلوس على بث تمثيلية هزلية تصور العراقيين على انهم يرغبون في قتل اليهود والزواج من الجمال وان يتجنبوا الاستحمام وان يلتقوا طالبات يابانيات في الجنة‚

ورغم سذاجة الكوميديا الأميركية إلا ان مغزاها واضح في تبرير احتلال الجيش الأميركي لهؤلاء الرعاع وهو عين ما أكدته مديرة برامج «كي‚إف‚اي» التي طلب منها الاعتذار علنا فقالت «ان البرنامج كان يحاول السخرية من العراقيين المتطرفين في العراق‚ وخلال هذا آذينا مشاعر كثير من الناس ونحن نعتذر بشدة»‚

ومن الواضح ان اعتذار المسؤولة الأميركية عن التجاوزات غير اللائقة بحق اخواننا العراقيين بحاجة الى اعتذار آخر يحترم عقولنا وليس مجرد تبرير عنصري خال من أي منطق‚

مهما يكن من أمر فإن اقتراح «بوش» بهدم سجن «أبوغريب» يحمل بصمات عربية حيث اتجهت حكومات عربية خلال العقدين الماضيين الى هدم سجونها المركزية كبادرة حسن نية تجاه شعوبها وايذانا بفتح صفحة جديدة في احترام حقوق الإنسان إلا ان الطبع غلب التطبع وعادت «ريما الى عادتها القديمة»‚

لذلك نقترح على الحكومة العراقية المنتخبة في نهاية شهر يناير الحالي تحويل «أبوغريب» الى متحف حتى تظل التجاوزات الأميركية بحق شعوبنا ماثلة أمام عيوننا ما حيينا‚