هو ذلك التمييز الذي يوجد من أجل تحقيق المساواة وتوفير تكافؤ الفرص‏,‏ ويقوم دائما علي اعتبارات واقعية موضوعية وإنسانية تسعي إلي العدل‏.‏ وهو أمر استقر عليه العمل‏,‏ كما تقبله السلوك البشري‏,‏ ولا يرفضه الفقه ال
أمثلة ذلك في الحياة العامة واضحة‏,‏ وهو يوجد في أمور بسيطة‏,‏ وأخري أكثر تعقيدا‏.‏ من أمثلته في الحياة اليومية تخصيص أماكن لذوي الاحتياجات الخاصة في وسائل النقل‏,‏ ومنها تخفيض أجرة القطارات للمسنين‏,‏ وإعطاء أولوية في ركوب الطائرات لمن معهم أطفاح الطريق والمكان لرجال الدين احتراما لرسالتهم‏.حتي في مجال الرياضة‏,‏ فقد جري العمل علي إعطاء بعض الامتيازات أو النقاط أو التسهيلات لمن هم أقل حجما أو قدرة أو وزنا‏,‏ وذلك من أجل تحقيق التساوي في خط البداية‏.‏ وبذلك فإن التمييز الإيجابي يحقق المساواة ولا يعتبر تحيزا‏,‏ إن اختلاف المعاملة حالة عوي تحقق التساوي‏.‏ إنها عندئذ تصبح إجراء إيجابيا القصد منه تحقيق المساواة وإعطاء فرصة متكافئة لمن تضيق بهم الفرص لأسباب خارجة عن إرادتهم‏.‏ ويمكن إيجاز هذا المبدأ في عبارة مؤداها أن التساوي بين المتساوين يحقق المساواة‏,‏ أما المساواة بين غير المتساويليست مساواة‏.‏ هذا المبدأ هو أساس التمييز الإيجابي الذي أصبح معروفا ومقبولا دوليا‏,‏ حيث يطلق عليه‏PositiveDiscriminat
‏***وقد اهتم المشرع المصري بتحقيق العدل وتوفير كل من تكافؤ الفرص والمساواة‏.‏ جاء ذلك علي مستوي أبو القوانين‏,‏ أي في الدستور‏,‏ الذي نص في م‏40‏ علي ان المواطنين لدي القانون سواء وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الدين أو الأصل أو العقيدة‏,‏ وهي مادة أساسية تدعو لأن يكون كل من التشريع وتطبيق القانون بلا تحيز‏.‏ وكان قبل ذلك نص علي مسئولية الدولة في تحقيق تلك المساواة التي يطالب بها فجاءت المادة الثامنة تقول تكفل الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين‏,‏ مما ي علي الدولة اتخاذ إجراءات إيجابية توفر الفرص المتكافئة حتي تتحقق المساواة‏.ولم تكن الحكمة من الربط بين المساواة وتكافؤ الفرص وتأكيد التكامل بينهما مجرد جدل فقهي‏,‏ بل تضمن الدستور تطبيقا عمليا لها عندما التجأ بعد الثورة إلي إعطاء غطاء امتيازات خاصة للعمال والفلاحين‏,‏ بأن حجز لهم نصف المقاعد ـ علي الأقل ـ في المجالس التشريع

كانت العلة عندئذ‏,‏ والتعليل الذي استند إليه نص التمييز‏,‏ انهم عاشوا محرومين من الفرصة في ظل نظام رأسمالي يسيطر فيه الإقطاع علي العقول والجيوب والأقدار‏..‏ وبالتالي علي الأصوات الانتخابية‏.‏ وما كان في مقدور العامل والفلاح الوصول إلي كراسي النيابةالظروف‏.‏ ولم يكن من العدل أن تظل هذه الفئات المحرومة مهمشة‏,‏ وتأكدت الحاجة إلي إجراء عادل يحقق المساواة عن طريق توفير الفرص المتكافكانت الوسيلة الوحيدة لتحقيق تكافؤ الفرص في تلك الظروف‏,‏ هي تلك التي تفتق عنها ذهن مشرع الثورة واستهدف بها التخفيف من تأثير الظروف السلبية والمناخ السائد الذي كان يمنع المساواة في ممارسة الحقوق‏,‏ فاتخذ اجراء إيجابيا‏,‏ وحقق لهم المساواة وسجل سابقة د تقوم علي شرعية التمييز الإيجابي‏.‏ حقق المشرع المساواة من خلال تمييز هذه الفئات عن غيرهم وإعطائهم امتيازا كبيرا يوفر لهم فرصة دخول المجالس النيابية تحت مظلة واقية تضمن لهم المقاعد في منافسة متكافئة بينهم‏.‏ قام بذلك لإصلاح ميزان العدل الذي كانت كفته ر للأثرياء والقادرين‏,‏ وهاوية في القاع بالنسبة للعمال والفلاحين فأصبح عليه أن يوفر لهم الحماية في نظام اشتراكي يسعي لمساندة المقهور وإعطاء الفرصة المتساوية للجميع
‏***وذهبت الاشتراكية ورحلت‏..‏ وذهبت رأسمالية الإقطاع واختفت‏..‏ ورفع العامل رأسه والحمدلله‏..‏ وأصبح الفلاح سيدا والأمر لله‏.‏ ومازال ذلك التمييز قائما‏.‏ وبغض النظر عن ضرورة إعادة النظر في ذلك التمييز الذي انتفت مبرراته واختفي بذلك قصد المشرع‏(‏ رأي سبق نشره‏)‏ نقول بغض النظر عن ذلك‏,‏ يظل راسخا ما أرساه المشرع من قاعدة ضرورة توفير تكافؤ الفرص للمواطنين الذين يحرمون منإن الحقائق الجديدة التي نعيشها اليوم في مصر‏,‏ والتغيرات الهائلة التي طرأت علي العالم وعلي المجتمعات البشرية كلها بلا استثناء‏,‏ تستدعي التعامل مع الواقع الجديد وهي تشير إلي أن هذه القضية تحتاج لدراسة ووقفة لإعادة تحديد ما هي الفئات التي تحرمها الظروف ئدة حاليا والموروثات السلبية والمفاهيم الخاطئة‏,‏ من الفرص المتكافئة في الوصول لكراسي المجالس التشريعية‏.‏ ثم العمل علي توفير الفرصة لها وحمايتها إعمالا لما جاء في الدستور من مبادئ المساواة‏,‏ وتحقيقا للعدل الذي جاءت من أجله الثورة‏,‏ وتطبيقا لروح وقياسا علي نصه‏.
‏***وقد أدركت جميع الدول‏,‏ سواء المتقدمة منها صناعيا وماديا‏,‏ أو تلك التي مازالت تسعي للارتقاء بمستوي مواطنيها‏,‏ ضرورة مشاركة المواطنين بلا استثناء في مسيرة التطور والرقي‏,‏ وهو هدف يستلزم أمورا ثلاثة‏,‏ أولا‏:‏ توفير الخدمات لجميع المواطنين في ت التي تجعلهم قادرين علي الإسهام في عملية التنمية‏.‏ وثانيا‏:‏ تأهيلهم للمشاركة في اتخاذ القرارات العامة التي تحدد معالم تلك المسيرة وأهدافها ورسائلها‏.‏ وثالثا‏:‏ توفير وتسهيل فرص هذه ال
ومن أجل تحقيق العدل والمساواة وشمول المشاركة‏,‏ تنبهت الدول الجادة في تطبيق الديمقراطية إلي التفاوت في الظروف بين المواطنين سواء بالنسبة للحاجة إلي الخدمات أو بالنسبة إلي فرصة المشاركة في القرارات السياسية والوصول إلي مراكز اتخاذ القرار‏,‏ خاصة في المجالنيابية والتشريعية‏.‏ وقامت السياسات الرشيدة علي تكثيف وتسهيل الخدمات اللازمة لمن حرموا منها‏,‏ كما قامت علي توفير فرص المشاركة لمن تبين أنهم مستبعدون منها وذلك عن طريق آليات ووسائل ـ ولو مؤقتة ـ تعطيهم فرصة إثبات قدرتهم علي العمل النيابي وعلي إثراء م الديمقراطية‏,‏ وبذلك يتواري المناخ السلبي المتحيز وتزول العوائق‏.‏ وعندئذ لا يحتاجون إلي حماية خاصة‏.‏ وأقدمت بعض الدول علي تطبيق آليات تهدف إلي توفير التسهيلات أو الحماية أو التمييز لفئات ليس لها فرصة متك
قامت بعض الدول بتعديل قوانين الانتخابات أو شروط الترشيح عن طريق التعيين أو الالتزام الحزبي أو القوائم المتوازنة أو تخصيص مقاعد للأقليات الإثنية‏,‏ أو للسكان الأصليين‏,‏ أو للشباب‏,‏ ضمانا لتمثيلهم‏..‏ أو للمرأة‏,‏ خاصة في المجتمعات التي مازالت تسساحة المشاركة في صنع قرارات الوطن بدون وجه حق وبغير ذنب ارتكبته‏.‏ وما إلي ذلك من إجراءات تهدف لأن تجعل المجالس النيابية تمثل الشعب تمثيلا صادقا
‏***وقد تأكد لي بعد خبرة سنوات في العمل النيابي ـ تشريعا ورقابة ـ أن مجالسنا النيابية تحتاج اليوم وبشدة إلي مشاركة أكثر فاعلية تقوم علي العلم والمساواة وتكون تعبيرا حقيقيا عن المجتمع الجديد الذي نعيشه‏.‏ ولمست أيضا أن هناك فراغا يقتضي ضرورة توفير الفرصة لمشاة قطاعات أخري من المواطنين‏,‏ إما بفتح الأبواب لهم ـ أو لهن ـ أو اتخاذ إجراءات تكفل ذلك‏.‏ علي وجه التحديد اقتنعت بضرورة اتخاذ تدابير معينة لتوفير تكافؤ فرص المشاركة النيابية لقطاعين أساسيين في المجتمع هما‏:‏ الشباب والمال