القاهرة - محمود عبدالرحيم: بدأت في القاهرة أمس فعاليات الدورة الاستثنائية لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين، المعنية بمراجعة مشروعات تطوير منظومة العمل العربي المشترك وميثاق الجامعة والتي تستمر ليومين استباقا لاجتماع وزراء الخارجية المقرر غدا (الأربعاء) وذلك وسط حالة من زحام الأفكار والتعديلات على المشروع الذي تقدم به الأمين العام للجامعة عمرو موسى وتم إقراره من حيث المبدأ في قمة تونس، الأمر الذي ينذر بأجواء تصادمية تعيد للأذهان أجواء الاجتماعات التحضيرية لقمة تونس قبيل الذهاب للجزائر في مارس المقبل.

وعلمت “الخليج” أن نحو ست دول عربية هي اليمن وعمان وسوريا والمغرب والأردن والجزائر قدمت مقترحات جديدة تتمحور بين التحفظ على مشروع التطوير القائم أو طرح تعديلات، إلى جانب دعوة البعض للتدرج في التطوير وإعطاء فسحة من الوقت لضمان تحقيق نتائج عملية.

وكانت سلطنة عمان قد اعترضت رسميا على الإسراع بوتيرة تطوير الجامعة العربية دون دراسة معمقة ونقاشات مطولة، وأبدت تحفظا في الوقت ذاته على الملاحق المقترحة إضافتها إلى ميثاق الجامعة خاصة ما يتعلق بمحكمة العدل العربية ومجلس الأمن العربي وقاعدة التصويت وآلية الالتزام بتنفيذ القرارات.

ووصفت وثيقة رسمية عُمانية -حصلت “الخليج” على نسخة منها- الملاحق المقترحة بأنها “تتضمن نصوصا ذات توجهات نظرية وبها تقليد لبعض المنظمات الإقليمية التي أثبتت عدم فعاليتها في ظروف الواقع العملي”، مؤكدة أن “هذه الملاحق وإن كانت قد أرسلت إلى جميع الدول العربية إلا أنه لم يتسن لها أن تدخل في نقاشات من العصف الفكري أو الموضوعي بين وزراء الخارجية العرب على غرار ما جرى في مؤتمر قمة تونس وعلى وجه الخصوص “وثيقة العهد”، في حين أن الواجب يفرض ذلك، خصوصا أن هذه الملاحق صالحة لتكون مادة للنقاش بين الجميع على ألا يحكم الزمن النقاش بل أن يحكم النقاش الزمن”.

وتعرضت الوثيقة الصادرة عن وزارة الخارجية العمانية والموجهة للأمانة العامة للجامعة العربية، بالنقد للتعديلات المقترحة في ميثاق الجامعة العربية طارحة في الوقت ذاته جملة من الأفكار، إذ اعتبرت أن مثل هذه المرحلة الدقيقة من العمل العربي المشترك تستلزم تنظيم المصالح الوطنية بتوافقها مع المصالح القومية، من خلال تبني نظام للتحكم في البلاد العربية، وفي إطار جامعة الدول العربية، يختص بتنظيم قضايا التباين واختلاف المصالح عند حدوثها بدلا من إنشاء محكمة عدل لا يمكن في هذه المرحلة أن تقبل قراراتها أو ولايتها أو ألا يسعى أحد إلى الاحتكام إليها، إذ ستكون مكونة من قضاة يسبقون حدوث الاختلافات وبالتالي فإن اختيار القضاة ذاتهم هو دعوة حقيقية إلى الاختلاف الجوهري على تعيينهم بين الدول الأعضاء، لأسباب مهمة منها أن كل دولة سترغب في أن يكون لها نصيب في هذه الوظيفة في محكمة العدل العربية.

واعتبرت الوثيقة عرض قضايا وإن كانت ثانوية على هذه المحكمة سيخلق أجواء من التجاذبات السلبية بين الحكومات العربية، مدللة على ذلك بأنه في عدد من الحالات التي عُرضت فيها قضايا عربية على محكمة العدل الدولية وكان من بين قضاتها قضاة عرب، فإن هذا دفع بالعلاقات بين بعض الدول العربية ذات الصلة بالخلاف إلى درجة أقلها الجمود السلبي.

وأكدت عمان أن البديل الأكثر ملاءمة للظروف الراهنة، يتمثل في الاتفاق على نظام تحكيم في إطار الجامعة العربية لكل القضايا، وذلك في ضوء القناعة بأن محكمة العدل الدولية لن تكون أوفر حظا من محكمة العدل الإسلامية.

ورأت عمان أنه بإمكان الأمانة العامة للجامعة أن تكلف نخبة من القانونيين لوضع نظام تحكيم عربي لمجمل القضايا والتباينات المحتملة.

وبخصوص إنشاء مجلس أمن عربي تؤكد عمان أنه “قد يكون في هذه الظروف العصيبة مسألة مستحبة من الناحية القومية للإحساس بأننا قد أوجدنا هيكلا جديدا في هياكل الجامعة العربية ترمى عليه الأثقال، ولكن السؤال المهم.. هل هذا الهيكل سيكون قادرا على حمل الأثقال المتوقعة.

ورأت الوثيقة العمانية أنه في المادة الثانية جاء تعديل الفقرة 2 من المادة 6 على النحو التالي “يقرر المجلس التدابير اللازمة لدفع هذا الاعتداء ويصدر القرار بتوافق الآراء، وفي حالة تعذر ذلك يصدر القرار بموافقة ثلثي الدول الأعضاء الحاضرة والمشاركة في التصويت، وانطلاقا مما واجهته الدول العربية خلال العقود الستة الماضية من حالات العدوان والحروب يفترض أن نتوقع حدوث مثيلاتها أو القريبة منها وأن ننظر إلى معالجتها على قاعدة جديدة من المسؤولية الجماعية المقبولة قبل وقوعها.

أما المادة الثالثة التي تتحدث عن قاعدة التصويب فينبغي تجنب اتخاذ القرار بأغلبية ثلثي الأعضاء وإن كان النصاب بالثلثين ضرورة إلا أنني أرى أن الأصل ليس الحضور أو أهمية اتخاذ القرارات بالأغلبية ولكن هو حاجتنا جميعا إلى الفهم الواضح لحجم المسؤولية الوطنية والقومية والتاريخية اللازمة لصياغة وتطوير مجتمع عربي متماسك ومتواصل الأهداف والمصالح، وقد يكون النص وسياقه قد وضع على نمط بعض المنظمات الإقليمية المتعددة الأطراف، وكأنه يفترض عدم حضور جميع الدول الاجتماعات وهذا أمر يحتاج إلى فهم واضح، خصوصا أن الاجتماعات التي تعقد في مقر الجامعة لا يمكن أن تكون فيها نسبة الحضور على النحو الذي ورد في النص بالنظر إلى وجود مندوبين لكل الدول العربية لدى الجامعة، وبالتالي فإن التوجه إلى الاعتماد على النسب المئوية في اتخاذ القرارات مهما كان شأنها، يضعف العمل العربي المشترك ولا يقويه.

وعلى ذلك فإنه ينبغي التنبه لمثل هذه القضايا، ونعتقد أنه ينبغي الفصل البيّن بين المسائل الجوهرية الاستراتيجية المرتبطة بالمصالح المشتركة أو المتعارضة معها، والمسائل الأخرى مثل الأمور الإدارية والمالية الخاصة بإدارة الجامعة العربية وتشغيل مؤسسة العمل العربي المشترك حتى نوجد عملا صالحا لا يضعفه ما دونه من الأمور والأعمال الأقل شأنا. أما المادة الرابعة فهي استبدال الفقرة الثانية من الفقرة ،18 بشأن اتخاذ تدابير ضد دولة أو دول لا تلتزم بالقرارات، وفي رأينا أن هذه الصياغة قد جانبها الوضوح في الهدف المتوخى من هذه التدابير بل إنه قد يشكل دعوة للدول في تجنب الموافقة على القرارات أيا كان مستواها تجنبا لطائلة التدابير العقابية الواردة في السياق وهذا ولا شك ليس الهدف المبتغى، إذ إن التدابير السبعة المذكورة سوف تكون تدابير غير حكيمة تفرق الشمل، ولا تجمعه.

وتؤكد عمان أنه من المفيد أن يكون هدف مثل هذه المادة العمل على تنفيذ جميع الدول لكل القرارات التي يجب أن تكون قد أخذت في الاعتبار مصالح ورؤى كل الدول، وأنه حتى في حالة ما إذا أقدمت دولة عربية على عدم تنفيذ القرارات لسبب ما أن تعمل الدول الأعضاء من خلال آلية في بحث الأسباب التي دعت إلى ذلك وتسهيل عملية مساعدة الدول في التغلب على مسببات عدم تنفيذ تلك القرارات، كإعطاء فسحة من الزمن لمن يريد زيادة في التفكير والدراسة وملاءمة ظروفه مع ظروف الاجتماع.