التفويض الشعبي الذي حصل عليه محمود عباس (ابو مازن)، لتولي رئاسة السلطة الفلسطينية، ليس أوسع من ذلك الذي ناله الراحل ياسر عرفات. لكن التوقعات من ادارة «ابو مازن» تفوق بكثير تلك التي ارتبطت بالمرحلة السابقة. ذلك ان الوضع الفلسطيني، السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي، بلغ حداً من التدهور في السنوات الماضية بات من الضروري معه إعادة نظر وبناء تكاد تكون شاملة في الأسس والتفاصيل.

ولأن حجم التوقعات على هذا المستوى، ينبغي النظر الى التفويض الشعبي لـ«ابو مازن» ليس بصفته امتداداً لوضع سابق تميز بالالتباس في احيان كثيرة، وانما لأنه استند الى وضوح الرجل في عرض برنامجه الذي ارتسمت معالمه منذ ان تولى رئاسة الحكومة واصطدامه بالوضع السابق واستقالته التي حمّل مسؤوليتها لادارة السلطة الفلسطينية حينذاك، وايضا لاسرائيل والولايات المتحدة.

الفلسطينيون يتوقعون من «ابو مازن» تحسين اوضاعهم المعيشية والامنية وتحسين ظروف تحركهم في ارضهم واستعادة حريتهم. كما يتوقعون ان تنعكس أموال المساعدات على هذه الظروف والحد من الفساد الذي يلتهم موازنة السلطة. كما انهم ضاقوا ذرعا بفوضى السلاح واهدافه، الى حد لم يعد تُعرف معه حدود المواجهة مع القوات الاسرائيلية والتسلط على الناس وفرض الخوات واعمال الخطف والابتزاز. كل هذه التوقعات مشروعة، وينبغي ان تكون اولوية داخلية. وهي من مسؤولية الرئاسة الفلسطينية الجديدة. والناخبون الذين اقترعوا لـ«ابو مازن» سيتوجهون اليه في المقام الاول عندما يرون ان هذه المشاغل لا تلقى معالجات تدفع الامور الى التحسن.

ولا يغير من وضع الحال، عندما تركز الردود، في اسرائيل والولايات المتحدة، على انتخاب «ابو مازن»، على هذا الجانب من مهمات الرئيس الجديد. اي ان مكافحة الفساد وتوحيد الاجهزة الامنية وضبط السلاح، كل ذلك يصب في المصلحة الفلسطينية، وينبغي التعامل معه على انه كذلك حتى لو جاء في مقدم «المطالب (او الاحراجات)» اسرائيلياً او اميركياً.

في موازاة ذلك، لا يفصل برنامج «ابو مازن» مشروع الوضع الداخلي الفلسطيني عن المشروع الوطني، اي التوصل الى اقامة دولة مستقلة ذات سيادة وقابلة للحياة.

في جردة سريعة للتصريحات الاسرائيلية والتعليقات الاميركية، يتضح ان «المطالب» من «ابو مازن» تقتصر على الوضع الداخلي. وفي مثل هذه الحال، وفي ظل انعدام افق اقامة الدولة، تتحول هذه «المطالب» الى مفجّر للوضع الداخلي اكثر بكثير من كونها اداة لتحسينه. فما يستطيع «ابو مازن» القيام به داخلياً، في اطار انهاء عسكرة الانتفاضة واعتماد المفاوضات السلمية، يقف عند حدود تلبية الحقوق الفلسطينية.

هذه الحقيقة البديهية ما تزال غائبة عن التعامل الاميركي والاسرائيلي مع الرئيس الفلسطيني الجديد. خصوصا عندما تعتبر ادارة الرئيس بوش ان على «ابو مازن»، اضافة الى تلبية «المطالب» المذكورة، ان يساعد على انجاز فك الارتباط الاسرائيلي في غزة من دون ان يرتبط ذلك ارتباطاً واضحاً بهدف اقامة الدولة القابلة للحياة.

تصريح الرئيس بوش، تعليقا على الانتخابات الفلسطينية، حدد المطلوب من اطراف النزاع. طلب من الفلسطينيين الاهتمام بوضعهم الداخلي (مكافحة الفساد، اعادة بناء المؤسسات واحياء الاقتصاد الخ...)، ومن العرب ان يدعموا الفلسطينيين مالياً وان يرفضوا ايواء «الارهابيين» اي الفصائل الفلسطينية الاسلامية، ومن اسرائيل احترام خطة الفصل. هذه «المطالب» الاميركية التي لا تأخذ في الاعتبار أياً من الاهداف المؤدية لاقامة الدولة الفلسطينية، ستكون تعقيداً اضافياً للمهمة المعقدة أصلاً للرئيس الفلسطيني الجديد.