قد لا يكون تنبه الكثيرون الى وجود د. عمرو موسى، وتوقيعه شاهدا على الاتفاق السوداني في العاصمة الكينية.. الامر الذي يدعونا جميعا الى اعادة النظر في تقويمنا بشخص جون جارنغ.. فهذا الرجل القادم من اعماق الغابة الافريقية، عدو عرب السودان لاكثر من عشرين عاما من القتال.. يحترم هوية السودان العربية.. وجامعة الدول.. وامينها العام، في وقت غير بعيد حاول فيه وزراء الخارجية العرب اقناع هوشيار زيباري، دون فائدة، باستعمال صفة عروبة العراق في بيانهم الصحفي.. وقد تنازل معاليه فقبل جملة تقول ان العراق عضو «مؤسس في جامعة الدول العربية»!!!. اليس ذلك مدهشا في مقايسة جارانغ بزيباري؟؟. أليس من الغريب ان يقبل افريقي غير مسلم انتماء الاكثرية السودانية العربي، وان يحجم ابن شمال العراق عن انتماء العراق.. وانتماء اكثريته.. الا اذا كان هو شخصيا يعتقد ان «الاكثرية الشيعية» هي اكثرية فارسية؟؟.
وما دمنا نتحدث عن وجود عمرو موسى في حفل توقيع اتفاقية السلام السودانية، فاننا نشعر انه كان من الممكن ان يتمثل وجود عربي اكثر كثافة وارفع تمثيلا.. فقد حضر فقط الرئيس الجزائري بوتفليقة. ويبدو ان الحكومة السودانية لم تضع امام العواصم العربية خطورة وجدية اتفاق السلام، فجاء رئيس الاتحاد الافريقي، وجاء وزير الخارجية الاميركي الذي نسي حميمية المناسبة، فصرف في نفس الحفل «تهديدا» للسودان «بالعقوبات» اذا لم تحل قضية دارفور.. بسرعة!!.
كان من الممكن، لو ان حضورا عربيا في حفل التوقيع، وقف الى جانب الفريق البشير والجنرال جارنغ.. ان «يرمش» الوزير الاميركي، وان يستحي من تهديداته. لكنها لغة الضعف العربي التي تخرج الناس حتى عن اللياقة الشخصية.
... المهم، ان السودان خرج من كارثة الحرب الداخلية واذا كانت اتفاقية السلام تنص على حرية تقرير المصير للجنوب بعد ست سنوات، فاننا واثقون ان نظرية «اقتسام السلطة والثروة» ستعيد اللحمة بين الشمال والجنوب، وسيجد السودانيون ان العروبة والزنوجة ليستا بهذا التضاد.. مثلما ان ابناء الشمال والجنوب في العراق لن يجدوا ان كل هذا «العداء» بين العرب والاكراد... بعد ان قرر القادمون على ظهر الدبابات ان يحكموا العرب والكرد.. السنّة والشيعة باعتبار انهم ورثة بريمر وليسوا ورثة الايوبي صلاح الدين!!.
الاذكياء، المخلصون لوطنهم سيجدون ان السودان الواحد هو قارة فعلا قادرة على استيعاب الشماليين والجنوبيين. وان ارضه الخصبة قادرة على احتضان العرب والزنوج. وان العروبة او الاسلام هما صفات وهويات حضارية. فالعرب وحدهم من دون شعوب لم يكونوا ابدا عرقيين بالمعنى العنصري الذي شهدناه بين الامم المتحضرة.. فلسنوات خلت كان الافريقي في افريقيا الجنوبية انسانا اقل من .. الانسان!!.