ياسيدي‏..‏ أخاف أن أقول ما لدي من أشياء‏,‏أخاف لو فعلت أن تحترق السماء‏..‏ فشرقكم ياسيدي العزيز‏..‏ يصادر الرسائل الزرقاء‏..‏ يصادر الأحلام من خزائن النساء‏..‏ يمارس الحجر علي عواطف النساء‏..‏ يستعمل السكين والساطور كي يخاطب النساء ويذبح الربيع والأشواق والضفائر السوداء‏..‏ وشرقكم يا سيدي العزيز يصنع تاج الشرف الرفيع من جماجم النساء‏..‏
كانت هذه رسالة الي رجل ما بقلم نزار قباني‏..‏ ومازال الرجل الشرقي يلعب دور عنترة العبسي أو السياف مسرور‏,‏ أو الجزار الحمش حماشة من يذبح القطة لعروسه في ليلة الدخلة‏..‏ وهو لايدري أنه يذبح انوثتها وكبرياءها وكرامتها‏.‏

جرائم العنف للمرأة لا تبدأ بالضرب ولا تنتهي بالاغتصاب‏..‏ فصفحة الحوادث دائما تأتي بأخبار صادمة‏..‏ مدرس يغتصب تلميذته في اثناء الدرس الخصوصي‏..‏ سباك يعتدي علي طفل ثم يخنقه‏..‏ حبس‏19‏ متهما بينهم محام ورجل أعمال بتهمة تكوين شبكة لتزويج القاصرات عرفيا‏..3‏ ملايين طفلة تحمل مشكلات الأسرة والزواج المبكر والأمية‏..‏ تشير دراسة لمعهد التخطيط القومي‏,‏ إلي انه في عام‏1994‏ حدثت‏760‏ حالة اختطاف واغتصاب والاعداد تفاقمت وتضاعفت الآن‏..‏ المبلغ عنها فقط‏2%,‏ أما‏98%‏ من الأهالي يخشون الفضيحة فلا يتقدمون ببلاغات للشرطة‏.‏
من المسئول عن الاغتصاب؟‏28%‏ قالوا الرجل‏,‏ و‏25%‏ قالوا الفتاة‏..‏ و‏25%‏ قالوا هما الاثنان‏..‏ الجريمة هنا في كل الأحوال هي جريمة عنف وارهاب وترويع تقتضي عقوبة الاعدام‏..‏ وهنا يثار السؤال هل الاعدام يتم علنا أم ان ذلك سوف يأتي بأثر عكسي نفسي فتتوحش النفوس وتستسهل الاعدام بدلا من أن ترتعب منه؟

لماذا تظهر بين حين وآخر ثقافة العنف في مجتمعاتنا‏..‏ لماذا المرأة مظلومة حتي علي المستوي اللغوي‏,‏ فتقول مثلا المرأة مصيبة في رأيها‏..‏ واذا ذكرنا نوائب الدهر نقول المرأة نائبة‏..‏
مازال المجتمع ذكوريا‏..‏ ومازال العقل العربي في طبقاته السحيقة يتمثل سطوة شيخ القبيلة ومن حوله الجواري يتهيأن له في الحرملك‏..‏ عصر سي السيد انتهي‏..‏

الإمام محمد عبده يقول اعلموا أن الرجال الذين يحاولون بظلم النساء أن يكونوا سادة في بيوتهم‏..‏ إنما يلدون لهم عبيدا لغيرهم‏..‏ انظر الي العقاب القاسي‏..‏ الجزاء هنا من جنس العمل‏..‏ استعبد النساء فولدن له عبيدا‏..‏ من أول مظاهر العنف التي تمارس ضد المرأة‏..‏ حتي وهي طفلة‏..‏ عملية الختان في مرحلة عمرية مبكرة وتقتضي البتر التناسلي للأنثي وتصل نسبة المختتنات الي ثمانين في المائة‏..‏ والمشكلة هنا أن هذه العملية تتحول الي طقس سري يمارسه الجهلاء بدلا من أن يتصلوا بأطباء يقررون ذلك من عدمه لأسباب صحية بحتة لا علاقة لها بالشرع‏..‏ اذ لا يوجد نص شرعي يأمر بالختان أو بالأحري بالخفاض‏..‏ فالخفاض للنساء‏..‏ والختان كلمة تستعمل للرجال‏..‏ ختان الرجال سنة كما نعلم‏..‏
وعمليات خفاض الفتيات مؤثمة عن غير طريق الاطباء طبقا للمادتين الأولي والعاشرة من القانون‏415‏ لسنة‏1954‏ في شأن مزاولة مهنة الطب وتعد جنحة‏,‏ اذن الحل ان تنتقل هذه القضية من خانة حلاق الصحة والشعوذة الي خانة العلم والاطباء فتحسم القضية‏.‏

ضرب الحبيب مثل أكل الزبيب‏,‏التساهل مع الأمثال الشعبية والمقولات الملغمة‏,‏هو مربط الفرس هنا في مواجهة ثقافة العنف ضد المرأة‏..‏ انه ميراث الرعب والاستعلاء علي النساء وهو مرفوض في ديننا‏..‏ فالرسول صلي الله عليه وسلم يوصينا بالنساء خيرا‏,‏ ويقول رفقا بالقوارير‏..‏ وينهي عن العنف‏..‏ وضرب النساء‏..‏ يقول لا تضرب الوجه ولا تقبح‏..‏ ولا تهجر إلا في البيت‏..‏ منتهي الرقي الانساني‏..‏ احترام كرامة الزوجة وعدم توجيه اللوم والتعنيف اليها أو مجرد تركها غضبا منها في الشارع‏..‏ ولا تهجر إلا في البيت‏..‏
أثارتني فتوي إمام مسجد في بلدة أوروبية جاءت كأنها تحريض علي ضرب النساء لتأديبهن‏,‏ ودون أن يدري رسخ الصورة الذهنية السلبية للاسلام والمسلمين في وقت بلغ السيل فيه الزبي‏..‏ ونسي أن يشير الي رمزية الضرب كعقاب كما جاء في قصة سيدنا أيوب عليه السلام‏,‏ الذي أقسم أن يضرب زوجته فقال له المولي عز وجل‏:‏ وخذ ضغثا واضرب به ولا تحنث مائة قشة في حزمة يلامس بها جسد زوجته وفاء لقسمه انه سيضربها مائة ضربة‏.‏

قضية الجندر قضية عالمية وليست محلية‏,‏ وهي تبحث في ثقافة المجتمع ونظرته الي وضعية المرأة هل هي عدو أم صديق أم شريك؟‏!‏
عدو المرأة لقب حاز أكثر من شخصية عربية وعالمية‏,‏ وقد ورث هذا اللقب عن توفيق الحكيم‏..‏ كاتبنا الكبير أنيس منصور لعبقريته وهو العاشق المشاغب يكتب كلاما ظاهره العذاب وباطنه الرحمة والمناصرة‏..‏ وهو علي عكس مفكري الغرب ومبدعيه مثل بورخيس الذي تهور وقال‏..‏ المرأة والمرآة شيئان كريهان لأنهما يضاعفان البشر‏..‏ وتلك سادية فكرية لا نعهدها في المفكرين وقادة الفكر لدينا في الشرق‏..‏

ومن طريف ما يحكي أن امرأة جاءت غاضبة الي الزعيم البريطاني تشرشل‏..‏ قالت له‏:‏ لو كنت زوجي لوضعت لك السم في الشاي‏,‏ فرد تشرشل قائلا‏:‏ ياسيدتي ولو كنت أنت زوجتي لشربت هذا الشاي علي الفور‏.‏
كيف نواجه العنف ضد المرأة‏..‏ رابطة المرأة العربية توصلت الي عدة مقترحات‏:‏

‏1‏ ـ الحصول علي المساواة بين الرجل والمرأة في العقوبات الخاصة بالزنا والشرف والاغتصاب‏.‏
‏2‏ ـ سرعة البت في القضايا وبالأخص جريمة اغتصاب الأطفال‏.‏
‏3‏ ـ مناهج دراسية ترسخ قيم الاحترام والتسامح والسلام الاجتماعي‏.‏

جميل جدا‏..‏ ولكن لقد فات عليهم أن هذه الجرائم ترتكب في المجتمعات الأمية والأدني ثقافة‏..‏ وهذه تحتاج الي دور المسجد والكنيسة والي نزول الجمعيات الاهلية من أبراجها العاجية‏,‏ الي الحارة والشارع والقرية والنجع‏..‏ يحتاج الأمر هنا أيضا الي تفعيل الاعلان العالمي للقضاء علي العنف ضد المرأة بكل بنوده الختان‏..‏ الاغتصاب‏..‏ الزواج المبكر‏..‏ عمل وتشغيل الاطفال‏..‏ وعلي رأس كل ذلك قضية الحرمان من التعليم‏.‏

فرح العمدة قد يكون مناسبة جيدة لعمل الجمعيات الاهلية‏,‏ كذلك اسواق القرية‏..‏ وحفلات السبوع والموالد الشعبية‏..‏ الحوارات في مثل تلك المناسبات تؤتي أكلها‏..‏ والأروع ان تتبني هذه الجمعيات مشروعات للتنمية مثل المرأة المنتجة‏..‏ القرية المنتجة‏..‏ القروض الحسنة للفقيرات المعيلات‏..‏ علي خلفية المشروعات التنموية يمكن تحقيق مكاسب كبيرة في اتجاه تغيير عقلية العنف ضد المرأة‏..‏

أنا أنثي ويوم أتيت للدنيا وجدت قرار اعدامي ولم أر وجه محكمتي ولم أر وجه حكامي‏..‏ هذا هو احساس غالبية الاناث‏..‏ واني لأعجب كيف تصل نظرتنا للأم الي حد القداسة بينما البنت والفتاة والزوجة والاخت لا تنال من هذا الحب جانبا‏..‏ اين المودة والرحمة إذن ؟‏..‏ أين السكينة والسكن‏..‏ والعشرة الحسنة والكلمة الطيبة ؟‏..‏ المرأة تقول دائما قل لي ولو كذبا كلاما ناعما‏..‏ نريدها صدقا كلمة من القلب مفعمة بوافر الاحترام‏.‏
اذا صلحت المرأة انصلح الرجل‏..‏ واقولها شعرا‏..‏
انحني للتي علمتني الرجولة‏..‏ أمي كيف أشرح حبي لها‏..‏
هي مسألة مستحيلة‏..‏