نزل الإعلام التلفزيوني العربي بثقله في الانتخابات الفلسطينية وأراد ان يمرر شهادة زور في اليومين الأولين بأن الانتخابات حرة ونزيهة وبديعة وأجمل انتخابات عربية جرت على الإطلاق. ولدينا كذلك شهادة جورج بوش الذي ما انفك يفتي في أمورنا الحيوية جداً وهو قدم شهادته والانتخابات كانت لا تزال جارية ولم تفرز نتائجها، وقد قال انها حرة ونزيهة، وما إلى ذلك من أوصاف.
حرة ونزيهة؟ كيف وهي انتخابات تحت حراب الاحتلال وتصويت في ظله. ولكن زين لنا الإعلام العربي وشخصياته ووجوهه الشهيرة ذلك التصويت الفلسطيني تحت الاحتلال.
سؤال العرب الأكثر معاصرة وجذرية، والذي يوجهونه لأنفسهم بعفوية والمعني به العراقيون بالذات والمتمثل في: هل يمكن التصويت والانتخاب في ظل الاحتلال، قد أجيب عنه اول من أمس في التصويت الفلسطيني، وبتعليق من وجه شهير اعلاميا: الانتخابات “جيدة” تحت الاحتلال، وهي افضل من اية انتخابات جرت من دون ظل الاحتلال وسلطته. امتدحت الانتخابات وهي تحت ظل الاحتلال وأعطي الاحتلال في الحقيقة “الفضل” فيها، هو الذي أفسح المجال بفتح المعابر وبتواري الدبابات حتى ان مطاردي كتائب شهداء الأقصى أتوا ليصوتوا! لقد رأيناهم على الشاشات تبياناً ان “اسرائيل” انسحبت من أجل الديمقراطية الفلسطينية.
إن كانت الانتخابات الفلسطينية “بديعة” ولا مثيل لها، كما قال مراقب للانتخابات عربي الجنسية وكما ضخ الإعلام العربي بقوة في اليومين الأولين، فإن لهذا معنى واحداً بالطبع وهو انها مبشر بأن الانتخابات العراقية والتي ستجري في هذا الشهر نفسه ستكون أفضل منها لأنها تحت الاحتلال هي الأخرى، تحت الاحتلال الامريكي.
الإعلام العربي قالها لنا بوقاحة هكذا وجيمي كارتر لم يقل ذلك بل اعتبر أن “اسرائيل” تعوق الانتخابات.
الاحتلال لا يتفضل علينا بانتخابات حرة ونزيهة ويسمح بها وانما هو ايضا المصوت الاول فيها، المصوت الاول على بديل عرفات، والمهم هنا هو ان الذي تصوت عليه امريكا و”اسرائيل” تصوت عليه الشعوب، ألم يقل دينيس روس مبعوث السلام الأمريكي السابق ان مزاج الشعب الفلسطيني قد تغير تغيراً دراماتيكياً؟

ولكن الامر ليس كذلك في الحقيقة ولم تأت الانتخابات الفلسطينية لتتوج الإثبات بتغير مزاج الشعب الفلسطيني بحسب مقولة روس التي عمل الإعلام المرئي على اساسها، وعلى اساس ان توقيعاً على بياض أو تفويضاً قد حصل من خلالها.
كذبة الإقبال على الانتخابات ما لبثت ان انكشفت بالنتائج التي اعلنت والتي توجد أصلاً شكوك في ارقامها المعلنة بعد قصة التمديد والتصويت بالبطاقة الشخصية.
الإقبال الضعيف كان واضحاً من البداية، ولكن التقارير التي بثت على الهواء اعطت صياغات اخرى ومن دون صور بالطبع لأي كثافة بشرية أو طوابير طويلة كما يعتاد المرء رؤيته في الانتخابات التي يعتد بها. والآن بحسب الارقام الرسمية قاطع نصف الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع والذي يشكل الثلث فقط من عدد الشعب الفلسطيني كله الانتخابات.
ذلك كان جواب الشعب الفلسطيني عن سؤال الحاضر العربي الأكثر الحاحاً وهو جواب محرج للاعلام بالخصوص.
وبنفض ما علق في رؤوسنا من مبالغات وكذب الاعلام العربي، فإن ما يتبقى في الذهن من صور لانتخابات في ظل الاحتلال هو المراكز الفارغة والأنفار القليلون الذين يفوقهم في العدد الصحافيون ومراقبو الانتخابات. ولن يكون الامر غير ذلك في العراق. تلك هي الانتخابات “البديعة” التي يفوز فيها من حظوا اولاً بتصويت الامريكان و”الاسرائيليين”.