«الكرة الان في الملعب الاسرائيلي».. هكذا يلخص صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين الوضع الجديد الناشئ عن انتخاب محمود عباس أبو مازن رئيسا للسلطة الفلسطينية، ولكن انظر إلى «اللعبة» من زاوية أخرى لتجد ان الكرة استقرت أيضا لدى الرئيس الجديد.
أجل.. بوصول أبو مازن إلى رئاسة السلطة عبر انتخابات حرة جرت تحت رقابة دولية تسقط حجة القيادة الاسرائيلية بشأن «البحث عن شريك سلام» فلسطيني ـ تلك الحجة التي فقدت مرتكزها ـ برحيل ياسر عرفات.
ثم ان أبو مازن ليس فقط رئيسا حاز الفوز عن طريق صندوق الاقتراع بل هو أيضا زعيم سياسي «معتدل» وفقا للمعايير الاسرائيلية والأميركية. وهذا هو معنى انتقال الكرة إلى الملعب الاسرائيلي. فكيف تتجاوب القيادة الاسرائيلية الان؟
لكن، من منظور مختلف، منظور جمهور الناخبين الفلسطينيين فانه استقرت الكرة تحت قدمي الرئيس الفلسطيني الجديد. فالآن يتساءل الجمهور: كيف سيتعامل الرئيس مع كل من جورج بوش وارييل شارون دون تفريط في الثوابت الوطنية أو تنازل في القضايا الجوهرية؟
لقد سبقت القيادة الاسرائيلية الرئيس الفلسطيني الجديد في الإجابة عن هذا التساؤل.
فور إعلان فوز أبو مازن الانتخابي سارع شارون إلى التصريح بأنه يرحب بمقابلة الرئيس الفلسطيني ولكن الزعيم الاسرائيلي حدد بنفسه مسبقا جدول الأعمال. فهو لن يسمح في الاجتماع المرتقب إلا بمناقشة «التنسيق الأمني».
أبو مازن يريد بالطبع الدخول فورا في بحث القضايا الجوهرية المتصلة بإقامة دولة فلسطينية مستقلة وكاملة السيادة: عودة اللاجئين وحدود 67 والقدس.. الخ، غير ان شارون يعتبر هذه المسائل غير قابلة للنقاش.
ولهذا فان الزعيم الاسرائيلي بنى إستراتيجيته على أساس التركيز فقط على المسألة الأمنية وأمور ثانوية أخرى لكي يكسب الوقت ريثما يفرغ من استكمال خلق أمر واقع على الأرض يستحيل معه عمليا إقامة دولة للفلسطينيين. ومما يرد في هذه الأجندة إكمال بناء الجدار الفاصل ليشكل حدوداً جديدة موسعة للدولة الاسرائيلية على حساب الأراضي الفلسطينية في الضفة.
ما يلائم أجندة شارون وما تحتاج لفسحة زمنية هو أن تكون السلطة الفلسطينية ذراعا محلية للجهاز الأمني الاسرائيلي فيكون دور أبو مازن بالتالي كرئيس للسلطة محصورا في مهمة واحدة: تصفية المقاومة المسلحة.
ولم يدع شارون مجالا للتأويل. فقد قال ان على الرئيس الفلسطيني المنتخب «إنهاء الهجمات المسلحة على أهداف إسرائيلية كشرط لدفع عملية السلام».
على نحو أو أخر فان أبو مازن «مدين» بالشكر لشارون. فأجندة الزعيم الاسرائيلي تقول: هناك احتلال. ونحن لا نرغب إطلاقا في تصفية هذا الاحتلال. نريد تكريسه تحت عنوان مختلف. ولأن المقاومة الفلسطينية تعرقل خططنا فان واجب الرئيس الفلسطيني هو قمعها نهائياً.
هل هناك وضوح أكثر من هذا؟
إزاء هذا الوضع فانه لا يتوافر أمام أي زعيم فلسطيني سوى خيارين: إما الاستسلام لأجندة شارون وطي صفحة القضية الفلسطينية إلى الأبد. وإما الأخذ بنهج الكفاح المسلح.
ليس هناك خيار ثالث. ولا معنى لعقد آمال على الإدارة الأميركية «لممارسة ضغوط» على اسرائيل. ذلك ان أجندة جورج بوش متطابقة تماما مع أجندة شارون كما يصدع بذلك بوش نفسه ومعاونوه ليل نهار وعلى رؤوس الأشهاد.
وفي هذا السياق يقول شارون أيضا: الأمر الرئيسي الذي يجب ان نركز عليه الان بعد الانتخابات (الفلسطينية) هو ان يتحرك الفلسطينيون بشأن الإرهاب. وسيتم تقييم عباس على أساس الطريقة التي يحارب بها الإرهاب ويفكك بنيته التحتية.
ففي أي اتجاه يتحرك أبو مازن؟
هذا هو السؤال الكبير الذي ينتظر شارون الإجابة عنه بقدر ما ينتظر جمهور الناخبين الفلسطينيين.