كتب الاستاذ سمير عطا الله في عدد امس عن «تسونامي» والسائق الباكستاني ، الذي لا يعترف بمقياس ريختر، ومتأكد انها عقوبة إلهية لقتل اربعة آلاف اجنبي، غير مبال بحقيقة ان هناك اكثر من مائة وخمسين الف مسلم ماتوا فيها.
وكنت احسبها حالة تفكير شاذة خاصة ببعض البسطاء من الناس، الذي يسقطون على الحدث همومهم وتفاسيرهم واحكامهم، حتى قرأت ما أوردته وكالة الانباء السعودية عن وكالة أخرى، عن مدير مركز للدراسات الاسلامية في كولومبو السريلانكية، يقول انه شاهد لفظ الجلالة كتب على الامواج المد البحري. هذا رجل يفترض انه يدير مركزا للدراسات، وليس بسائق سيارة امي. بل ويقول المدير النابه، انه زار القرية التي ضربها المد، ووجد ان المدرسة الدينية وحدها سليمة، في حين دمرت كل المساكن الأربعمائة، وقضى عدد كبير من الأشخاص حتفهم. وقد زاد عضو في الجبهة الاسلامية الدولية على ذلك، مؤكدا انه رأى في منامه المد البحري وقد خط عليه لفظ الجلالة. اي ان الثاني حلم بها، والأول اكتشفها على صور الاقمار الصناعية.
وليس غريبا في كوارث الزلازل والفيضانات ان تحدث المعجزات، كما أنه ليس غريبا ان نرى باعة مدعي المعجزات وتجار الكوارث.
رأينا قصصا حقيقية ضد ما يخطر على بال احدنا، مثل آخر الناجين الذي انتشل من تحت الركام حيا ينبض، بعد اسبوعين من الجوع والعطش. وقبله آخر عاش عشرة أيام ممسكا بأغصان الشجر، في وسط المياه الجارفة، يستطعم زخات المطر وماء جوز الهند.
الفئة الثانية ، باعة الكوارث الذين يسيسون آلام الناس ومآسيهم، كما فعل بعضهم، مدعين ان تسونامي كوارث على الكفرة ، في حين تقول الارقام ان الكثير من القتلى مثلهم مسلمون ومن ديانات أخرى. الامواج الجارفة لم تسأل وهي تبتلعهم عن هوياتهم، فمات آلاف الرضع والاطفال والنساء والكبار والاصحاء، والمسلمون والبوذيون والهندوس وغيرهم. المد جرف مساجد وكنائس ومعابد ومدارس لكل الناس. في المقابل نجا من المد بمعجزات الهية ، اناس من مختلف الديانات. وامامكم كم كبير من القصص المصورة عن ما ابتعلته الامواج ومن نجا على الأرض.
وذكرتنا حكايات الطوفان الجديدة، بقصص كوارث ماضية، حيث نسج حول زلزال القاهرة الكثير من الاعاجيب ، التي اتضح ان كثيرا منها كانت مجرد حكايات فلوكلورية. الزلزال لم يفرق بين الناس وبيوتهم ، فشقت الارض وقتل خلق كثير، وهدمت مآذن ومدارس وبيوت. وكانت المأساة أيضا سوقا لمن اراد ان يبيع بضاعته ، من سياسيين ومعارضين ورجال دين ، وكل من هؤلاء سعى لتسخير الكارثة الى صفه ورأيه ومطالبه، محاولين سرقة اموال الناس وعقولهم وعواطفهم.
ومن افضل ما رأيناه في كارثة تسونامي، انها وحدت بين مشاعر اهل الأرض، التي هزت مشاعرهم في كل مكان لهولها. رأينا تسابقا عم العالم، من اجل تقديم المساعدات التي أحيت وجسدت الروح الخيرية الحقة.