تكتسب الانتخابات التشريعية في العراق أهمية إقليمية ودولية نظراً لأنها قد تجري في ظل الاحتلال، وبعدما طالب مجلس الأمن الدولي بإجراء انتخابات عامة تؤسس لنظام سياسي ديموقراطي. وهذا بالاضافة إلى اهتمام دول الجوار الاقليمي بهذه المسألة، ومطالبتها بإجراء الانتخابات التي قد تؤسس لنظام اتحادي (فيدرالي)...
إلا أن العملية الانتخابية في العراق ليست مأمونة الجانب سياسياً وأمنياً، ولا هي سهلة التطبيق عملياً نتيجة قصور وتقصير يتعلقان بدور قوات الاحتلال أولاً وبالقوى السياسية العراقية ثانياً. لماذا هذه التعقيدات المتراكمة قبيل إجراء الانتخابات التي طالما وعد بها العراقيون؟
كان من المفترض أن تجري الانتخابات العامة في العام 2004، إلا أن التأجيل حصل لأسباب عملية (لوجستية) في الدرجة الأولى حيث لوائح القيد غير جاهزة، وكذلك حال مراكز الاقتراع، والمراقبون والأجهزة الأمنية المواكبة...
ولما تدخل مجلس الأمن ووضع حداً زمنياً حتى أواخر كانون الثاني 2005، كان يفترض أن تبادر الحكومة العراقية المؤقتة إلى مباشرة الخطة التنفيذية بالتعاون مع القوات الأميركية والبريطانية على الصعيدالأمني. بيد أن الأمن زاد اضطراباً إلى حد الحديث عن مأزق الاحتلال في العراق أمنياً وسياسياً، هذا على الصعيدين الاقليمي والدولي، بل وحتى في الداخل الأميركي.
أما المجهودات الحكومية فقد جاءت متواضعة، وأحياناً متناقضة بين وزير وآخر. مما اضطر الحكومة إلى تمديد حال الطوارئ في العراق ـ باستثناء إقليم كردستان ـ لمدة شهر بعدما تزايدت أعمال العنف وأعمال المقاومة معاً، بما يعقد الحالة الأمنية إلى حد بعيد. ومن أخطر الحالات أن تجري انتخابات عامة في أقاليم دون أخرى داخل البلد الواحد أو الدولة الواحدة!
نقول بوجود أعمال عنف غير مبررة تقوم بها جماعات النظام السابق بالتحالف مع جماعات اسلامية مسلحة، بعضها يرتبط مباشرة بتنظيم القاعدة، وبعضها يعلن صراحة طبيعته المذهبية من الناحية السياسية، وهذا أخطر ما أصاب المسلمين سابقاً ويصيبهم حاضراً. إذ كيف يمكن التأسيس لمواطنة عراقية مع المذهبية السياسية؟ وكيف يمكن ضمان وحدة العراق مع فيدرالية قد تُطرح على أساسين طائفي وقومي؟
تفاقمت أوضاع العراق، وإلى حد ما أوضاع الجوار الاقليمي المحيط به. وزاد العراقيون بؤساً على بؤس. ولم تنجح دول الجوار الاقليمي في مساعدة العراق، لا بل حصلت تجاذبات مذهبية، واختلافات وخلافات في المصالح وربما في الأهداف... ولما راحت الحكومة العراقية تستنجد بمصر ودول الخليج لإقناع أطياف الشعب العراقي بالمشاركة في الانتخابات، ظهر واضحاً حجم المأزق الداخلي في أسبابه وأبعاده الاقليمية والدولية. وها هو المؤتمر الأخير لدول الجوار الاقليمي في عمان يكتفي بمناشدة العراقيين المشاركة في انتخابات عامة مجهولة الظروف والنتائج، دون أن يُلزم نفسه ببرنامج سياسي وأمني واضح وحاسم تجاه هذه المسألة.
على رغم هول الواقع العراقي، فإن المطالبين بتأجيل الانتخابات عليهم الاجابة عن أسئلة مفترضة:
1 ـ مَنْ يضمن أن الانتخابات ستجري في موعد آخر إذا ما بقيت الأسباب التي أدت إلى التأجيل قائمة؟
2 ـ إذا تعطلت الانتخابات ـ لسبب أو لآخر ـ مَنْ يضمن وحدة العراق سياسياً؟
3 ـ قد يُقال: إن الانتخابات مخرج لقوات الاحتلال من مأزقها، بحيث ستقول الادارة الأميركية: أيها العراقيون، نحن أنقذناكم من الديكتاتورية وها قد أدخلنا إلى حياتكم السياسية تجربة ديموقراطية... لكن، لماذا لا تتحوّل الانتخابات إلى مشاركة عامة تقود إلى إيصال ممثلي الشعب، وتشكيل حكومة شرعية ومشروعة، تتولى لاحقاً تحرير العراق بكافة الوسائل؟
إن غياب الثقة بين العراقيين، أو على الأصح تبديد الثقة بفعل الاحتلال، والعصبيات المختلفة، هو الذي يهدد العراق أكثر مما يهدد الاحتلال... وإن اللاعبين بالفتنة، هم أدوات للاستعمار والصهيونية ـ كما يحلو لبعض وسائل الاعلام أن تردد ـ بل هم الذين يستقدمون الخارج لمجابهة الداخل وقهره.
قاتل الله الفتنة، جملة يرددها بعض الاسلاميين دون أن يلتزموا بمضمونها، وهنا الطامة الكبرى. أما كلمة الديموقراطية فقد صارت يتيمة من كثرة المرددين لها دون تطبيق. ويبقى تهديد العراق في أمنه ووحدته تهديداً للأمة العربية، بل وللأمن والسلام في هذا العالم. هل يفيد العراقيون من الوقت الباقي، فيحزمون أمرهم من أجل إنقاذ العراق؟