لم يكن روبير مينار يبالغ حين أبدى تخوّفه من أن تكرّر الإدارة الأميركية lt;lt;السابقةgt;gt; التي أقدم عليها طيران الحلف الأطلسي بقصف مقر التلفزيون الصربي، فتقوم طائراتها الحربية (أو طائرات حليفها الإسرائيلي) بقصف مقر فضائية lt;lt;المنارgt;gt; بوصفها مقراً لقيادة الإرهاب الدولي أو أرض لقاء بين lt;lt;الإرهابيينgt;gt; الذين يطلّون من شاشتها، لا فرق بين اليميني واليساري والمؤمن والعلماني والبين بين.
كان الأمين العام لجمعية lt;lt;مراسلين بلا حدودgt;gt; يعني ما يقول، خصوصاً وقد استخدم في قوله الفرنسية الفصحى... فالإدارة الأميركية مؤهلة لأن ترتكب من الجرائم ما هو أبشع من تدمير محطة تلفزيون، بشهادة إنجازاتها اليومية في العراق، وعبر مطاردتها كل معارض لسياساتها أو معترض في مشارق الأرض ومغاربها، بتهمة lt;lt;الإرهابgt;gt;...
على هذا، يخطئ من يظن أن ما تتعرض له فضائية lt;lt;المنارgt;gt; من حرب دولية إنما يتصل بكونها الصوت المعبّر عن lt;lt;حزب اللهgt;gt; بوصفه حركة مقاومة وطنية، (ولو بشعار إسلامي) ضد الاحتلال الإسرائيلي.
إن هذا التوسع الأميركي في تعريف lt;lt;الإرهابgt;gt; مرشح لأن يتجاوز كل حد معقول من الأعمال إلى النوايا ومن الأفكار إلى الأحلام.. ولو طفولية!
ومن يعتبر نفسه في منأى من احتمال توقيع العقوبة عليه فسيفيق متأخراً إلى أن الإطلاق في الاتهام، والتعميم الذي لا يستثني رأياً مختلفاً أو فكرة لا تنسجم مع منطق الإدارة الأميركية، سيشمله حيثما كان موقعه، جغرافياً، ومهما كانت جنسيته، وبغض النظر عن عواطفه ومواقفه السياسية وانتمائه الديني ومدى التزامه بالمناسك والشعائر.
ولو أن فضائية lt;lt;المنارgt;gt; كانت طائفية المسلك والنبرة، أو ذات منحى lt;lt;عنصريgt;gt; لسقطت في لبنان، الذي لا يتحمّل مواطنه lt;lt;الوصايةgt;gt; والحجر على معتقده أو تفكيره.
لكن خطر lt;lt;المنارgt;gt; في نجاحها.
لقد تجاوزت كل ما كان يمكن أن يشكل حواجز على طريقها إلى الجمهور الذي لا يمكن محاصرته، إذ ان خياراته مفتوحة بلا حدود، ويمكن للمشاهد بلمسة من إبهامه أن يبعث بمحطة إلى النسيان أو يستبقيها أمام ناظريه بل وفي وجدانه، وأن يتخذ منها مرشّداً وموجهاً ومرجعاً لفهم الأخبار... والسياسات.
إن الإدارة الأميركية، الفائقة القوة والغنى، هي التي تمارس lt;lt;الإرهابgt;gt; في المجال الإعلامي، وضد العرب (والمسلمين) بوجه الخصوص.
إنها تنشئ الفضائيات والإذاعات الموجهة، وباللغة العربية، إلى المنطقة العربية، وتتكئ على محطات ناطقة بالعربية هنا، لكي تقدم للجمهور العربي الحقائق مقلوبة، فتطمس الجرائم التي يرتكبها جيش احتلالها في طول العراق وعرضه، وتشوّه الوقائع المتصلة بحق الشعب الفلسطيني في أرضه... فضلاً عن أنها تمارس قهر الحكومات المتخاذلة فتجبرها على تمزيق أو طمس صفحات من القرآن الكريم، وتفرض عليها أن تغفل وقائع أساسية من تاريخها، عبر تشويه المناهج الدراسية.
إنها تكاد تتحكّم بكل مصادر الأخبار وبالتالي فهي تنشر ما يلائم مصالحها وتغفل أو تشوّه ما عداه، بالابتسار تارة، أو بحرف دلالاته.
وهي ترصد عشرات وربما مئات الملايين من الدولارات تنفقها على إنشاء صحف ومجلات، وعلى دعم دور نشر ومراكز دراسات، أو على مِنح تقدم إلى من تتوسّم فيهم وبتزكية من سفاراتها أو من وكلائها المحليين الانحراف الوطني أو القومي.
إن هذه الإدارة تسعى، وتعتبر أن من حقها أن تؤمرك العالم فتبدل معتقدات الناس ومصادر إيمانهم... بل إنها تقرّر فتحدد من هو lt;lt;الديموقراطيgt;gt; ومن هو الخطر على الديموقراطية في مختلف أرجاء المعمورة، فتحرّض الحكام على مواطنيهم وتبرّر لهم جرائمهم إذا كانت تستهدف من ترى فيهم مصدراً للخطر؟!
في هذا السياق يصبح أرييل شارون هو النموذج الأرقى للحضارة الغربية بقيمها الخالدة من حقوق الإنسان إلى ضمان حرياته جميعاً، وأبسطها حقه في أرضه الوطنية وفي أن يتنفس هواء بلاده وأن ينعم بشمسها وليلها وقمرها المعطر.
... وفي هذا السياق أيضاً لا يعود مستهجناً المنطق الذي يتعامل به السفير الأميركي في بيروت، والذي يرى أنه مكلف بمهمة مقدسة هي القضاء على كل معترض على الهيمنة الأميركية الإسرائيلية في لبنان، متخذاً من القرار 1559 سلاحاً فتاكاً بوصفه يحمل دمغة الشرعية الدولية.
ولعل بعض الذين غابوا أمس عن اللقاء التضامني مع lt;lt;المنارgt;gt; المحطة التي صنفتها الإدارة الأميركية إرهابية قد خافوا من هذه الإدارة أكثر من خوفهم من lt;lt;إرهابgt;gt; المنتسبين إلى lt;lt;حزب اللهgt;gt; أو المدافعين عن حق هؤلاء في الحياة..