قدم شعبنا في تاريخه شهداء كثيرين. قدم الشهداء قبل الاستقلال في معارك حماية كيان صغير مهدد بالغزوات. وقدم الشهداء في جبهات الجولان وسيناء، ثم قدم كوكبة كبيرة من الشهداء على يد طاغية بغداد. وفي كل مرة، كنا ندفن شهداءنا ونصمت. فالحرب من اجل حماية الوطن والشهادة على يد العدو هما عطاء وتضحية وفخر!
هذه المرة يستشهد حمد الايوبي وايمن الرشود بيد كويتية، وهذه المرة نجد انفسنا امام مواجهة الحقيقة عارية دون رتوش، ومواجهة انفسنا بصدق وبصراحة وبوضوح!
هذه المرة لن يصدق الناس تصريحات المسؤولين وقادة الجماعات المتزمتة بأن بلدنا خال من الارهاب، وانه ليس هناك كويتيون ارهابيون. وهذه المرة تبدأ مواجهة جديدة اذا استمرت ادارتها بالطريقة السابقة نفسها، فإن عهدا جديدا من الكارثة سيحل ببلدنا واهلنا!!
السلطة تتحمل المسؤولية كاملة عما يحدث في هذه الدولة المتراجعة والخائفة امام تيارات التطرف والتزمت. هذه الدولة التي يعاملونها وكأنها قطعة من الجبن يقضمون كل يوم منها قطعة صغيرة، والدولة تتراجع، والمتزمتون يتقدمون كلما طلبوا شيئا انحنت الدولة لهم حتى نجحوا في صناعة مجتمع تنتشر فيه الكآبة وكراهية الحياة، منعوا الفرح، فوافقت الحكومة، وصادروا الكتب، فارتعدت فرائص الوزراء امامهم، واقاموا دعاوى الحسبة على المثقفين، وسيطروا على بيوت العبادة، وحولوا بيوت الله الى مسجد لهذه الجمعية ومسجد لتلك، وخطيب ينتمي الى هذا الحزب وآخر ينتمي الى الحزب المنافس، وراحوا يتسابقون في التزمت، مستفيدين من حفلة التفرج والتردد التي تمارسها الدولة؟
رفعوا شعار الجهاد في افغانستان والشيشان. وحاولوا، وما زالوا، اقامة نموذج طالبان، حيث يسيطر الملالي والمتزمتون على حياة الناس ويحيلونها الى جحيم لا يطاق، دولة التنازلات، ودولة عقد الصفقات ضيقة الافق لا تعلم ان الذين تتنازل لهم اليوم يطالبون بتنازل جديد في الغد، وانهم كلما حصلوا على تنازل صاحوا: هل من مزيد؟!
هذه المرة نحتاج الى وقفة، فقد بلغ السيل الزبى، ودخل بلدنا في تطور جديد، اذا لم يعالج معالجة سياسية واجتماعية، فإنه لا امل في استقرار، والمراجعة المطلوبة لا بد ان تعتمد على الحل الامني، ولكن لا تكتفي به. فالمشكلة ليست ان هناك ارهابا، بل ان الدولة تصمت عن محاولات خلق بيئة للارهاب، حيث لا صوت يعلو على صوت المتزمتين والمتطرفين، وهذه المرة اذا لم تقف الدولة لتسيطر على مدارسها وعلى منابر مساجدها، وعلى الملايين التي تجمع من الناس فقد تجد الدولة نفسها في وضع لا تحسد عليه، واذا استمرت الدولة في قمع الناس اجتماعيا وتسليط المتطرفين على الشباب والمراهقين يمنعون كل مظاهر الحياة والفرح، ويقيمون المساجد العشوائية التي لا تعرف عنها الدولة شيئا، والجواخير والمخيمات الربيعية التي يدعى لها من يدافعون عن الارهاب الدولي دون ان يجدوا من يمنعهم، فإن البلد مقبل على كارثة!
دم الشهيدين حمد الايوبي وايمن الرشود في ذمتنا جميعا، فإما ان نقيم وطنا للجميع، يتساوى فيه الجميع ولا يتسلط فيه احد على احد او نقيم دولة الفوضى.
اما ان نقيم دولة التسامح او دولة التسلط الذي يلبس رداء الدين!
ذهب الشهيدان. لهما في نفوسنا المحبة، ولرفاقهما من رجال الامن كل تقدير. وبقي ان نطرح على الطاولة مسألة المعالجة السياسية للارهاب، فما في الفخ ربما يكون اكبر من العصفور.