قال السياسي انه منزعج هذه الأيام ومعتكر المزاج. لم أحاول ان اسأله عن السبب فقد يكون بالغ الحساسية ولا يجوز البوح به أمام صحافي. ورحت أضمن. كان أول مما خطر ببالي ان السياسي قد يكون قلقاً بسبب اقتراب موعد الانتخابات النيابية التي تلزم النواب بالعودة الى الناس والطواف في القرى ومعاينة المتاعب والاصغاء الى المشاكل فضلاً عن التلميحات الى وعود لم تتحقق وآمال تبخرت. ثم ان الانتخابات تلزم النواب بانفاق مبلغ غير قليل من المال، خصوصاً اذا شاع انهم من أهل الاقتدار.
وفي أحيان كثيرة يكون على الدولة المسكينة ان تعوض النائب ما أنفقه ولو بلي عنق القانون. وقلت ربما ان النائب طلب موعداً لحجز مقعد مضمون على لائحة مضمونة وتأخر الجواب لأن الغموض الذي لا يزال يحيط بقانون الانتخاب يحول حتى الآن دون حجز المقاعد وبيع التذاكر وضمان القفز الى المحادل أو مقطورات القطار.
رحت أجيل فكري وأخمن. يصعب الاعتقاد ان السياسي اللبناني متعكر المزاج بسبب الوضع المتدهور في العراق وصعوبة اجراء الانتخابات. ثم ان السياسي نفسه ليس من عشاق الديموقراطية، فهو يؤيد الانتخابات اذا تعذر التعيين أو التمديد ويتعامل مع الديموقراطية بوصفها دواء مراً. ثم قلت لعل النائب مرتبك بالقرار 1559. فقد يكون في سره مؤيداً له لكنه مضطر للمجاهرة بمعارضته لصون حظوظه الانتخابية وسمعته الوطنية والعلاقات التي بذل الغالي والنفيس لنسجها. لكنني تذكرت انني قرأت له تصريحاً يندد بالقرار المذكور وبالتالي فإن المشكلة غير مطروحة من هذه الزاوية.

غلبتني الحشرية وسألت السياسي لا طمعاً في التسلل الى اسراره، بل رغبة في تخفيف معاناته اذا كان ذلك ممكناً. قال السياسي ان ثمة شخصاً يؤرقه ويزعجه وينغص عيشه من دون ان يتمكن من ايجاد حل يخلصه منه. ورحت أفكر. في الغالب يساق هذا الكلام ضد صاحب موقع كبير في الدولة أو قطب في الحياة السياسية. وتساءلت هل الشخص المقصود هو الرئيس اميل لحود مثلاً أو الرئيس رفيق الحريري. لم يطل الغموض فقد كشف السياسي ان الشخص الذي يؤرقه ويزعجه هو السفير الاميركي في لبنان جيفري فيلتمان. قال ان تحركات فيلتمان تستفزه ولهجته تثير حنقه وتصريحاته تجرح كرامته الوطنية. وتساءل: من اعطى السفير الاميركي حق توجيه الرؤساء وتوزيع شهادات حسن السلوك والتدخل في الشؤون الداخلية وتحديد شروط السيادة ومعنى الارهاب والانتخابات النزيهة؟
انتابني الضحك حين عرفت السبب فاستهجن موقفي. قلت له ان السفير الأميركي في موسكو يوزع الشهادات ايضاً على رغم ان روسيا تنام على ترسانة نووية تكفي لدفع العالم الى رماده. وان السفير الاميركي في بكين يحاضر ايضاً عن حقوق الانسان والملكية الفكرية ومصير تايوان. وما يصدق في موسكو وبكين يصدق في عواصم اخرى. سألني عن الحل فتمنيت عليه عدم اعطاء المسألة طابعاً شخصياً لقطع الطريق على الحاجة الى المهدئات والحبوب المنومة ولفته الى حل وحيد لصلافة السفير الاميركي وهو السعي الى بناء دولة محترمة، دولة تحترم القانون وتحترم مواطنيها وعندها لن تكون امتحانات السفير الاميركي مقلقة ولا عنجيته مؤرقة.