صنعاء من صادق السلمي: تواصل "الوطن" كشف محطات وتفاصيل هامة حول انتقال بعض اليمنيين من أزقة وحواري صنعاء إلى جبال جلال أباد وقندهار في أفغانستان. وفي الحلقة الأولى كشف اليمني (توفيق. س) أنه اختلس مبلغ 150 ألف ريال من مديونية لوالده استوفاها من أحد الزبائن لتدبير مصارف السفر إلى أفغانستان.
وأوضح أنه عندما وصل إلى أفغانستان انغمس في الجهاد ضد الشيوعيين، لكنه بدأ عملية مراجعة لما حدث وقال: "تكشفت لي أمور كثيرة، فبعد عام تقريبا من وصولي عرفت أن الشيخ سعد لم يكن فقط داعية بل كان مكلفاً باختيار الشباب الذين لديهم استعدادات للجهاد وتدبير أمر سفرهم، يعني إذا كان هناك "غازي" موثوق في نيته ورغبته في الجهاد يتم تجهيزه من أموال مخصصة لهذا الغرض هي عبارة عن هبات وتبرعات يتم تحويلها من الداخل والخارج، فهناك ميسورون يعتبرون المساهمة في تيسير قيام الشباب بالجهاد أفضل أوجه عمل الخير، ومثل هذه التبرعات والهبات كانت تصل أو تحول على أرقام حساب تخص شخصيات دينية كبيرة ومهمة ولها وزنها، وقد عرفت من هذه الشخصيات 3 وكلهم يتولون الآن مناصب مهمة في أحد الأحزاب السياسية في اليمن".
وكان هناك تشجيع للراغبين في التوجه للجهاد وتسهيلات منها أن أجهزة الأمن كانت تعرف ما يدور من تحركات لناشطين في مجال الدعوة وتعرف أن هؤلاء يدعون للجهاد في أفغانستان، وكان هناك عدد من المساجد التي لا تشرف عليها الأوقاف ويسطر عليها شخصيات دينية كبيرة تحظى بدعم ونفوذ في الدولة كانت تستقبل مجاهدين قادمين من أفغانستان، وتنظم لهم محاضرات وندوات ويخطبون في المنابر لحث الشباب على الجهاد، كما كانت تنظم معارض للصور تعرض صورا فظيعة لضحايا العدوان الشيوعي على الأبرياء في أفغانستان، وقد رأيت شيخاً كبيراً كان يخطب بشكل مستمر في أحد مساجد صنعاء في مدينة بيشاور أثناء وجودي في "مكتب متخصص في تقديم خدمات للمجاهدين العرب" يشرف عليه عبد الله عزام الذي استشهد قبل عودتي إلى اليمن بـ3 أشهر فقط في العام 1989، وهذا الرجل التقيته وتأثرت بشخصيته الطيبة وقد حزنت جدا لاغتياله".
ويضيف: "كان الشيخ اليمني بصدد السفر عبر بيشاور الحدودية إلى منطقة أجاجي، حيث يوجد معسكر أنشيء بدعم كبير من أسامة بن لادن قبل وصولي إلى أفغانستان بمدة بسيطة.
وتعرفت في المعسكر على شباب من مختلف الجنسيات العربية، وكان مخصصاً فقط للمتطوعين للجهاد من العرب يتم فيه التدريب على استخدام الأسلحة والمعسكر تقريبا على الحدود الباكستانية - الأفغانية، إذ إن منطقة "أجاجي" منطقة حدودية أصلا.
وطوال فترة بقائه في أفغانستان عاش توفيق حياة قتال وجهاد وعاش حياة مختلفة في المناطق التي ظل فيها في تلك البلاد وتدرب على السلاح لمدة شهرين، ولم يشارك في معارك في البداية وقال: "كنت أرابط في مواقع جبلية وشاركت فعليا في معارك عديدة بإقليم قندهار، لم أصب ولكن العديد من المجاهدين العرب استشهدوا لعدم قدرتهم على تطبيق ما تعلموه من استخدام الأسلحة أثناء المعارك، الكثير من المتطوعين للجهاد الوافدين من اليمن لم يكونوا يمرون بفترات طويلة للتدرب على الأسلحة لذلك كان الشباب اليمني من أفضل المجاهدين في المعارك ضد القوات الشيوعية".

ابتزاز باسم الجهاد
في نوفمبر من العام 1989حط توفيق رحاله في اليمن من جديد: "عدت إلى اليمن في منتصف نوفمبر من العام 1989، ولم أصل من باكستان مباشرة إلى اليمن، بل سافرت إلى السعودية وأديت العمرة ثم عدت من هناك".
وعند عودته كانت هناك مفاجآت صدمته كثيراً في بعض ممن كانوا سبباً في سفره إلى أفغانستان ويقول: "علمت بأشياء أحزنتني وصدمتني في أشخاص كنت أكن لهم محبة خالصة في الله، ومما علمته أن والدي تعرض لعمليات ابتزاز من الشيخ سعد الذي استغل حزنه على فقدي ليطلب منه مبلغاً كبيراً كي يتمكن من إعادتي، هذا الرجل أخذ من والدي أكثر من 400 ألف ريال وأفهمه أنه سيسافر إلى باكستان ومنها إلى أفغانستان، وقال له لن أعود إلا وابنك معي، لكنه لم يتحرك من منزله".
لهذا قرر توفيق مواجهة الشيخ سعد: "بعد عودتي بأسبوع ذهبت إلى منزل الشيخ وواجهته بالحقائق، بالطبع كنت غاضبا، وتكلمت معه بحدة فأخبرني أنه كان ينوي السفر فعلا لأنه أشفق على والدي، ولكنه لم يستطع ففضل أن ينفق المبلغ الذي استولى عليه بالمخادعة من والدي في تجهيز شباب للجهاد، وقد أوصاهم بمجرد وصولهم إلى أفغانستان أن يبحثوا عني في أي موقع ويطلبوا مني العودة لأن صحة والدي تتدهور يوما بعد آخر، لكن بعد وصولي إلى باكستان اتصلت هاتفيا بوالدي وأخبرته أنني بخير، وطلبت منه أن يسارع بتحويل مبلغ من المال لي كي أعود وقد أرسل بالفعل مبلغ 2000 دولار عدت به إلى اليمن".


الفرسان الثلاثة
تعتبر قصة توفيق واحدة من حالات عدة لشباب قرر خوض الجهاد في أفغانستان، وهنا قصة لـ3 أصدقاء جمعتهم الحياة في اليمن وفي أفغانستان على السواء، فقد كانوا 3 جمعتهم الصداقة والمدرسة والحي السكني المشترك قبل أن يشبوا عن الطوق ليتفرقوا بعد أن التحق أحدهم بوظيفة حكومية فيما لم يجد الاثنان الآخران سوى الاشتغال بالأعمال الحرة، وتخصص الأول في بيع العطور والبهارات؛ في حين فتح الآخر محلاً صغيرا لبيع الفواكه والخضراوات بأحد الشوارع الفرعية بصنعاء.
مضت سنوات لم تتخللها سوى لقاءات قليلة بين الأصدقاء الثلاثة "أحمد" أو "أبو الحارث" كما رغب أن نطلق عليه عندما وافق على الحديث معنا، بالإضافة إلى "عبد السلام" و"فتح الله الرميم" قبل أن يلتم شملهم مرة أخرى بعد أن نجح أحد الدعاة ويدعى "أبو إسماعيل الرحبي" في استقطابهم واحداً تلو الآخر بمناشدة من أحدهم الذي أراد أن يكون لصديقي عمره نصيب من الهداية على حد قوله. وخلال ما يزيد عن العام والنصف كان الأصدقاء الثلاثة قد وصلوا إلى قناعة راسخة بضرورة التوجه للجهاد بعد أن تلقوا جرعات مكثفة من التحفيز الديني جعلتهم يتقدون حماسا للقتال ضد القوات السوفيتية.
وفي 28 مارس من العام 1984 كان الأصدقاء الثلاثة على الحدود الباكستانية - الأفغانية حيث تمكنوا بعد ذلك بيومين من الوصول إلى حيث كان بانتظارهم حشد من المجاهدين الأفغان الذين أشرف بعضهم على تجهيزهم بتوجيهات من البروفيسور عبد رب الرسول سياف حيث تم تزويدهم بالأسلحة.
يقول أبو الحارث وهو أحد اثنين من الثلاثة الأصدقاء الذين عاد إلى اليمن سالمين فيما استشهد الصديق الثالث "فتح الله" بشظية في القلب أثناء قصف عنيف تعرض له معسكر الأنصار من قبل قوات الجيش الأحمر في العام 1987: "ذهبنا إلى أفغانستان أنا وعبد السلام والشهيد فتح الله لرغبة صادقة في الجهاد، ربما كان للظروف المادية الصعبة التي كنا نعيشها دور في التسريع بقرارنا في السفر إلى باكستان ومنها إلى أفغانستان، إلا أن نية الجهاد كانت متوافرة لدينا كقناعة راسخة قبل كل شيء، لكن هناك العديد ممن توجهوا إلى أفغانستان الذين ذهبوا لأنه ليس لديهم شيء يفعلونه هنا".
ويعترف أبو الحارث بأنه لم يكن نادماً على قراره الخطير في حياته: "لست ناقما على شيء، لم يغرر بي أو بأصدقائي الذين احتسبت أحدهم شهيدا عند الله تعالى"، لكنه قال إنه يريد أن يكشف ما اعتبره واجبا عليه خاصة وأن الكثير من الذين كانوا ينظمون شؤون الشباب وتجهيزهم للجهاد في أفغانستان وقال: "أفغانستان حالة اكتملت فيها اشتراطات الجهاد، بلد مسلم يتعرض لعدوان، والجهاد هنا لا غبار عليه كفرض واجب لا يسقط بالتكافل، لكن هناك من استغل الحرب في أفغانستان لمصالح شخصية، لقد تكونت ثروات كبيرة من وراء التبرعات التي كانت تدفع لتجهيز الناس الراغبين في الجهاد وأحد الأشخاص ويدعى "خ . ك" كان من الناشطين في مجال الدعوة ومن خلاله توجه العديد من الشباب إلى أفغانستان، لكنه للأسف كان يستلم مبالغ كبيرة من متبرعين ويستحوذ عليها لنفسه وأتذكر أن أخا في الله استشهد في إقليم" قندز" وهي منطقة تقع إلى الشرق من مدينة مزار الشريف واسمه "ياسين الجمري" يكني بأبي العز أعطى "خ. ك" قبل سفره من صنعاء إلى باكستان مبلغا كبيرا من المال إضافة لمصوغات ذهبية قيمة للغاية جلبها معه من السعودية، حيث تقيم أسرته وقد جاء اليمن بمفرده بهدف تجهيز منزل فخم اشتراه والده عبر وكيل من أسرته في صنعاء، وكان من المفروض أن تأتي أسرته إلى صنعاء لقضاء الإجازة الصيفية في المنزل الجديد، وما حدث أن "أبو العز" سافر إلى باكستان ليقوم "خ . ك" بالاستحواذ على المال والمصوغات الذهبية لنفسه واستغلاله في بناء غرفتين وحمام كملحق بمنزل أسرته ثم تزوج امرأة من عدن تدرس في معهد لتعليم البنات في العاصمة صنعاء".
ويضيف: "موضوع الوديعة الموقوفة التي تركها أبو العز بيد "خ . ك" علمته من لسان الشهيد ذاته أما استحواذ الرجل على الوديعة فقد أخبرني بها أقرب الناس للشهيد، وهو شاب كان يعتزم السفر لأفغانستان وتراجع عن الأمر بعد أن سئل "خ . ك" بعد سفر أبو العز لماذا لا تذهب أنت للجهاد في أفغانستان؟ ولم يقتنع بإجابة الأخير فصرف نظره عن الجهاد برمته.
وعلم والد عز الدين باستشهاد ابنه بعد أن أرسل له أحد أقاربه في السعودية نسخة من مجلة "الجهاد" والتي كانت تصدر في بيشاور ويشرف عليها عبد الله عزام، وهذه المجلة كانت توزع باشتراكات وتنشر أخبار المجاهدين كما تنشر صور الشهداء أولا بأول، وقد نشرت صورة أبو العز مع توضيح أنه استشهد لإصابته بشظية اخترقت رأسه، حينها قرر المجيء إلى اليمن.
وتابع أبو الحارث: "عندما جاء والد عز الدين إلى اليمن وأحاطه صديق أبو العز بكل ما حدث وخاصة استيلاء "خ . ك" على وديعة ابنه وهو ما جعل والد الشهيد يذهب إلى حيث يسكن لتصفية حسابه معه ولكن عندما علم "خ . ك" أن الرجل سأل عنه في المسجد هرب إلى مدينة تعز.

الجهاد الصفقة
يقول أبو الحارث إن (خ . ك) ليس وحده من سلك ذلك السلوك، بل إنه مجرد نموذج وهناك العديد مثله كانوا يتسابقون لتسليم شباب جاهز للسفر إلى أفغانستان للجهاد كي يحصلوا على فوائد من وراء ذلك، ودلل بشخص آخر ذكر اسمه بالكامل وفضلنا الرمز إليه بحرفي "أ. و" وقال عنه بأنه شاب يحفظ القرآن كاملا وقد توجه إلى أفغانستان ولم يمكث هناك سوى شهر واحد فقط تنقل بين معسكرين والتقط الصور لنفسه كي يثبت أنه كان مجاهدا ثم عاد ليتم توظيفه في هيئة المعاهد العليمة بمركز وظيفي جيد، يعني أي أنه ذهب إلى أفغانستان لتسجيل الحضور لا أكثر.
ويلخص أبو الحارث تجربة الجهاد في أفغانستان بقوله: "في أفغانستان هناك من فقد حياته سعى مخيرا لا مسيرا للفوز بالشهادة، وهناك من تعاطى مع القضية كلها كصفقة، أثرى من ورائها الكثيرون ومنهم شيخ ملأ الدنيا صخبا بفتاويه النارية، لكنه أرسل بـ4 آلاف دولار مع أ حد مرافقيه لشخص هدده بالقتل أن هو لم يعوضه عن إصابة لحقت به في أحد المعارك بأفغانستان، والشخص الأخير مات قبل أسابيع في أحد مستشفيات العاصمة صنعاء متأثرا بذبحة صدرية مفاجئة".
سماسرة جهاد
الصديق الثاني لأبي الحارث والناجي من حرب أفغانستان تحدث أيضاً لـ"الوطن" عن التجربة التي خاضها، ويتفق عبد السلام مع صديقه حول أشياء كثيرة تحدث فيها عن التجربة في أفغانستان ويقول: "لن أزيد على ما قاله "أبو الحارث"، لكنني أريد أن أوضح بعض الأشياء الهامة من وجهة نظري، وسأبدأ من قضية السمسرة على حساب المجاهدين، نعم الكثير من الوسطاء وهؤلاء من الدعاة وبعضهم مشائخ لهم وزنهم في البلاد لم يكونوا أكثر من "سماسرة" استثمروا الدين لحساب مصالحهم ظفروا بالمال وبمتاع من الدنيا، قليل من شاركوا في الجهاد بنية خالصة لوجه الله بثواب عند الله عظيم".
ويرى عبد السلام أن الكثير من شيوخ الجهاد استغلوا الحماس الذي كان لدى الشباب للجهاد والسخاء الذي قدمه فاعلو الخير لدعم المجاهدين: "كثيرون استغلوا أموال التبرعات لتجهيز المجاهدين لحسابهم وهؤلاء حسابهم عند الله عسير يوم القيامة، أحد هؤلاء استلم تبرعا كبيرا من رجل أعمال خليجي واستثمر المبلغ في امتلاك محل لبيع العسل البلدي وشراء سيارة نوع "شاص".
ويضيف: "عندما شاركت في الجهاد كنت أتمنى الشهادة لأنني ذهبت أصلا بنية خالصة، وأبو الفتح رحمه الله استشهد وقبل أن يستشهد قال لي قبل ساعات من مصرعه إنه يشعر أن الشهادة أصبحت على مرمى حجر منه وقد نال ما تمنى، كان مخلصا في نيته ولن ينقص من ميزان حسناته "خساسة" داعية كان يمثل دور المرشد وهو من الله بعيد".
ويقول إن هناك شخصيات دينية أخلصت لله ولقضية الجهاد ودفعت بأغلى ما لديها للمشاركة في هذا الواجب العظيم، من هؤلاء الشيخ عبدالوهاب الديلمي وهو من قيادات حزب التجمع اليمني للإصلاح، حيث تلقى خبر استشهاد ابنه "هشام "فتهلل وجهه، وكانت نتائج الثانوية العامة قد ظهرت ونجح ولده بتفوق لكنه لم يعلم بنجاحه لأنه كان عند الخالق جلا وعلا شهيدا مكرما، ومما علمته أن الشيخ الديلمي قال إن ولده لم يتزوج في الدنيا لكنه سيتزوج حور العين في الجنة، هذا نموذج طيب، وأمثال الشيخ الديلمي عديدون لكن أيضا من سمسروا من وراء إرسال المجاهدين إلى أفغانستان كثيرون".
وأراد عبدالسلام أن يقول رأيه في ختام حديثه: "هناك العديد من الشباب اليمنيين الذين توجهوا للجهاد في أفغانستان لم يذهبوا بنية الجهاد بقدر ما دفعتهم ظروف مادية صعبة وظروف أسرية إلى التفكير بأي مخرج من هذا البلد ولو كان للذهاب إلى أفغانستان".
وأضاف: "لقد تعرفت أثناء وجودي في أفغانستان على الكثيرين من الشباب الذين لا تتجاوز أعمارهم الـ 20-25 سنة، كان بعضهم يعيش مشاكل أسرية مستمرة وهربوا من بيوت أسرهم واستقطبهم بعض الدعاة وبعضهم لم يجد عملاً وعانى من البطالة وبعضهم عانى من ضياع نفسي وروحي، وقد سافروا إلى أفغانستان لأن هناك من أفهمهم أنهم لن يدخلوا معارك بل سيرابطون في مواقع فقط، أي أنه لم يكن لديهم نية الجهاد بل الهروب من واقع تعيس ومقرف ومحبط".