قبل اقل من شهر، تحدثت معلومات في بيروت عن لقاء بعيد من الاضواء جرى بين الرئيس السوري بشار الاسد والمرجع الشيعي السيد محمد حسين فضل الله. واللافت ان المراقبين لم يهتموا بطبيعة اللقاء بقدر اهتمامهم، بما حمله المرجع فضل الله لدى عودته من دمشق من رسائل, فقد قيل انه نقل الى رئيس مجلس النواب نبيه بري رسالة عتب من رأس القيادة على «غيابه» عن التصدي، من موقعه كرئيس للسلطة التشريعية في لبنان، كرئيس لحركة «امل»، لما يجري من تطورات دراماتيكية على الساحة اللبنانية، بعد الهجوم الكبير للمعارضة على سورية، وخصوصاً بعد انضمام رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط اليها، واتساع حركتها وارتفاع صوتها فوق كل الاصوات الاخرى، حتى بدت كأنها هي سيدة الموقف في لبنان, و«صمت» بري حيال كل التطورات المتسارعة، في الاونة الاخيرة، اثار اكثر من تساؤل واشكالية فرغم هذا «القعود» والغياب من جانب بري، فان الكثير من اركان الطائفة الشيعية تناهى الى سمعهم ما يفيد انهم باتوا الان يمارسون دور الحامي للنظام والمدافع عن الوجود السوري في لبنان، وان دور الطائفة السياسي بات مقصوراً على كونها احتياطي النظام، في حين ان حركتها السياسية انطفأت وخبت بعدما سرقها الاخرون وبالتحديد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط.
وقد انعكس هذا الامر على الطائفة ككل، بحيث بدت بحسب قول النائب محمد عبد الحميد بيضون انها في «حال وهن»، وامتد حبل التساؤلات داخل الطائفة حول مستقبلها، اذا اعيد تركيب لبنان في حال انسحاب سورية منه وتبدل اساس المعادلة التي رست بعد اتفاق الطائف العام 1989 .
وعموماً للحظة من اللحظات، بدأت تتراكم في اذهان الكثيرين ان هناك اعادة احياء لتحالف طائفي (سني، درزي، ماروني) بمعزل عن الطائفة الشيعية, وقد زاد هذا الاعتقاد حضوراً، صمت بري، وانكفاء «حزب الله» خصوصاً بعدما اخفق في اداء دور الوسيط بين جنبلاط ودمشق.
وذهب البعض في معرض تحليله لهذا الامر الى القول ان غياب الدور الكبير للطائفة الشيعية، بدأ منذ فترة، وتحديداً منذ ان قرر السوريون الانعطاف في علاقاتهم اللبنانية في اتجاه الطائفة المارونية، فكان دعمهم الكبير لموقع رئاسة الجمهورية ودعمهم لصلاحيات فقدها هذا المركز في السابق بفعل اتفاق الطائف نفسه.
ولكن المفارقة ان الموارنة ابدوا رد فعل اكثر مما ابدوا عقلانية، فهم ارادوا ان يحاكموا السوريين على علاقتهم بهم منذ اكثر من 20 عاماً.
«الذبول»
بيد ان في الطائفة من يعتقد ان سبب «ذبول» دور الشيعة عائد الى القيادة الشيعية نفسها التي تمسك بزمام الطائفة وبالتحديد حركة «امل» بزعامة الرئيس بري و«حزب الله» بزعامة السيد حسن نصرالله.
فالاول اطمأن الى امساكه بزمام الحصة الشيعية في الدولة وبات همه الاكبر المحافظة عليها، ومحاربة من ينافسه، فيما الثاني استغرق كاملاً في لعبة مواجهة اسرائيل، وبنى كل استراتيجيته وعلاقته على اساس حماية هذا الدور.
واذا كان هذا الواقع قد امن لـ «حزب الله» بريقاً اعلامياً وحضوراً شيعياً، فانه اضعف دوره في المعادلة الداخلية، وصيّرة في موقع التابع.
اما الاول اي بري، فان واقع الحال هذا صيره، كما يقول النائب بيضون في «جزيرة معزولة» وافقده حركته، واستطراداً افقده دوره الريادي السابق الذي كان له وللطائفة، فهو بات عاجزاً عن القيام باي مبادرة، سياسية يعتد بها، ويمكن ان يبني عليها حركة سياسية معينة خصوصاً في وقت الازمات.
وهكذا ادار الرئيس بري لعبة التمديد لرئيس الجمهورية اميل لحود، ولكنه لم يستطع لاحقاً القيام بأي دور لمواجهة مرحلة ما بعد التمديد.
تباين
وطبعاً ثمة تباين في الاراء حيال سلوك بري هذا، فالمدافعون عنه يقولون ان ثمة من عمل بالاساس لكي يُحاصر ويضيق عليه، سواء بالفعل او بواسطة الاعلام, فكيف يطلب منه ان يؤدي دوراً معيناً في المراحل الصعبة وهو المشكك به والمتهم دوماً.
اما منتقدوه فيرون خلاف ذلك اذ يحملونه مسؤولية ما حصل، ويحملونه ايضاً مسؤولية وصول العلاقات اللبنانية ـ السورية الى هذه المرحلة من الازمة، واكثر من ذلك يحملونه ما حل بالطائفة الشيعية سياسياً واجتماعياً، ولا سيما ان «حزب الله» بايعه بالاصل زعيماً سياسياً للطائفة، في مقابل انه يؤمن له (اي للحزب) حماية سياسية, وقد تجلى ذلك في دورات الانتخاب الثلاث الماضية (1992 و1996 و2000)، اذ قبل الحزب بأن يكون له الحصة الاقل من المقاعد النيابة الشيعية, وقد تحمل الحزب، باعتراف قادته، الكثير من السلبيات من جراء قبوله بهذه المعادلة، اذ اتهم من جانب الفريق المستقل في الطائفة الشيعية بأنه (الحزب) أباح لبري ولحركته الاستئثار بالشيعة كلهم وبدورهم وبحصتهم وتركهم تحت رحمته، في حين يتوجب عليه ان يكون قوة توازن مع الحركة، تتيح المجال امام حركة سياسية ناشطة بين الطرفين.
بدأ يأخذ دوره
وحيال ذلك كله، بدا «حزب الله» في الآونة الاخيرة مضطراً الى القيام بدور ما يعيد للطائفة الشيعية حضورها السياسي، ولا سيما ان ثمة من ذهب في معرض تحليله لسكون بري الى القول انه ما برح يراهن على عودة التركيبة السابقة وهي «تركيبة» الرئيس رفيق الحريري.
وعليه، فقد شرع «حزب الله» في حركة سياسية لافتة ومميزة، وفيما اضحى مقر الامانة العامة للحزب في محلة بئر العبد في الضاحية الجنوبية لبيروت محجة لغالبية الوزراء والشخصيات السياسية الرسمية، وصار امينه العام السيد حسن نصر الله قطب الرحى في الحركة السياسية في البلد عموماً، كانت دوائر الحزب تمد خطوط التواصل مع جزء من المعارضة المسيحية ولا سيما «التيار العوني», وكانت ذروة هذه الحركة في اللقاء الذي انعقد بين السيد نصر الله ووفد «لقاء قرنة شهوان» المعارض, وسبق كل هذه الحركة وواكبها خطاب سياسي مميز لنصر الله ولقادة الحزب، حمل مضموناً جديداً وطرحاً مميزاً في خضم التجاذب الحاد بين المعارضة والموالاة, وقد اعطى الحزب في السابق اكثر من اشارة للدلالة على انه يذهب في الموالاة الى حدها الاقصى ولن يقطع جسور التواصل مع المعارضة, ومن هذه الاشارات دوره في «مظاهرة المليون»، اذ ان مشاركته فيها كانت مدروسة ودقيقة وفهمتها المعارضة على انها رسالة ايجابية.
وهكذا، كان اداء الحزب في الاشهر الثلاثة الماضية مخصصاً للتوجه نحو الداخل اللبناني، وقد نجح الى حد بعيد في جعل نفسه محور المعارضة والموالاة على السواء، ونجح في ابتكار لغة سياسية مميزة من حيث حرصها على استقرار البلاد وأمنها ومصيرها.
وثمة من يؤكد ان هذا الدور الذي كلف نفسه به، سيكون له تأثير في المستقبل، اذ سيؤمن خروجاً مشرفاً للسوريين وتهدئة لاندفاعة المعارضة في هجومها على سورية.
وفي موازاة ذلك، ثمة من يرى ان هناك تعويماً حاصلاً للرئيس حسين الحسيني للمرحلة المقبلة، فالرجل الذي بدأ حركة سياسية لافتة، والمتكئ على رصيد سابق من العلاقة مع المسيحيين ومراجعهم السياسية والروحية، بدأ يعمل كانه عائد الى رئاسة مجلس النواب في المرحلة المقبلة.
ويبدو النائب محمد عبد الحميد بيضون من انصار هذا الرأي، استناداً الى ان بري لم يعد الشخص المؤهل للمنصب الذي يشغله منذ 12 عاماً والذي افقده هيبته ودوره، منذ ان عقد اتفاقاً ضمنياً مع الرئيس رفيق الحريري.