أحاول الوصول إلى نتيجة واضحة حول ما إذا كان ينبغي أن نقيم الانتخابات في موعدها المحدد، أم نوافق على تأجيلها. وقد وجدت أنه من المناسب أن أرجع إلى القواعد الأساسية التي اعتمدت عليها في تقاريري عن الشرق الأوسط، والتي صغتها وطورتها خلال أكثر من 25 سنة ، قضيتها في تغطية قضايا هذه المنطقة.
القاعدة الأولى: لا تستهل خبرك بالحديث عن وقف إطلاق النار في لبنان أو غزة أو العراق، لأن الراجح أن إطلاق النار سينهار صباح الغد ، في نفس الوقت الذي تصل فيه الصحيفة إلى القارئ.
القاعدة الثانية: لا تؤمن بصحة تنازل ما ، إلا إذا سمعته من نفس الشخص الذي يقوم بالتنازل. وإذا كنت أتقاضى فلسا واحدا عن كل وعد قطعه لي أشخاص مختلفون، نيابة عن ياسر عرفات، بأنه سيعترف بإسرائيل، لكنت أصبحت رجلا غنيا.
القاعدة الثالثة: سيكون النصر حليف الإسرائيليين في كل منازلة ، ولكن الفلسطينيين لن يسمحوا لهم بالاستمتاع بالنصر. كل ما عدا ذلك يدخل في باب التعليقات وليس الأخبار.
القاعدة الرابعة: في الشرق الأوسط، إذا لم يكن بمقدورك أن تشرح حدثا ما بنظرية المؤامرة، فيحسن بك أن تكف عن شرحه تماما، لأن أحدا لن يصدقك.
القاعدة الخامسة: في الشرق الأوسط يذهب المتطرفون إلى آخر الشوط، بينما يذهب المعتدلون إلى منازلهم.
القاعدة السادسة: اللازمة الأكثر استخداما بين المعتدلين في الشرق الأوسط هي: كنا على وشك مواجهة هؤلاء الأشرار، لولا أنكم أيها الأميركيون ارتكبتم هذا الخطأ الغبي. وإذا لم تقوموا أيها الأميركيون الأغبياء بذلك العمل الغبي، لكنا وقفنا في وجوههم، ولكن الوقت قد فات الآن. إن الخطأ يعود كله إلى غبائكم أيها الأميركيون.
القاعدة السابعة: السياسة في الشرق الأوسط ليست مرتعا سعيدا. عندما يكون طرف ما ضعيفا فإنه يقول لك «كيف أساوم وأنا على هذا الضعف؟»، وعندما يصير قويا يقول لك: « لماذا أساوم وأنا القوي؟»
القاعد الثامنة: ما يقوله لك الناس في الشرق الأوسط في جلسات خاصة لا مكان له من الإعراب. إنه كلام والسلام. الأمور المهمة هي تلك التي يصرحون بها ويدافعون عنها علنا، باللغة العربية، أو العبرية، أو أية لهجة محلية. ما يقال باللغة الإنجليزية لا قيمة له.
بناء على هذه القواعد الثماني، فإنني أعارض معارضة شديدة كل دعوة لتأجيل الانتخابات العراقية المزمع إجراؤها يوم 30 يناير (كانون الثاني) الحالي. الحجة الأساسية التي يستند إليها المنادون بتأجيل الانتخابات هي أن أية انتخابات تضع الأغلبية الشيعية في السلطة، وتبعد الأقلية السنية، ستبذر بذور الحرب الأهلية. وهذا ربما يكون صحيحا، ولكننا الآن نخوض حربا أهلية في العراق. وقد أشعل الحرب الأهلية البعثيون السنة، وحلفاؤهم الفاشيون من كل المنطقة، وذلك منذ اللحظة الأولى التي أسقطت فيها الولايات المتحدة صدام حسين. وقد أشعلوا تلك الحرب ليس لأنهم كانوا يعتقدون أن الانتخابات العراقية سيجري تزويرها، بل لأنهم كانوا يعلمون علم اليقين أنها لن تزور. لم يشعلوا الحرب الأهلية لينالوا نصيبهم العادل في السلطة، بل لأنهم كانوا يأملون في الاحتفاظ بنصيبهم غير المستحق.
أما الفكرة القائلة بأن تأجيل الانتخابات عدة أشهر سيمكن «المعتدلين» السنة من إقناع المتطرفين بتغيير أساليبهم، فهي من الأفكار الميتة، وأعني ذلك حرفيا. فأي تأجيل سيمنح مزيدا من الجرأة لهؤلاء المسلحين لقتل مزيد من رجال الشرطة العراقيين ولإرهاب أعداد أكبر من السنة أنفسهم. وسيقنعهم مثل هذا التأجيل بإمكانية إلحاق الهزيمة بمشروع إعادة بناء العراق.
هناك طريقة واحدة لانتصار حجة المعتدلين العراقيين السنيين، وهي أن يضطر المتطرفون لمواجهة حقيقة أن تكتيكاتهم لم تفشل فقط في إيقاف الانتخابات، بل وضعت السنة على شفا حفرة عميقة. وعندما يقاطع السنة الانتخابات فإنهم لن يفقدوا فقط نصيبهم غير العادل من السلطة الذي تمتعوا به في العراق القديم، بل سيفقدون نصيبهم العادل في العراق الجديد. وفي ضوء هذه الاعتبارات فإن الخيار الأقل سوء بالنسبة لأميركا هو أن تواصل إجراءاتها لعقد الانتخابات، وألا تنظر في التأجيل إلا إذا طالبت به الأغلبية الشيعية، وأن تركز كل جهودها، ليس على إرضاء المقاتلين الفاشيست، بل على الأغلبية المعتدلة من الشيعة والأكراد، والذين سيفوزون في هذه الانتخابات لا محالة.
وبالرغم من قاعدتي السابعة، فإن فرصتنا في تحقيق نتيجة محترمة، عن طريق حث الأكراد والشيعة على أن يكونوا كرماء في نصرهم، خدمة لمصالحهم الذاتية، أكبر من فرصنا في إحراز نتيجة مشابهة من خلال حث السنة على أن يكونوا كرماء في هزيمتهم.