يتعاظم الشعور بالتفوّق عند إسرائيل، بقيادة أرييل شارون، بما يجعلها تتصرف وكأنها بذاتها مقررة مصائر الدول والشعوب، الكبيرة منها والصغيرة، القريبة منها أو البعيدة، باعتبار أن سيف قوتها يطال الأرض من أقصاها إلى أقصاها.
ومع أن أحداً لا ينكر على إسرائيل قدراتها السياسية منها والعسكرية، لا سيما مع توطد حلفها الشيطاني مع الإدارة الأميركية بقيادة جورج .و. بوش التي يحكمها ويوجه خطواتها lt;lt;المحافظون الجددgt;gt;، إلا أن غرور القوة يدفع بإسرائيل أرييل شارون إلى الاستهانة بالمجتمع الدولي عموماً بدوله الكبرى قبل الصغرى. ولقد شهد العالم في السنوات القليلة الماضية أنماطاً من التحدي الإسرائيلي لغير دولة من الدول المؤثرة في أوروبا (فرنسا واستقدام اليهود منها، بلجيكا ومحاكمة أرييل شارون على مذابح صبرا وشاتيلا، ألمانيا وتقصّد إذلال مستشارها في أكثر من مناسبة باستحضار شبح النازية إلخ)...
أما تحقير محكمة العدل الدولية ودفن قرارها (الاستشاري) تحت جدار الفصل العنصري الذي يقضي على احتمال قيام دولة فلسطينية ما، في المستقبل، ولو فوق جزء من أراضي فلسطين، فما زال ماثلاً أمام عيون المجتمع الدولي المعطلة إرادته بالقرار الأميركي المساند لشارون مهما طغى وتجبّر.
اليوم جاء الدور على روسيا، التي طالما جاملت إسرائيل بل وlt;lt;أكرمتهاgt;gt; بالتسهيلات التي أمنت انتقال حوالى مليون مواطن روسي إلى الدولة العبرية، لم تستطع أن تحافظ على أكثر من ربعهم بينما اتخذ منها الآخرون معبراً إلى الغرب.. الأميركي خصوصاً، بينما ابتنى من اتخذ من إسرائيل وطناً جديداً أو بديلاً أدوات نشاطهم السياسي، وأقاموا مجتمعاتهم الخاصة ليحموا أنفسهم من lt;lt;التمييزgt;gt; الذي واجههم في lt;lt;أرض الميعادgt;gt;.
ها هي إسرائيل أرييل شارون تحاول مصادرة القرار في روسيا فلاديمير بوتين، وتتصرف معها بطريقة تتجاوز الوقاحة إلى التدخل المباشر في سياساتها وفي علاقاتها الخارجية، بل وفي تجارتها ومحاولاتها النهوض من نكسة الانجراف مع غيلان الاقتصاد الحر، بغير ضوابط أو روادع، مما ألحق أفدح الأضرار بالاقتصاد الروسي وأخرج منها الكثير من مدخراتها ومن رأس المال المالي الذي توفر من lt;lt;بيعgt;gt; العديد من مؤسسات القطاع العام إلى اللصوص والسماسرة، بأرخص الأسعار، في عملية سرقة مفضوحة وصفت بأن ليس لها مثيل في تاريخ صفقات الإذعان!
ولقد لبس ارييل شارون ثياب الحرب وهو يهجم على روسيا بوتين لأنها تجرأت ففكرت بأن تبيع الى سوريا بعض الصواريخ التي تملك إسرائيل ما هو أقوى منها بطاقته على التدمير، وأبعد مدى بما لا يقاس... بل انها تعرض بعض ما تنتجه من هذه الصواريخ بعيدة المدى، فضلاً عن الطائرات الحربية القاذفة والمقاتلات، وطائرات الاواكس التي تعيد انتاجها بتسهيلات استثنائية من الإدارة الأميركية الى العديد من دول العالم، بينها دول كبرى.
إن إسرائيل التي طالما جربت كل اسلحة التدمير والقتل التي تنتجها، بتراخيص أميركية استثنائية، في الشعب اللبناني فدمرت بعض مرافقه الحيوية وبعض قراه، إبان احتلالها بعض أرضه، وفي الشعب الفلسطيني فقتلت وما تزال تقتل زهرة شبابه ودمرت وما تزال تدمر مدنه وقراه ومخيمات اللجوء الثاني المتناثرة في مختلف الأنحاء.
ان إسرائيل التي أغار طيرانها على المفاعل النووي في بغداد، قبل ربع قرن تقريبا، والتي لا تتعب من تهديد ايران بأنها ستدمر قدراتها العسكرية، في أي وقت.
ان إسرائيل التي بعثت بطيرانها الحربي، في العام الماضي، ليخرق جدار الصوت فوق القصر الجمهوري في اللاذقية، ارهاباً للرئيس السوري بشار الأسد، والتي عادت فأرسلت طيرانها الحربي مرة أخرى ليقصف معسكراً مهجوراً للجبهة الشعبية القيادة العامة قرب دمشق.
إن إسرائيل التي اعترفت بأن طيرانها الحربي قد lt;lt;استكشفgt;gt; أجواء ليبيا وتونس أكثر من مرة في السنوات الماضي...
إن إسرائيل هذه تحاول لي ذراع الاتحاد الروسي لمنعه من ان يبيع سوريا بضعة صواريخ، تمكنها من حماية أجوائها، وتعزز قدراتها الدفاعية، خصوصاً أن إسرائيل قد رفضت بلسان أرييل شارون العودة الى طاولة المفاوضات معها، ولا تفتأ توجه إليها التهديدات والإنذارات، تارة بذريعة انها تشجع الانتفاضة في فلسطين وطوراً بذريعة انها تدعم مقاومة lt;lt;حزب اللهgt;gt; في لبنان...
ان إسرائيل التي تملك أكثر من مئتي رأس نووي، والتي ترفض التوقيع على اتفاق منع انتشار أسلحة الدمار الشامل، ويحظى موقفها المتحدي للارادة الدولية بالحماية الأميركية المطلقة...
ان إسرائيل هذه التي تكاد تكون لها او بتصرفها قوة امبراطور الكون الأميركي...
إن إسرائيل أرييل شارون تحاول أن تفرض نفسها وصياً على روسيا، فتستهين بتاريخها وبوزنها العالمي وبقدراتها النووية، وبحقها في أن ترسم سياستها وفق مصالحها الوطنية، وبحرصها على علاقاتها الودية مع دول تحفظ لها الجميل وتكن لشعوبها كل التقدير.
هذا مع الإشارة إلى أن بعض المحللين السياسيين وبعض الخبراء في العلاقات الدولية والسياسة الخارجية الروسية، قد كتبوا يحذرون شارون من تحدي الكرامة الوطنية الروسية، ويهوّنون من شأن صفقة السلاح إلى سوريا (لو تمت)، ويتحدثون عن الحق البديهي لروسيا ببيع الفائض من السلاح لديها (فالسلاح أعد ليباع وليشترى)، ثم إن lt;lt;الصواريخgt;gt; التي تقترحها روسيا على سوريا ليست بمثابة تغيير في الوضع الاستراتيجي لإسرائيل: صحيح أنها أكثر حداثة من صواريخ سكاد القديمة التي حشدها الأسد الأب، ولكن الصواريخ القديمة موجودة بكمية لن تستطيع إسرائيل أصلاً أن تبطل فاعليتها كلها (أو حتى القليل منها).
إن إسرائيل شارون تتصرف وكأنها lt;lt;الآمر الناهيgt;gt; في الكون: تأمر، بالقوة الأميركية، فتُطاع، وتقرر فيكون لها ما تشاء.
ولقد باشرت إسرائيل شارون قصف موسكو من قبل أن تبدأ زيارة الرئيس السوري إلى موسكو، ومن قبل أن تجري المحادثات حول صفقة الصواريخ، وبالطبع من قبل أن تصل هذه الصواريخ (الأقوى من المئتي رأس نووي في مفاعيل ديمونا الشهير) إلى مرفئها الأخير في سوريا.
ولا تحتاج روسيا إلى تحريض لكي تحفظ كرامتها الوطنية، فتقرر أن تعزز القدرات الدفاعية لضحايا القوة الإسرائيلية المطلقة، خصوصاً أنها تعاني من التحدي الإسرائيلي مثل ما تعانيه سوريا (والعرب إجمالاً) وأكثر.